الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
لم يكن المجتمع العراقي في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً ومتحداً يسوده الانسجام، بلكان مؤلفاً من شرائح وتيارات عديدة متناقضة بينها
لا يجمعها أي تفاهم وتنسيق، فقد كان هناك أنصار الحزب الأموي الخطير، والخوارج الذين يوجبون محاربة الفريقين، والمسلمون الموالي الذين وفدوا إلى العراق من مناطق أُخرى حيث قد بلغ عددهم العشرين ألفاً، وأخيراً جماعة شكّاكون بلا عقيدة ثابتة يتأرجحون بين تأييد هذا التيار وذاك.
هؤلاء جميعاً شكّلوا المجتمع العراقي في تلك الفترة، هذا مضافاً إلى تلك الشريحة التي تشايع خط أمير المؤمنين وأهل البيت(1).
وقد انعكست طبعاً ظاهرة التعدّدية العقائدية والتباين الفكري والتفكّك على جيش الإمام الحسن ـ عليه السَّلام ـ أيضاً وجعلت منه جيشاً لا يتمتع بالانسجام والتماسك، ولذلك كان من غير الممكن الاعتماد على هذا الجيش في مواجهة العدو الخارجي.
وقد كتب أُستاذ الشيعة المرحوم الشيخ المفيد والمؤرّخون الآخرون حول هذه الظاهرة الخطيرة في جيش الإمام: وبعث حجراً يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثمّ خفوا ومعه أخلاط من الناس:
أ. بعضهم شيعة له ولأبيه.
ب. وبعضهم محكّمة ـ أي خوارج ـ يؤثرون قتال معاوية بكلّ حيلة ـ بغضاً بمعاوية لا حباً بالحسن ـ.
ج. وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم.
د. وبعضهم شكّاك لا يرون للحسن أي أفضلية على معاوية.
هـ. وبعضهم أصحاب عصبية اتّبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين(2). وهكذا كان جيشالحسن يفتقد الوحدة والانسجام الضروريين في مواجهة عدو قوي كمعاوية.
وكما أسلفنا لم يكن العراقيون على مرام واتجاه واحد، بل كانوا مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم، يرفعون في كلّ يوم راية من الرايات وشعاراً من الشعارات، وطالما يخضعون للسلطات التي تحكمهم، وكما يقال يأكلون الرغيف بسعر اليوم.
وانطلاقاً من هذه الروح التي تحكمهم وتزامناً مع اشتداد تجهيز الجيوش وتعبئة القوات من الجانبين، خان بعض رؤساء القبائل والشخصيات المنحدرة من عوائل كبيرة الإمام الحسن وراسلوا معاوية وأعلنوا عن حمايتهم لحكمه وشجعوه على المسير نحو العراق سرّاً واعدين إيّاه أن يسلّموه الحسن حياً أو ميتاً إذا ما وصل هو إليهم، فأرسل معاوية نفس تلك الرسائل إلى الإمام، وقال له: كيف تقاتلني وأنت تثق وتعتمد على هؤلاء؟!(3)
جعل الإمام الحسن ـ عليه السَّلام ـ عبيد اللّه بن عباس على مقدمة الجيش وأرسل معه اثني عشر ألفاً من المقاتلين بعد أن ترك الكوفة منطلقاً إلى قتال معاوية، ونصب كلاً من: قيس بن سعد وسعيد بن قيس، وهما من كبار أصحابه كمستشارين له يخلفانه إذا ماحدث حادث لواحد من هؤلاء الثلاثة على التوالي(4).
حدّد الإمام مسير الجيش واتجاهه وأمر بأن يصد جيش معاوية أينما وجد، وأن يطلعوهعلى ذلك حتى ينطلق هو بأصل الجيش نحوهم ويلتحق بهم فوراً(5).
«عبیدالله» فوج تحت فرماندهى خود را حرکت داد ودر محلى بنام «مَسکِن» با سپاه معاویه روبرو شد ودر آنجا اردو زد.
انطلق عبيد اللّه بمجموعته وعسكر بأرض تدعى« مسكن» قبال جيش معاوية.
لم يمضِ وقت طويل حتى أُبلغ الإمام بأنّ عبيد اللّه قد استلم مليون درهم من معاوية والتحق بمعسكره ليلاً برفقة ثمانية آلاف مقاتل(6).
وكان من الواضح مدى تأثير خيانة هذا القائد في زعزعة معنويات الجيش وضعضعة وضع الإمام العسكري في تلك الظروف الحرجة. ومهما كان فقد تولّى قيس بن سعد الذي كان رجلاً شجاعاً تقياً ووفياً لآل علي كثيراً قيادة الجيش بأمر من الإمام الحسن، وقد حاول أن يرفع من معنويات المقاتلين خلال خطبة حماسية، وأراد معاوية أن يغريه بالمال أيضاً غير انّه لم يبع نفسه وراح يواصل صموده أمام أعداء الإسلام(7).
لم يكتف معاوية بشراء عبيد اللّه، بل راح وبدافع اختراق جيش الإمام الحسن وبث روح الفرقة والأراجيف من خلال جواسيسه ومرتزقته يشيع بين جيش الإمام انّ قيس بن سعد قد صالح معاوية، ويشيع في جيش قيس أيضاً انّ الحسن بن علي صالح معاوية هو الآخر.
وقد وصل بهم الأمر إلى أن أرسل معاوية عدّة ممن عُرفوا بحسن الظاهر لدى الناس للقاء الإمام الحسن فالتقوا به في معسكر المدائن، وبعد أن خرجوا من خيمته راحوا ينادون بصوت عال: إنّ اللّه قد حقن بابن رسول اللّه الدماء وسكن الفتنة وأجاب إلى الصلح. فصدّقهم الناس وكانوا يثقون بهم ولم يحاولوا استقصاء الحقيقة، فتمرّدوا على الإمام، وهاجموا خيمته وسلبوا ما فيها، ثمّ تفرّقوا بعد ان حاولوا قتله(8).
انطلق الإمام تاركاً المدائن نحو ساباط، وكان قد كمن له أحد الخوارج في الطريق مسبقاً، فضربه ضربة قوية، فأخذ الإمام ينزف دماً أثر الجراح، ثمّ نقله بعض أصحابه المقربين إلى المدائن وتوخّمت حالته الصحية هناك، فراح معاوية يسيطر على الوضع باستغلاله لهذه الفرصة المتاحة، فاضطر الإمام الذي فقد قوته العسكرية الرئيسية وظل وحيداً إلى قبول اقتراح الصلح والسلم(9).
وعليه إذا الإمام قد رضخ للصلح فلأنّه لم يملك حلاً غير ذلك كما كتب الطبري ومؤرّخون آخرون: فلمّا أفردوه أمضى الصلح (10)،(11).
لا يوجد تعليق