تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
10-أحکام بيع الوقف
الخلاصة : وهذا العنوان (سواء کان طلقا أو التمامية) عنوان منتزع من الموانع الکثيرة المتصورة عن مقابل البيع، وقد أنهاها المحقق التستري في کلماته باثنين وعشرين مانعا! نقل ثمانية عشر منها شيخنا الاعظم في مکاسبه والاربعة الباقية هي:
1ـ تعلق حق الغرماء.
2ـ تعلق حق المضمون له بالضمان لو اشترط في مال خاص.
3ـ البيع قبل القبض في التبرعات المجانية، بناء على اشتراط القبض في تمام الملک.
4ـ البيع قبل القبض في الصرف، بناء على ما عرفت.
وعلى کل حال ليس من هذه العنوان في الادلة عين ولا اثر، حتى يؤخذ به، بل لابد في کل موضع من الأخذ بدليله الخاص به، فنقول (ومنه جل ثنائه التوفيق والهداية):
اما بيع الوقف فالمشهور بل ادعى الاجماع حرمته.
ويظهر من کلمات العامة انه مفروغ عنه عندهم أيضاً کما حکاه الشيخ في الخلاف کتاب الوقوف.
واستدل له مضافا إلى ذلک بروايات عديدة، قال في الجواهر يمکن دعوى تواترها:
1ـ منها ما رواه ابوعلي بن راشد عن أبي الحسن (ع) قال قلت: جعلت فداک اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبّرت أن الارض وقف، فقال: ((لا يجوز شراء الوقوف (الوقف خ ن ) ولا تدخل الغلّة في ملک)).
2ـ ما رواه أيوب بن عطية قال: سمعت أباعبد الله (ع) يقول: ((قسم رسول الله (ص) الفيء فأصاب علياً (ع) أرض فاحتفر فيها عيناً فخرج منها ماء ينبع في السماء... فقال: بشّر الوارث، بشر الوارث، هي صدقة بتاً بتلاً في حجيج بيت الله)) بناء على کون قوله (لاتباع ولا توهب ولا تورث) وصفاً لنوع الوقوف بعد ما ذکر الصدقة بعنوان جنس لها، لاوصفا لشخصه بان يکون من الشرائط في ضمن العقد، ولکن ظهور الحديث في المعنى الاول لا يخلو من اشکال.
3ـ ما رواه عجلان أبي صالح عن أمام الصادق (ع) قال: أملى ابوعبد الله (ع) ((بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما تصدق به فلان بن فلان هو حي سويّ بداره التي من بني فلان بحدودها، صدقة لاتباع ولا توهب، حتى يرثها وارث السماوات والأرض، وانّه قد أسکن صدقته هذه فلاناً وعقبه، فاذا انقرضوا فهي على ذي الحاجة من المسلمين)). والاستدلال به مثل سابقه.
4ـ ما رواه ربعيّ بن عبدالله عن أبي عبد الله (ع) قال: ((تصدّق اميرالمؤمنين (ع) بدار له في المدينة في بني زريق فکتب بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما تصدق به علي بن أبيطالب وهو حي سويّ، تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لاتباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والارض)).
ويرد عليه ما ورد على الرواية السابقة من احتمال کون القيد من قبيل الشرط الخاص لا من اوصاف النوع.
وقد يعارضها بعض الروايات مثل ما روى علي بن مهزيار قال: کتبت إلى أبي جعفر الثاني(ع) ان فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لک في (من) الوقف الخمس، ويسأل عن رأيک في بيع حصتک من الأرض أو تقويمها على نفسه بما أشتراها، أو يدعها موقفة فکتب اليّ: ((أعلم فلانا انّيآمره أن يبيع حقي من الضيعة)).
ولکن حملت الرواية على عدم القبض وشبهه.
هذا، ولکن الذي يسهل الخطب ان العمدة في المسألة کون (التابيد) من الشرائط المفروغ عنها عند العرف والعقلاء، المأخوذ في ماهية الوقف، وان الظاهر ان الوقف ليس من ابداعات الشريعة الإسلامية، بل کان معمولاً بينهم من قبل، الوقف على الکنائس والبيع وغيرهما من المعابد.
ولکن سيأتي ان شاء الله ان الظاهر من روايات الأصحاب وفتاواهم کون الوقف على قسمين منقطع ومؤبد، وان عدم البيع وشبهه مأخوذ في خصوص المؤبد ولکن الوقف ينصرف إلى خصوص المؤبد بل لا يفهم منه غيره (في عصرنا).
ومما ينبغي ذکره أيضاً انا لم نعثر على ما ادعاه في الجواهر من تواتر الروايات الدالة على عدم جواز بيع الوقف.
نعم يظهر من بعضها ـ سوى ما ذکر ـ ان عدم جواز البيع کان مفروغا عنه في اذهان الروات وانما کانوا يسئلون عن مجوزاته مثل ما رواه على ابن مهزيار قال: وکتبت إليه: ان الرجل ذکر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا، وانه ليس يأمن أن يتفاقم ذلک بينهم بعده، فان کان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى کلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلک أمرته، فکتب إليه بخطه ((واعلمه أن رأيي له ان کان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال والنفوس)).
ولکن في مقابلها ما يظهر منه خلافه مثل ما روى علي بن مهزيار نفسه وقد مرّ آنفاً قال: کتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) انّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لک في الوقف الخمس ويسأل عن رأيک... فکتب اليّ: ((أعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقي من الضيعة)).
ومع ذلک کله لا يبلغ شيء من ذلک حد التواتر أو قريبا منه.
هذا، ويمکن القول بان الوقف على قسمين، قسم مؤبد وقسم منقطع (وان کان المعروف هو القسم الاول) ويشمله قوله: (الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها).
کما سنشير إليه ان شاء الله في محله، ولکن لا يصح بيع شيء منها في زمن الوقف فبطلان بيعه مقطوع به سواء کان مؤبداً أو موقتاً کما لا يخفى.
بقي هنا شيء: وهو ان صاحب الجواهر (قدس سره الشريف) صرح في بعض کلماته في المقام بان مجوزات بيع الوقف توجب ابطال وقفيته.
قال: (الذي يقوي في النظر بعد امعانه ان الوقف مادام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع کونه وقفا من المتضاد، نعم اذا بطل الوقف فالمتجه حينئذ جواز البيع).
وقد حکى انه تبع في ذلک استاده کاشف الغطاء ـ قدس سره ـ ولکن البطلان لاوجه له والتضاد انما هو في غير موارد الضرورة وشبهه وجواز البيع حينئذ لا يدل على ابطال الوقف، بل يبقى على حاله إلى ان يباع وهو المرتکز العرفي العقلائي أيضاً.
وان شئت قلت: الوقف هو المال الموقوف الذي لا يباع ولا يورث مادام وقفاً بحسب طبعه الاولي، وان کان قد يخرج عن هذه الطبيعة بسبب ضرورات خاصة، فاذا حصل شيء منها کانت طبيعة الوقف باقية على حالها، وان جاز بيعه بسبب العوارض المنافية لطبيعته.
مجوزات بيع الوقف
قد وقع الخلاف بين الفقهاء الاعلام في جواز بيع الوقف في بعض الحالات بعد کون عدم البيع هو الاصل فيه، واختلفت الاقوال فيه غاية الاختلاف، وقلما يوجد مسألة وقع فيها مثل هذا الخلاف، وقد نقل کثيرا منها شيخنا الاعظم في مکاسبه، وقد سبقه إلى ذلک (صاحب الجواهر) رضوان الله عليهما، ذکرها في صفحات کثيرة من کتابه، کما انه سبقهما إليه صاحب مفتاح الکرامة ـ قدس سره ـ والاولي ذکر امهاتها ثم الرجوع إلى ادلة المسألة التي هي العمدة في المسألة دون الاقوال.
قال في الجواهر ـ بعد ذکر الاقوال ـ هذا مجموع ما وقفنا عليه من عبارات الأصحاب أو حکيت لنا وقد تبين منها انهم ما بين مانع من بيع الوقف، ومجوز له في الجملة، ومتوقف عن الحکم... وان الاکثر على جواز البيع في الجملة، ولکن کلامهم في تعيين محل الجواز والسبب المجوز على ما ترى من الاختلاف الشديد الذي قلما اتفق مثله في شيء من المسائل، حتى انفرد کل منهم بقول! وقال صاحب المفتاح: عبارات الأصحاب هنا مشکلة کما في غاية المراد، وفي المسالک قد اضطربت فتوى الأصحاب في هذه المسألة اضطرابا عظيما، حتى من الرجل الواحد في الکتاب الواحد!
وذکر شيخنا الاعظم بعد نقل الاقوال ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا:
احدها: عدم الخروج اصلا.
ثانيها: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة.
ثالثها: الخروج عن عموم المنع في الجملة في المؤبد.
رابعها: ما يظهر من بعضهم من التعميم في المنقطع أيضاً، کما يظهر من بعضهم التخصيص.
ثم انه يظهر من کلامه (قدس سره) أيضاً ان محل الکلام خصوص ما کان ملکا للموقوف عليهم، لا مثل المساجد والمدارس والربط التي لا تکون ملکا لاحد، بل يکون فک ملک.
اقول: ينبغي الکلام «اولا» في الموقوفات العامة، ثم الموقوفات الخاصة.
والموقوفات العامة أيضاً على قسمين، قسم منها يکون وقفا على جميع المسلمين کالمساجد والقناطر، وبعضها لصنف خاص منهم کالربط للمسافرين، والمدارس لطلاب العلم، والمستشفيات للمرضى، وغير ذلک.
واللازم البحث عن کيفية الوقف فيها اولا وانها هل هي فک للملک أو تمليک للمسلمين؟
اما المساجد فلا يبعد ان يکون من قبيل فک الملک، أو ملکا خاصا لله، کملک سهم واحد من السهام الستة من الخمس له تعالى، وان کان هو مالک الملوک ومالکا لکل ملک ملکا عاما وکذا بيت الله الحرام والمشاعر العظام.
ولکن يظهر من کلام المحقق في الشرئع انه ملک للمسلمين حيث قال في کتاب الوقف يصح الوقف على المصالح (اي مصالح المسلمين) کالقناطر والمساجد لان الوقف في الحقيقة على المسلمين انتهى.
وهذا الکلام ظاهر في کونه تمليکا عليهم وان کانت موقوفة لا يجوز بيعها.
لکن وقال في موضع آخر: (اذا وقف مسجد فخرب، أو خربت القرية أو المحلة، لم يعد إلى ملک الواقف، ولا تخرج العرصة عن الوقف).
وقال في الجواهر في شرح هذا الکلام: (وان لم يبق من آثاره غيره اذ هي (اي العرصة) العمدة في المسجديّة بلاخلاف اجده في شيء من ذلک بيننا) ولولا ما ذکره من کون المسألة کالمجمع عليه بين الأصحاب، امکن القول بجواز بيعها اذا صارت متروکة أو مخروبة بحيث لا ينتفع بها بعنوان المسجد اصلا باذن ولي امر المسلمين، لانها من اموالهم ولا تترک اموالهم سدى، ولکن شبهة الاجماع وارتکاز المتشرعة يمنعنا عن الحکم في ذلک الا بالاحتياط.
هذا، وقد يخرج المسجد عن عنوان المسجدية کما اذا وقع في الشارع واخرب ظلما، أو لضرورة المسلمين فانه يشکل صدق عنوان المسجد حينئذ عليه، وکانه کالمتلف، وحينئذ لايبعد ان يکون من اخربها ضامناً لثمنه للمسلمين، فيصرف ثمنه باذن ولي الامر في بناء مسجد آخر، أو تعمير سائر المساجد،ومما ذکرنا يظهر انه لا يجري عليه احکام المسجد بعد ذلک ـ اي بعد ما وقع في الشارع وتبدل عنوانه وليس المقام، مقام الاستصحاب کما هو ظاهر.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
من شرائط العوضين کون الملک طلقاً
هذا هو الشرط الرابع وقد عبّر غير واحد عنه بلزوم کونهما طلقا، وعبر العلامة في القواعد باشتراط التمامية في الملک، ثم فرع عليه عدم صحه بيع الوقف.
لا يوجد تعليق