تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
11-تتمّة الکلام في الملک العام
الخلاصة : فاذا خربت، أو خرجت عن حيز الانتفاع وان لم تخرب، کالمستشفي أو المدرسة التي وقعت في محلة صناعية مزدحمة مملؤة بالدخان وشبهه بحيث لا ينتفع بها لمداواة المرضى، او لطلاب العلم، وح بيعها باذن ولي الامر واشتراء محل آخر لهذا المقصد اقرب شيء إلى قصد الواقف، وإلى مصالح المسلمين، أو يصرف وجهها في محل مثله اذا کان أقرب إلى منافعهم وغرض الواقف، فان ابقائها على حالها وأتلاف منافعها بالمرة غير جائز بعد کونها للمسلمين جميعاً أو لصنف خاص منهم، ومن وظيفة ولي الامر ملاحظة غبطتهم في هذه الامور لانه منصوب لذلک.
وان شئت قلت: الکلام في المسجد وغيره يکون في اربعة امور:
1ـ العرصة.
2ـ البنيان.
3ـ الالات والادوات، کفراش المسجد وحصيره والاسرجة وغيرها.
4ـ ما اشترى من غلة ما وقف على المسجد والمدرسة وغيرها کان يشتري فراش او سراج المسجد من منافع بعض موقوفاته.
اما الاول: فقد عرفت دعوى صاحب الجواهر عدم الخلاف بين الأصحاب في المنع عن بيع المسجد، والقدر المتيقن منه خصوص الارض وان کانت المسألة خلافية بين العامة فراجع کلام العلامة في التذکرة، في کتاب الوقف فقد نقل عن احمد انه اذا خرب الوقف وبطلت منافعه کدار انهدمت أو ارض خربت وعادت مواتا ولم يکن عمارتها، کمسجد انتقل اهل القرية عنه وصار في موضع لايصلي فيه، أو ضاق باهليه ولم يمکن توسيعه في موضعه... جاز بيع بعضه لتعمر به بقيّته، فان لم يمکن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه ويجوز تحويل المسجد خوفا من اللصوص (انتهي موضع الحاجة منه).
فالاحوط فيه عدم بيعه واما في غير مورد المسجد، فالظاهر انه لا مانع من بيعه اذا سقط عن حيز الانتفاع لما عرفت من انه ملک للمسلمين، فلا يبقي معطلاً بل قد يجب بيعه وصرف ثمنه لاشتراء مثله، في موضع ينتفع منه، أو يصرف في تعمير غيره من امثاله ان لم يمکن الاول، لان ابقائه بحاله ضرر على المسلمين ومفسدة عليهم وکل ذلک باذن ولي الامر.
واما القسم الثاني اي البنيان فالظاهر انه لا اشکال في جواز بيعه اذا انهدم ولم يمکن الانتفاع به في ذاک المسجد أو المدرسة أو غيرها.
وقد افتى کثير من المعاصرين بذلک في حواشي العروة ولو قلنا بان المسجد يکون تحريراً وفکاً بجميع اجزائه حتى بنائه، فيکون بمنزلة العبد المعتق، فکيف يجوز بيعها حينئذ بعيد جدا فهل يمکن القول بانه يرجع إلى المباحات الاصلية، ويجوز تملکه لکل احد (کما قد يلوح احتماله من بعض الکلمات) لا اظن ان يفتي به فقيه فالقول بعوده مباحاً اصليا غير ممکن، کما ان القول بجواز بيعه مع کونه تحريراً أيضاً مشکل، وهکذا القول برجوعه إلى ملک الواقف لان العبد المعتق لا يعود ملکا وهذا مثله.
فالقسم الثاني، اعني الابنية، لا ينبغي الاشکال في جواز بيعها اذا خربت وخرجت عن محل الانتفاع، فانه لا معنى لا بقائها متروکة معطلة، بل اما تباع ويصرف ثمنها في تعمير ذاک المسجد أو المدرسة أو غيرهما، أو يصرف عينها في مسجد أو مدرسة اخرى، وفي تقديم الاول على الثاني أو بالعکس اشکال، والاحوط ملاحظة المقامات والاخذ بالاقرب فالاقرب إلى نظر الواقف وغبطة المسلمين ومصالح الوقف.
واما الثالث: اي الآلآت والادوات الموقوفة على المساجد والمدارس وغيرها فهي اوضح حالا من سابقها، فاذا سقطت عن قابلية الانتفاع ولو کانت سالمة کبعض انواع السراج بعد ظهور الکهرباء، أو خربت وسقطت عن حيز الانتفاع رأسا، جاز الانتفاع بها بمثل ما مرّ، وقد يستدل على ذلک بما ورد في بيع ثياب الکعبة مثل ما رواه الکليني عن مروان قال: سألت ابا الحسن (ع) عن رجل اشترى من کسوة الکعبة شيئا، فاقتفي ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده، هل يصلح بيعه؟ قال: ((يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد)).
وقال الکليني ـ رضوان الله عليه ـ وفي رواية انه يجوز استعماله (ثياب الکعبة) وبيع بقيته.
ولکن دلالتها على المطلوب مشکل لانه لايدري ان ثوب الکعبة من قبيل الموقوف عليها، أو الاهداء إليها والتمليک للکعبة؟ لانه لا مانع من کون الکعبة يمکن مالکة للاشياء کما عرفت سابقا، أو الوقف المنقطع، وذلک لان المتعارف تبديل ثوب الکعبة کلّ سنة، أو اذا صارت بالية، وحينئذ يتبرک بما يبقى منه، أو يباع، وحيث يعلم ذلک من اول الامر يشکل فيه الوقف غير المنقطع.
ولکن المسألة اوضح من ان تحتاج إلى مثل هذا الاستدلال.
وفي بعض الروايات مايدل على عدم جواز الوقف على المسجد مثل ما روى مرسلا عن الصادق (ع): قال الصدوق ـ قدس سره ـ سئل الصادق (ع) عن الوقوف على المساجد فقال: ((لا يجوز فان المجوس وقفوا على بيوت النار)).
ولکنها ضعيفة سنداً ودلالة.
اما السند فبالارسال، واما الدلالة فلاختلاف النسخ في وجود ((لا)) في قوله ((لا يجوز)) ويشهد على حذفه رواية اخرى في هذا الباب ولعلها اشارة إلى انه کيف لا يجوز الوقف على المساجد مع ان المجوس اوقفوا على بيوت النار وانتم أولي بذلک.
واما القسم الرابع: وهو ما يحصل من الموقوفات على المساجد والمدارس وغيرها ومن الواضح انها ليست وقفا بل هي ملک للموقوفات، ولو کانت وقفا لم يجز صرف عينها في الاطعام وغيره، فان الوقف هو حبس العين وتسبيل المنافع، وما يصرف عينه ليست وقفا قطعا.
فلو اشترى من منافع الموقوفات فراشا للمسجد لا يکون وقفا ويجوز تبديله بالاحسن منها اذا کانت مصلحة للمسجد، باذن المتولي أو ولي الامر، ولا ينتظر خوف خرابه، ومن هنا تظهر الثمرة بينه وبين ما کان وقفاً للمسجد فلا يجوز بيعه الا اذا خرج عن حيّز الانتفاع أو خيف خرابه.
وههنا فروع
الاول: لو شک في ان الفرش أو السراج أو مثلهما وقف على المسجد أو اشترى من منافع موقوفاته، هل يجوز التصرف فيه بتبديله باحسن منه اذا کان مصلحة للمسجد أم لا؟الظاهر انه لا يجوز، لان الاصل في المعاملات الفساد واصالة عدم الوقفية معارض باصالة عدم الملکية المطلقة فتأمل.
الثاني: لا يجوز التصرف في فرش المسجد والمدرسة وامثالهما الا للمصلين والطلاب وشبه ذلک، ولا يجوز اخراجه إلى غير هما کما لا يجوز الوضوء بماء المسجد والصلاة في غيره لان الظاهر لولا دليل على خلافه انه وقف على المسجد أو ملک له ـ کما ان اليد في الإنسان تقتضي الملکية ـ وکونه اعم من المسلمين أو الطلاب يحتاج إلى دليل.
الثالث: يظهر من کلام المحقق النائيني انه قسم الموقوفات العامة والخاصة إلى خمسة اقسام:
الاول: وقف المشاعر کالمسجد والمشهد، ولا يبعد الحاق الحسينية بهما وهذا هو الذي يقال انه تحرير وفک ملک ... فهو بمنزلة العتق.
الثاني: ما يلحق بالاول کوقف الخانات والقناطر، وما يشبه ذلک، مما يوقف لانتفاع کل من سبق إليه فانه أيضاً تحرير.
الثالث: ما کان وقفا على الجهة کالوقف على العلماء وطلاب المدارس، والوقف في هذا القسم ليس تحريرا بل تمليک للجهة ولذا لو غصبه غاصب يحکم بضمانه، دون الاولين!
الرابع: ما کان وقفا خاصا کالوقف على الذرية، وهذا القسم قد يکون مؤبداً وقد يکون منقطع الاخر.
الخامس: الوقف على الموقوفات کالحصر على المسجد أو الفرش على المساجد.
والفرق بينه وبين القسم الثالث انّ في القسم الثالث يملک الموقوف عليه المنفعة اما في هذا القسم فمجرد اباحة الانتفاع.
اذا عرفت ذلک فاعلم ان مقتضي الاصل عدم جواز بيع القسم الاول والثاني لخروجها عن الملکية، ومقتضي الاصل جواز بيع القسم الخامس اذا لم يمکن الانتفاع به، لان الواقف وان وقف عين الرقبات ولکن حيث انها مما تزول خصوصياتها الشخصية فکانه وقفها بمراتبها، وتعلق نظره اولا بشخصيتها، ثم بما ليتها، فاذا لم يمکن الانتفاع بشخصها فللحاکم أو المتولي تبديلها ويصير بدلها أيضاً وقفا.
واما القسم الثالث والرابع فالاقوى الحاقهما بالقسم الخامس(انتهي ملخصا).
اقول: وفي کلامه (قدس سره) مواقع للنظر.
اولا: ان القول بالتحرير والفک في القسم الاول والثاني غير تام، کما عرفت سابقا لاسيما في القسم الثاني.
وثانيا: کيف يلتزم بان من اتلف شيئا من المسجد أو من المدرسه لاضمان عليه، ولا اظن من يلتزم ذلک في العمل، بل الظاهر کونه ضامنا وهذا دليل على عدم کونه تحريراً.
وثالثا: قد اشتهر بينهم جواز بيع بنيان المسجد اذا خرب ولم يمکن الانتفاع به وهذا ينافي ما ذکره في کلماته.
ورابعا: لا وجه للفرق بين القسم الثاني والثالث.
خامسا: ما ذکره في القسم الخامس من المعاملة معه معاملة الوقف غير تام بل هو من قبيل الملک للوقف لا الوقف، کما عرفته آنفا.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
واما المدارس والمستشفيات والربط والمکتبات وامثالها فهي على الظاهر ملک للمسلمين، وان کان لا يجوز بيعها مادامت باقية في حيز الانتفاع، فما ذکره شيخنا الاعظم ـ رضوان الله عليه ـ من انها من قبيل التحرير وفک الملک لادليل عليه، بعد الارتکاز العرفي على خلافه، فان مثل هذه الموقوفات الموجودة في جميع الامم تعد من الاموال العامة موقوفة على حالها.
لا يوجد تعليق