بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
القول في جواز بيع الوقف المنقطع وعدمه يتوقف على بيان موضوعه، وان هذا الوقف هل هو صحيح او لا؟ لنکون على بصيرة من حکمه، فنقول (ومنه جلّ ثنائه التوفيق والهداية):
ان الانقطاع في الوقف قد يکون من ناحية اخذ الزمان فيه کان يقول وقفت هذا الدار لک عشر سنين، واخرى من جهة عدم بقاء العين الموقوفة بحسب ذاته، کما اذا وقف فرسا أو جملا أو شبه ذلک للجهاد في سبيل الله وزيارة البيت الحرام.
وثالثة: من جهة عدم بقاء الموقوف عليه کما اذا وقف داره لزيد فمات بعد سنين وبقي الدار بحاله.
لا اشکال في بطلان الاول لعدم الخلاف فيه بل الاجماع عليه، والظاهر انه ناش عن اعتبار الدوام في مفهومه عرفا وشرعا، کما انه لا اشکال في صحة الثاني کما يظهر بمراجعة کلماتهم في ابواب الوقف ويشمله عموم الادلة.
انما الکلام في الثالث، اعني ما کان عمر الموقوف عليه محدودا، کما اذا وقف دارا لزيد أو مکتبة لعالم خاص من العلماء، أو غير ذلک ففي صحته وفساده اقوال بين الأصحاب.
قال العلامة ـ قدس سره ـ في القواعد: ولو وقفه على من ينقرض غالبا ولم يذکر المصرف کما لو وقف على اولاده (بلا واسطة) واقتصر ... فالاقرب انه حبس يرجع إليه أو إلى وارثه بعد انقراضهم.
وقال في الحدائق ان فيه اقوالا ثلاثة:
1ـ صحته وقفا.
2ـ صحته حبسا.
3ـ البطلان، وبالاول قال الشيخان وابن الجنيد وسلار وابن البراج وابن ادريس، على ما نقله في المختلف، وبالثاني قال العلامة في القواعد والارشاد وبه قال ابن حمزة، والثالث غير معلوم قائله.
وذکر المحقق في الشرائع فيه قولان: فقال: قيل يبطل الوقف وقيل يجب اجرائه حتى ينقرضوا وهو الاشبه (انتهى).
اقول: قبل الورود في ادلة المسألة لابد ان يعلم الفرق بين (الحبس) و(الوقف) وقد عرفت ان الوقف نوع تمليک، حينما يکون الحبس باقيا على ملک مالکه بالاجماع، وتکون المنافع لغيره، وله اقسام:
قسم منه يسمى بالسکنى کان يجعل سکنى داره لزيد، مدة معلومة، وقسم منه يسمى بالعمري کان يجعل داره له مادام زيد حيا، وقسم يسمى بالرقبى، کان يجعل فرسه أو کتابه أو لباسه ينتفع منه غيره مدة معلومة (وتسميته بالرقبى ناظر إلى مراقبته وانتظاره لهذا الامد).
اذا عرفت ذلک فاعلم: ان العمدة في المسألة هي انه هل يتصور التمليک الموقت بان يقول المالک ملکتک هذا الدار إلى عشر سنين، اولا يصح؟ فان المقام من هذا القبيل، نعم لامانع من التوقيت في المنافع بل هو الغالب، ولکن في العين غير ثابت.
والحاصل انا لانجد في الفقه ولافي عرف العقلاء موردا يکون الملک فيه موقتا حتى يصح انشائه، وقد عرفت فيما سبق ان وجوب الوفاء بالعقود انما هو ناظر إلى العقود المتعارفة الدارجة لاکل عقد مقترح من عند کل إنسان على وفق ميله.
ان قلت: فما تقول في العقد الخياري کبيع الشرط وشبهه.
قلنا: التمليک فيها مؤبد وانما يکون لواحد منهما أو لکليهما حق الفسخ، وهذا لادخل به بالملک الموقت، والحاصل انه ليس التمليک في الاعيان کعقد النکاح له دائم وموقت، بل ليس له عند العرف والعقلاء واهل الشرع منهم الاقسم واحد، وهو المؤبد، فليس لنا انشاء غير المؤبد سواء في البيع والوقف وغيرهما.
ومن هنا يظهر الجواب عن کثير من استدلالات القائلين بالصحة هنا التي تأتي الاشارة إليها.
وقد نقل لهم في الحدائق والمسالک والجواهر دلائل کثيرة لادلالة في شيء منها، وحاصل ما يستفاد من هذه الکتب الثلاثة امور:
1ـ الوقف نوع تمليک وصدقة فيتبع اختيار المالک في التخصيص وغيره.
والجواب عنه يظهر مما عرفت آنفا من ان اللازم في انشاء العقود هو القصد إلى ما هو المتعارف بين العرف والعقلاء، لاکل ما يخترعه إنسان بميل نفسه، وما يقترحه على سبيل ارادته.
2ـ الاصل، أو اصالة الصحة، والجواب عنه أيضاً ظاهر فان الاصل في العقود کما مر غير مرة على الفساد وعدم النقل والانتقال حتى يقوم دليل على اجتماع شرائط الصحة أو تشمله العمومات، وان اريد اصالة الصحة في فعل المسلم فهي أيضاً لامجال لها فانها اصل موضوعي والکلامهنا في الشبهة الحکميّة کما هو ظاهر.
3ـ عموم الامر بالوفاء بالعقود وقد ظهر أيضاً جوابه مما مر.
4ـ عموم ما ورد في توقيع الامام العسکري (ع):« الوقوف على حسب ما يقفها اهلها» ، والجواب عنه هو الجواب عن العمومات فان امضاء الوقوف على حسب ارادة الواقفين انما هو ناظر إلى الانحاء المختلفة التي تصح عند العرف والعقلاء في اقسام الوقف. فقد امضاها الشارع بهذه العبارة، لاکلّ ما يخترعه إنسان من قبل نفسه.
5 ـ تمليک الاخير لو کان شرطا في تمليک الاول لزم تقدم المعلول على علته (اي لو وجب في صحة الوقف تمليک بطن آخر بعد البطن الاول مع انه يتلقي الملک عن البطن الاول لزم محذور التقدم).
وفيه اولا: انه ليس المقام من قبيل العلة والمعلول فان هذه امور اعتبارية تابعة لاعتبار المعتبر، ولايجري فيها ما يجري من الاحکام في الامور الحقيقية العينية الخارجية، وکم من خطاء نشاء في مباحث الفقه والاصول عن الخلط بين الحقائق والامور الاعتبارية.
وثانيا: انه ليس تمليک الاخير شرطا لصحة الاول وفي سلسلة العلل ولا الاول علة للاخير بل الجميع في عرض واحد، فالمالک يجعل الملک في عمود الزمان لجيمع الطبقات والبطون واحدا بعد واحد بانشاء واحد من دون ان يکون احدهما علة والآخر معلولا کما في تمليک المنافع في طول الزمان لاشخاص مختلفة بانشاء واحد.
6ـ ما رواه ابو بصير عن أبي جعفر (ع) قال: ((قال أبوجعفر (ع) الا احدثک بوصية فاطمة ـ عليها السلام ـ قلت: بلى، فاخرج حقا أو سغطا فاخرج منه کتابا فقراه: بسم الله الرّحمن الّرحيم، هذه ما أوصت به فاطمة بنت محمّد (ص) أوصت بحوائطها السبعة بالعواف والدلال والبرقة ... إلى علي أبن أبي طالب (ع)، فان مضى على (ع) فإلى الحسن (ع) فانمضى فإلى الحسين (ع))) الحديث.
ولکن يرد عليه
اولا: انه لم يصرح فيها بالوقف بل لعله مجرد وصية ولکن يظهر من بعض روايات الباب ان هذه الحوائط کانت موقوفة من لدن النبي (ص) على اضيافه (ص) ومن يمر به وکانت التولية إليها ـ سلام الله عليها ـ (راجع الحديث الثاني من الباب 10).
ثانيا: انه ليس من قبيل المنقطع على کل حال لعلمها (ع) ببقاء اولادها إلى ابد الاباد لما ورثته من العلوم عن ابيها(عليهما السلام) بل لما ورد في حديث الثقلين المتواتر بين المسلمين.
7ـ هناک روايه اخرى عن الصفار عن أبي محمد العسکري (ع) ربما يستدل به على المقصود قال: کتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله عن الوقف الذي يصح کيف هو، فقد روى ان الوقف اذا کان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة واذا کان موقتا فهو صحيح ممضى(الحديث).
هذا ولکن لايخفي ما في الجواب من الابهام الظاهر ولو اخذ بعموم الجواب لزم صحة الموقت حتى ما وقع الاجماع على بطلانه.
ومثله ما رواه على بن مهزيار قال: قلت له: روى بعض مواليک عن آبائک ـ عليهم السّلام ـ ان کل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة وکل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل على الورثة، وأنت أعلم بقول آبائک ـ عليهم السّلام ـ فکتب (ع) ((هکذا هو عندي)).
فان ظاهرها أيضاً جواز «التوقيت» في الوقف الذي اجمعوا على بطلانه، مضافا إلى انه مخالف لما يستفاد من مفهوم الوقف عرفا، واجاب عنه الشيخ ـ قدس سره ـ في ماحکى عنه بان المراد من الوقف هو (الموقوف عليهم) وکان هذا الاطلاق متعارفا بينهم.
وهذا التفسير لايخلو عن غرابة، ولم يعلم کون هذا متعارفا، وقد ذکر صاحب الجواهر ـ قدس سره ـ أيضاً بان المراد من (الموقت) هو مادام الموقوف عليه موجودا، ومن غير الموقت، اذا انقرضوا.
ويرد عليه ما ورد على الشيخ، سلمنا ولکن کون الوقف صحيحا إلى مدة، وباطلا بعده أيضاً غريب فتامل.
واغرب منها ما افاده ـ قدس سره ـ بان دعوى ان ملک العين لايکون إلى امد وانّها متى خرجت عن ملک المالک يحتاج عودها إلى سبب جديد، واضحة الفساد ... لانها کالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى في الوقف الذي قد شرع نقله على هذا الوجه.
هذا وقد عرفت ان النص مبهم من هذه الجهة والفتاوى غير واضحة، وقد کثر الخلاف في المسألة، ولم تتضح بعض الفتاوى وانها ناظرة إلى الحبس أو إلى الوقف.
ومع ذلک کيف يمکن الرکون إليها مع مخالفتها لما هو معروف من الشرع والعرف من عدم الملک الموقت وان الملک على وجه التأبيد.
فالمسألة في غاية الاشکال والحکم بصحته وقفا لايساعده دليل واضح واصالة الفساد محکم.
واشکل منه الحکم بصحته حبسا، بعد تفاوت «الوقف» و «الحبس» بحسب الماهية کما عرفت، فان الاول تمليک العين، والثاني ليس الا تمليک المنافع فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
اللهم الا ان يکون من قصده ذلک واقام قرينة وافية عرفا على مقصوده وهو خارج عن محل الکلام فلا يبقى الا القول بالبطلان (والله اعلم بحقائق الامور).
ولما وصل الکلام إلى مباحث الوقف لابأس بالاشارة إلى اهم مسائلها مما يفسح له المجال ولا يخرجنا عن طور البحث، فنقول (ومن المولي سبحانه التوفيق والهداية) هنا امور:
هو عقد، ثمرته تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة، أو اطلاق المنفعة، (وکلاهما واحد) وليس من مخترعات الشرع، بل امر کان دارجا بين العقلاء من قديم الايام إلى زماننا هذا، واللفظ الصريح فيه «وقفت» ولکن قد عرفت غير مرة انه يجوز انشاء العقود بکل لفظ دال عليها، ولو لم يکن صريحا، بل ولا ظاهرا الا بمعونة القرائن، فلو کان ظاهرا ولو بالقرائن کان کافيا في مقام الانشاء، فيجوز انشاء الوقف بلفظ التحبيس والصدقة والتحريم مع قرينه تدل عليه، وهذا کله ظاهر لاسترة عليه.
هذا ولکن الکلام بعد في اعتبار «القبول» فيه، فان کونه من العقود يقتضي ذلک،ولکن من العجب ترک ذکر القبول في کلام کثير من الأصحاب فيه، ومن هنا احتمل بعضهم عدم اعتباره مطلقا، او اذا کان الوقف على جهات عامة، مع ان المعروف بينهم ـ بل ادعى الاجماع عليه ـ انه من العقود، وهذا عجيب.
1ـ عدم اعتبار القبول فيه، واستظهره من الاکثر، حيث ترکوا اشتراطه (ولازمه کون الوقف من الايقاعات) واستدل له باصالة عدم الاشتراط وخلّو النصوص عنه، ولانه فک ملک کالعتق.
2ـ اعتبار القبول فيه مطلقا، لا طباقهم على انه من العقود فيحتاج إلى الايجاب والقبول، ولانه تمليک، وادخال شيء في ملک الغير بدون رضاه بعيد، ولاصالة الفساد.
3ـ التفصيل بين الوقف على الجهات العامة فلا يعتبر فيه القبول، لانه فکّ ملک، وبين الوقف الخاص على شخص أو اشخاص معلومين، کالوقف على الاولاد، فيعتبر فيه ذلک، لانه تمليک، وقد يظهر ذلک من کلمات المحقق في الوقف ولعله الاقوى (انتهي ملخصا).
والمسألة مشکلة جدا لانه من جانب لانرى اثرا من القبول فيما عرفت من الاخبار و في اوقاف المعصومين ـ عليهم السّلام ـ مضافا إلى ان السيرة قد جرت على الاکتفاء بانشاء الوقف من ناحية الواقف،لاسيما في الاوقاف العامة، يظهر ذلک لمن راجع سيرة العقلاء من اهل العرف بل، والمتشرعه منهم.
ومن جانب آخر قد ادعى غير واحد من الاکابر الاجماع على کون الوقف من العقود، وانه تمليک، ولا يعهد التمليک من دون قبول.
والاقوى عدم اعتباره في ما يکون من قبيل فک الملک کالمساجد على ما هو المعروف، والقناطر وشبهها على احتمال، لعدم قيام دليل على کونه من العقود، واستبعاد تقسيم الوقف على قسمين في غير محله.
واما في الوقف على الجهة، مثل المدارس والمستشفيات فالاقوى أيضاً عدم اعتباره بعد عدم الدليل على کونه من العقود مطلقا، وعدم حجية الاجماع المدعي، وقد عرفت عدم معهودية قبول الحاکم الشرعي أو غيره لمثل هذه الاوقاف العامه، وادلة نفوذ العقود والايقاعات يشملها، وليس المقام من مقام اصالة الفساد بعد وجود العمومات، ولادليل على وجوب القبول في التمليک على الجهة.
واما الاوقاف الخاصة فالاحوط فيها القبول وان کان لادليل عليه أيضاً يعتد به، لما عرفت من الاشکال على الاجماع المدعي.
والقول بان التمليک لايصح بدون القبول مما لادليل عليه أيضاً، فان الوصية تمليک وغير محتاجة إلى القبول على الاقوى، وليس هذا تصرفا في سلطان الغير بغير اذنه (وقد ذکرنا ما له نفع في المقام في تعليقاتنا على الوصية من کتاب العروة فراجع).
فالاقوى عدم اعتبار القبول في شيء من اقسام الوقف وان کان الاولي القبول من الموقوف عليهم أو وليهم أو الحاکم الشرعي في الاوقاف الخاصة.
1ـ ان الوقف يصح بالمعاطاة کما يصح بالصيغة فلو وقف مسجدا بان بناه بهذه الهيئة وصلى فيه بعض الناس بقصد انشاء کونه وقفا صح وکذا غيره من الاوقاف، ولو اعطى اولاده بعض امواله بقصد الوقف کفى.
بل يمکن ان يقال انه يکفي في مثل المسجد والمدرسة والمستشفي بنائه بهذا القصد على هيئته الخاصة، فان أتم بنائه بهذا القصد ثم مات کان وقفا ولو لم يصلّ فيه احد، او لم يسکن احد لان هذا الفعل بنفسه کاف في مقام الانشاء اذا کان بهذا القصد،نعم هنا اشکال من ناحية القبض تاتي الاشارة إليه ان شاء الله.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
القول في جواز بيع الوقف المنقطع وعدمه يتوقف على بيان موضوعه، وان هذا الوقف هل هو صحيح او لا؟ لنکون على بصيرة من حکمه، فنقول (ومنه جلّ ثنائه التوفيق والهداية):
قالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله :
من عانده (الحسين) ، حرم الله عليه رايحة الجنة.
کسى که با او (حسين ) عناد ورزد، خداوند رايحه بهشت را بر او حرام گرداند.
بحار الانوار 35/405
لا يوجد تعليق