تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
15-الثاني: اعتبار قصد القربة في الوقف وعدمه
الخلاصة : ولکن المحکي عن المفاتيح العدم وظاهر کلام المسالک أيضاً ذلک.
والظاهر عدم اعتباره في حقيقة الوقف وماهيته بحسب ارتکاز (العرف والعقلاء بل المتشرعة منهم، وغاية ما استدل به له امران:
1ـ ما ذکره في الحدائق من صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي ابراهيم (ع) حيث قال: ((هذه صدقة واجبة بتلة حيا انا أو ميتا ينفق في کل نفقة ابتغى بها وجه الله... )).
ومثله ما ورد في وقف الامام موسى بن جعفر (ع) أيضاً حيث قال: ((تصدق موسى بن جعفر (ع) بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبسا بتا بتلا مبتوتة لارجعة فيها ولاردّ ابتغاء وجه الله والدار الاخرة ... )).
ولکن من الواضح ـ کما اعترف هو أيضاً به ـ ان مجرد کون وقفهم (ع) مشتملا على القربة، مثل سائر اعمالهم، لايقتضي الاشتراط، غاية الامر کون هذا کمال المطلوب، لا ان الوقف لايصح بدونه.
2ـ ما اشار إليه في الجواهر والحدائق من اطلاق عنوان الصدقة على الوقوف في روايات الباب، بل صرح في الجواهر بعدم ذکر غير هذا العنوان فيما اوقفه المعصومون ـ عليهم السّلام ـ على ما ورد في النصوص.
مع ان المعتبر في الصدقة، القربة، کما ورد في صحيحة الفضلاء (هشام وحماد وابن اذينه وابن بکير وغيرهم) عن أبي عبدالله (ع) لاصدقة ولا عتق الا ما اريد به وجه الله عزّ وجلّ.
ولکن يمکن الجواب عنه او لا: انه لادليل على اعتبار هذا العنوان في جميع انواع الوقف بل الظاهر انه قد يراد به الصدقة وحينئذ لامحيص الا عن قصد القربة وقد لايراد به ذلک فلا وجه لاعتبارها فيه حينئذ ومجرد ذکر هذا العنوان في وقف الائمة ـ عليهم السّلام ـ لادلالة له على المدعى کما عرفت.
وثانيا: المعروف بل ادعى الاجماع عليه انه يصح الوقف من الکافر على معابدهم وکنائسهم، مع انه لايصح قصد القربة منهم، والقول بانها تمشى ممن يعتقد بالله ولا تصح من الدهرية کما ترى، لان مجرد قصد القربة غير کاف بل لابد من امکان التقرب الذي لايصح من الکافر قطعا.
وثالثا: حمل الروايات على نفي الصحة دون نفي الکمال يحتاج إلى تأمل، لان عدم صحة العتق بدون القربة لايخلو عن اشکال، لقول بعضهم بصحته عن الکافر مع انه لاتصح منه القربة کما عرفت فتأمل، ومن جميع ما ذکرنا يعلم ان الاقوى عدم اعتبار القربة في الوقف وان اعتبر في العتق.
الثالث: في اعتبار القبض في الوقف
قال في المسالک لاخلاف بين أصحابنا في ان القبض شرط لصحة الوقف فلا ينعقد بدونه ... فيکون القبض جزء السبب التام للملک.
ولکن الظاهر من المحقق في الشرائع عدم لزوم الوقف بدونه حيث قال ولايلزم الا بالاقباض، وذکر في الحدائق أيضاً انه لاخلاف في اشتراط القبض في صحة الوقف وتمامه ... وربما عبر بعض بانه شرط في اللزوم والظاهر انّ مراده هو ما ذکرنا لامايتبادر من ظاهر هذه العبارة.
وعلى کل حال العمدة في المسألة ما ورد في غير واحد من روايات الباب:
منها: ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن صفوان بن يحيي عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن الرجل يقف الضيعه ثم يبدو له ان يحدث في ذلک شيئا، فقال: ((ان کان وقفها لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يکن له أن يرجع فيها، وان کانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى بلغوا فيجوزها لهم لم يکن له أن يرجع فيها، وان کانوا کبارا ولم يسلمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه، فله ان يرجع فيها، لانهم لايحوزونها عنه وقد بلغوا)).
ومنها: ما رواه عبيد بن زراره عن أبي عبدالله (ع) انه قال في رجل تصدق على ولد له قد ادرکوا، قال: ((اذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فان تصدّق على من لم يدرک من ولده فهو جائز)). الحديث.
ولکن ليس فيها التصريح بالوقف بل بالصدقة واطلاقها عليه کثيرا غير کاف في اثبات المقصود.
ومنها: ما رواه في اکمال الدين بسنده عن صاحب الزمان (ع) قال: ((اما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا، ثم يحتاج إليه صاحبه، فکل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار، وکل ما يسلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه)).
ودلالته وان کانت ظاهرة ولکن لايظهر منه بل ولا من غيره من روايات الباب اعتبار القبض في جميع انحاء الوقف، وانما يستفاد منها اعتباره في الاوقاف الخاصة، اما في مثل المسجد والوقف على الجهات العامّة فلا، فالقول باشتراط القبض في خصوص الاوقاف الخاصة دون غيرها قوى.
فرع: يظهر من اطلاق بعض کلماتهم تحقق القبض في وقف المسجد والمقبرة بصلاة شخص واحد فيه أو دفن واحد فيها، واشترط بعضهم کونه باذن الواقف، وبعض آخر بکونه بنيّة القبض.
والانصاف ان القبض امر عرفي يختلف باختلافات المقامات، ولا يبعد حصول القبض ولو بجعل المسجد والمقبرة في اختيار المسلمين حتى ولو لم يصل فيه احد، ولم يدفن فيها احد مثل ما يقال من کفاية تخلية اليد مع الاعلام في کثير من المقامات، فاشتراط الوقف بالصلوة والدفن بالفعل لا موجب له على الاقوى.
هذا ويظهر مما مرّ من الروايات في حکم الصغير وان القبض بالنسبة إليه حاصل لان کون المال بيد ابيه کاف في ذلک بعد کونه وليا عليه، انه لايشترط في القبض والاقباض هنا أيضاً نية القبض وشبه ذلک. فتدبر جيدا.
والحاصل ان کون المسجد والاوقاف العامة تحت يد المسلمين کاف في حصول حقيقة القبض، ولا يحتاج إلى الانتفاع منها بالفعل بالصلوة والسکونة وشبه ذلک.
هذا کله على فرض القول بلزوم القبض فيها وقد عرفت قصور الادلة عن اثباته.
الثالث: في شرائط العين الموقوفة
قد ذکروا لها شرائط اربعة: ان يکون: عينا، مملوکة، ينتفع بها مع بقائها ويصح اقباضها.
اما اعتبار کونه عينا: انما هو لنفي الوقف في المنافع أو الکلي أو المبهم (فان العين تطلق في مقابل الثلاثة)، والوجه في الجميع ظاهر لان المنافع لا تبقى عينها، والکلي غير قابل لحبس العين وتسبيل الثمرة، والمبهم مما لا يمکن الانشاء عليه، مضافا إلى عدم تعارف شيء منها في عرف العقلاء الذين يوخذ هذه الموضوعات منهم.
واما کونها مملوکة: فدليله واضح لعدم السلطة على الوقف من غير کون الواقف مالکا.
وکذا کونها مما ينتفع بها مع بقائها أيضاً: ظاهر، لاخذ هذا المعنى في حقيقة الوقف.
واما صحة الاقباض: فلما مرّ آنفا من اشتراط القبض في صحته بمقتضى بعض النصوص والفتاوى ولکن عرفت قصور الادلة عن اثبات وجوب القبض في غير الاوقاف الخاصة وعلى کل حال يظهر مما ذکرنا صحة الوقف في الاموال غير المنقولة کالضياع والعقار والدور والآبار والابنية وغيرها.
بل وفي جميع الاموال المنقولة التي لها بقاء مع امکان الانتفاع بها کالظروف والفرش والکتب، بل الحيوانات حتى الکلب والسنور وشبههما اذا کان لها مالية ولها منافع عقلائية محللة معتدّ بها.
واما الدراهم والدنانير والفلوس فالظاهر عدم صحة وقفها، لان منفعتها انما تکون بصرف عينها کالمأکولات والمشروبات فلا يمکن تحبيس العين وتسبيل الثمرة فيها.
وفرض منافع لها مع بقاء عينها فرض نادر لاينوط به امثال هذه الاحکام.
الرابع: في شرائط الواقف
الظاهر انه لايعتبر فيه شرط خاص ماعدا الشروط المعتبرة في جميع العقود من البلوغ، والرشد، وکمال العقل، وعدم الحجر، والاختيار، والقصد، فهذه الستة، من الشروط المعتبرة في جميع العقود المالية معتبرة هنا للادلة التي ذکرت في محلها ـ وقد ذکرناها في مباحث البيع مع دلائلها ولانحتاج إلى التکرار، فراجع.
نعم قد ذکروا هنا اشتراط مغايرة الواقف، للموقوف عليه کما في التذکرة ، فلا يجوز ان يقف الإنسان شيئا على نفسه، وقد حکى الاجماع عليه من غير واحد من أصحابنا، وصرح في الجواهر بعدم وجدانه خلافا في ذلک.
ويدل عليه مضافا إلى ما ذکر، ما يتبادر من مفهوم الوقف عند العقلاء من اهل العرف والمتشرعة منهم، فانه لايشمل الوقف على نفسه فلا يدخل تحت العمومات.
اضف إلى ذلک انه لامعنى لتمليک الإنسان شيئا لنفسه، فان الوقف في مثل هذه المقام تمليک، وکيف يتصور مثل هذا التمليک.
وقد حکى عن بعض اهل الخلاف ان هذا امر جائز، للفرق بين التمليکين، فالاول طلق، والثاني محبوس، ولکنک خبير بان الفرق بينهما معلوم، ولکن الاشکال في تمليک ماله لنفسه فان هذا امر غير معقول وان اختلف احکامهما.
نعم لو کان هناک عقد يقتضي حبسه على نفسه امکن التوصل به إليه، وهذا غير موجود في العقود العقلائية ولو کان موجوداً لم يکن داخلا في عنوان الوقف.
وفي بعض الروايات الواردة (في الباب الثالث من ابواب الوقوف من الوسائل) ما يشعر به أيضاً فراجع.
بقي هنا امران:
1ـ اذا وقف شيئا على نفسه وعلى غيره فالظاهر بطلان الوقف بالنسبة إلى حقه، وصحته بالنسبة إلى غيره، والوجه فيه ما عرفت من بطلان الوقف على نفسه، مضافا إلى انه لا مانع من نفوذه في حق غيره، نظير بيع ما يملک وما لا يملک.
وفي مقابل هذا الوجه، قول بصحة الجميع للغير! کما استظهر من بعض کلمات الشيخ، وأيضاً احتمال البطلان في الجميع لعدم جواز التبعيض في عقد واحد.
وکلاهما کما ترى، اما الاول: فانه مخالف لصريح قصد الواقف الذي قصد نفسه وغيره، فلا معنى لنفوذه جميعا للغير.
والثاني: أيضاً ممنوع کما عرفت غير مرّة ان التبعض في العقود امر جائز موافق للاصول لانها من قبيل تعدد المطلوب بحسب عرف العقلاء سواء قصد الشخص وحدة العقد أم لا، لان الاغراض الشخصية غير معتبرة في هذه الابواب، فالمقتضي لصحة البعض موجود والمانع مفقود.
2ـ لو وقف مسجدا فلا اشکال في جواز صلوته فيه، واما لو وقف شيئا للفقراء أو العلماء والطلاب أو المرضي أو ابناء السبيل، ثم صار منهم، أو کان من الاول داخلا في زمرتهم، فهل يجوز انتفاعه منه؟
قد يقال انه لا يجوز، لانه من قبيل الوقف على النفس، فيدخل في العمومات الدالة على عدم جواز الوقف على النفس، مثل ما رواه على بن سليمان بن رشيد عن ابي الحسن (ع) انه کتب إليه جعلت فداک ليس لي ولد ولي ضياع ... فان وقفتها في حياتي فلي ان آکل منها ايام حياتي أم لا؟ فکتب (ع): ((فهمت في کتابک في امر ضياعک فليس لک ان تأکل منها من الصدقة...)) إلى غير ذلک من الاحاديث الواردة في نفس الباب.
والانصاف ان الاشکال فيه في غير محله لان الوقف على النفس قبل ان يکون باطلا بحکم الشرع باطل بحکم القاعدة العقلية أو العقلائية لان الوقف تمليک والتمليک للنفس من قبيل تحصيل الحاصل.
وما نحن فيه من قبيل التمليک على العنوان وملک الجهة، وليس من قبيل تحصيل الحاصل، وروايات الباب منصرفة عنها، فلو وقف شيئا على الطلاب وانطبق عليه هذا العنوان في المستقبل أو کان منطبقا عليه من اول امره جاز له ان ينتفع به کاحد الطلاب، وهکذا بالنسبة إلى الوقف على المرضي أو ابناء السبيل أو حجاج بيت الله الحرام أو غير ذلک من العناوين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لا يوجد تعليق