تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
18-تتمّة البحث السابق
الخلاصة : ويظهر من جماعة المنع للاجماعات المدعاة في کلمات الأصحاب، ولکن حکى عن العلامة في التذکرة الجواز وانه تبعه على ذلک جماعة من متأخرى الأصحاب.
اقول: الانصاف انه لا دليل على المنع اذا لم يناف التصرف لحق المرتهن وکون العين وثيقة، لان الاجماع غير ثابت مع مخالفة من عرفت، والعجب من صاحب الجواهر في کتاب الرهن حيث اسند هذا القول إلى وسوسة بعض المتأخرين، وقد عرفت ان المخالفين جماعة من اعلام المتأخرين تبعا للعلامة في التذکرة.
هذا مضافا إلى الاشکال في حجية مثل هذه الاجماعات لو ثبتت، لاحتمال استنادهم إلى بعض مايأتى الاشارة إليه.
وغاية ما استدل به للمنع بعد الاجماع الذي عرفت ضعفه امران احدهما: عموم المرسلة المشهورة ((الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف)).
ثانيهما: ما اشار إليه غير واحد من ان الوجه في المنع هو القصد إلى بعث الراهن إلى اداء دينه، اذ لو جاز له الانتفاع من العين المرهونة ضعف الداعي إلى ادائه.
ويرد على الاول مضافا إلى عدم کفاية استدلال جماعة بالمرسلة، لجبران ضعف سندها، ان القدر المتيقن منه التصرفات المنافية لحق المرتهن أو لحقيقة الرهن وهذا قسم خاص من التصرفات کما لايخفى.
واما مثل التصرف في الدار المرهونة بالسکونة فيها مع حصول الوثاقة بکونها في يد المرتهن أو کون اسناده عنده، وکذا رکوب الدابة المرهونة ووطى الامة کذلک، لادليل على شمولها لها.
وعلى الثاني: بانه استحسان ظنى لادليل عليه من العقل والشرع، وانما الثابت منهما کون العين المرهونة وثيقة على الدين بحيث اذا لم يؤده اخذ منها وهذا الذي يستفاد من روايات الباب، ومن بناء العقلاء، واما کونها داعية إلى اداء الدين فهو امر غير ثابت.
اضف إلى ذلک ما ورد في روايتين معتبرتين من جواز وطى الامة المرهونة وان ذهب المشهور إلى خلافه، حتى ادعى الاجماع على ترک العمل بهما، ولکن قد عرفت ان المسألة ليست اجماعية.
مضافا إلى ما يظهر من غير واحد من المجمعين من ان المانع لهم عن العمل بمقتضى الروايتين ظنّ مخالفتها لمقتضى حقيقة الرهن.
قال في المسالک ما حاصله: (انه لما کان الرهن وثيقة لدين المرتهن ولم تتم الوثيقة الا بالحجر على الراهن وقطع سلطنته ليتحرک إلى الاداء فمن ثم منع الراهن من التصرف في الرهن) ولکن قد عرفت عدم المنافاة وان ما ذکره اخيرا استحسان محض لادليل على اعتباره.
بل الذي يظهر من صريح کلمات الشيخ في الخلاف جواز الانتفاع بالعين المرهونة للراهن وان کان لايجوز له اجارتها للغير واليک نص عبارته:
قال في المسألة 58: (منفعة الرهن للراهن دون المرتهن وذلک مثل سکنى الدار وخدمة العبد ورکوب الدابة وزراعة الارض ... وبه قال الشافعى وقال ابوحنيفة منفعة الرهن تبطل، فلاتحصل للراهن ولا للمرتهن ... إلى ان قال: دليلنا انه لادليل على بطلان هذه المنفعة، ولا على دخوله في الرهن فيجب ان يکون للراهن لان الاصل له).
وروى ابوهريرة عن النبي (ع) انه قال: ((الرهن محلوب ومرکوب)) فاثبت للرهن منفعة الحلب والرکوب ولاخلاف انه ليس ذلک للمرتهن فثبت انه للراهن.
وانت ترى انه صرح في غير موضع من هذا الکلام بجواز انتفاع الراهن بمنافع العين المرهونة ولم ينقل الخلاف فيه عن أصحابنا، بل نقله عن المخالفين.
ثم ذکر في المسألة التالية لها (المسألة 59) انه «ليس للراهن ان يکرى داره المرهونة أو يسکنها غيره الا باذن المرتهن فان اکراهها وحصلت اجرتها کانت له.
وذکر في المسألة 20 انه (لا يجوز للراهن ان يطاء الجارية المرهونة سواء کانت ممن تحبل أو لاتحبل ... دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم تدل على ذلک لانها عامة في المنع عن وطيها ولم يفرقوا).
والذي يتحصل من هذه المسائل الثلاث جواز تصرف الراهن في العين المرهونة وانتفاعه بها مطلقا، نعم لايجوز اکرائها للغير وکذا لايجوز وطى الجارية المرهونة لدليل خاص ورد فيها.
هذا ولکن لانجد في شيء من روايات الباب دليلا على نفي جواز الوطى بل قد عرفت وجود روايتين معتبرتين على جوازه فلعله کان دليل عنده ولکن هذا المقدار غيرکاف لاثبات المنع عن الوطى،ولو کان فلعل حکمته کونها في معرض الحبل والاستيلاد وبطلان الرهن وهذا غير جار في ساير الانتفاعات.
ومما ذکرنا ظهران الذي جرت عليه سيرة کثير من المؤمنين من رهن الدار في مقابل الدين فيما اذا بقى شيء من ثمنه، ثم يسکنها المالک حتى يؤدى دينه، وکذا رهنها واسکان المرتهن فيها باذن الراهن لا مانع له شرعا ولادليل على حرمة هذه التصرفات لاوضعا ولاتکليفا.
بل الدليل قائم على جوازها، لبقاء المنافع على ملک الراهن، وعدم منافاة الانتفاع لحقيقة الرهن والمانعون منعوا منها لشبهة حصلت لهم.
وعلى القول بالمنع يکون جميع هذه التصرفات غير جائزة ولابد من بقاء الدار المرهونة متروکة لايسکنها الراهن ولاالمرتهن لانهما ممنوعان من التصرف ولاغير هما بطريق اولي وهذا من العجائب.
وقال في الحدائق: بعد الحکم بعدم جواز تصرف المرتهن لانه غير مالک: اما الراهن فظاهر الأصحاب کما عرفت انه کذلک، وهو بالنسبة إلى ما يخرجه عن کونه رهنا کبيع وعتق ونحوهما، أو يوجب نقصانه کاجارة ونحوها مما لااشکال فيه واما التصرف بما لا يوجب شيئا من ذلک کتزويج العبد وتقبيل الامة وتعليمها الصنعة ونحو ذلک فلادليل عليه الا ان يدعى الاجماع في المقام ... وبالجملة فانى لا اعرف لهم دليلا على مايدعونه من العموم الا دعوى الاجماع کما سمعت ... وفيه ما عرفت في غير موضع) انتهى.
وما ذکره مؤيد لما اوردناه من عدم ثبوت اجماع في المسألة وعدم الاعتبار به لو ثبت.
وقد تلخص مما ذکرنا ان تصرف الراهن في العين المرهونة على انحاء.
1ـ منها ما يوجب نقله عن ملکه کالبيع والهبة والوقف وغيرها من اشباهها فهذا الامر لايجوز بغير اشکال لمنافاته لحقيقة الرهن وحق المرتهن.
2ـ منها ما يوجب نقصه من بعض الجهات کاجارته وشبهها، والظاهر أيضاً جوازه لو لم يناف کونه وثيقة للدين کما هو المتداول في عصرنا من جعل الدار مرهونة في سندها عند البنوک وغيرها في مقابل الدين، ولا يهمهمأيشخص يسکنها لامکان استيفاء الدين منها على فرض عدم ادائه باخراج الساکن منها سواء المالک وغيره ـ والظاهر عدم الحاجة إلى اذن المرتهن أيضاً لان المفروض عدم منافاته لحقه.
3ـ ما لايوجب نقصا فيها من التصرفات المختلفة کالانتفاع بها بالسکونة والرکوب وغيرهما فهذا امر جائز للراهن من دون حاجة إلى اجازة المرتهن، ويجوز للمرتهن باجازة الراهن.
والعمدة فيه ان ملکه بالنسبة إلى المنافع باق على حاله، وليس الرهن مانعا من استيفائها لعدم منافاته لمقتضى عقد الرهن وحق المرتهن ولم يقم دليل من اجماع ونحوه على خلافه.
بل و لعل السيرة أيضاً قامت عليه لانهم لايترکون الارض أو البستان أو الدابة المرهونة هملا مادامت في الرهن، بل ينتفعون بها.
بل ظاهر غير واحد من الروايات انهم کانوا ينتفعون منها في تملک الازمنة فراجع الباب 01 من ابواب الرهن تجدها شاهد صدق على ما ذکرنا ففي رواية ابن سنان يعنى عبدالله عن أبي عبدالله (ع) قال: قضى اميرالمؤمنين (ع) في کل رهن له غلّة ان غلّته تحسب لصاحب الرهن مما عليه.
وما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (ع) (في حديث) انّه سأله عن رجل ارتهن دارا لها غلّة لمن الغلة؟ قال: لصاحب الدار. فيعلم من هذه الروايات ان غلّة الارض لصاحب الرهن ومالکه، فلو لم يجز له استيفاء المنافع فکيف تکون غلته ـأيکرائه ـ له.
بل المستفاد من غير واحد من روايات هذا الباب کالرواية الرابعة والخامسة انه لو انتفع المرتهن منها يحسب غلتها من الدين، وينقص من مبلغه، فهذا أيضاً دليل على جواز انتفاع المرتهن من العين المرهونة في الجملة مع ضمان القيمة الا اذا اباحها الراهن له فحينئذ تباح له بغير عوض کما هو ظاهر، وهذا أيضاً دليل على جواز التصرفات من الجانببين.
4ـ لو کان لها نمائات کثمر الاشجار ولبن الحيوان فالظاهر انه لا کلام ولا اشکال في کونها للراهن فانه ملکه ولا وجه لدخولها في الرهن بعد ان لم يکن ومن الواضح ان الانتفاع بالثمرة واللبن لا ينفک عن بعض التصرفات فيها.
والانصاف ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يودوا هذه المسألة حقها، ولم يبحثوا عنها بحثا لايقا بها والحق ما عرفت والله العالم.
الثاني: لا اشکال في جواز بيعه باذن المرتهن فاذا باع الراهن باذن المرتهن أو بدون اذنه ثم اجاز، وقلنا بصحته کما عرفت، صح البيع وبطل حق الرهانة في العين فيملکه المشترى فيه بلاخلاف ولا اشکال على ما ذکره سيدنا الحکيم في نهج الفقاهة.
وفي الواقع يصير الرهن فکا آناما قبل البيع فيقع البيع في ملک طلق لاجازة المرتهن الذي هو صاحب الحق.
ولکن الکلام في انه هل ينتقل هذا الحق إلى الثمن فيکون رهنا أم لا؟
حکى عن المشهور عدمه وعن المبسوط والتحرير والدروس الاول.
والانصاف انه لادليل على ذلک ما لم تقم قرينة عليه لان مجرد اجازة البيع لاتکون قرينة على کون الثمن رهنا ولعله من قبيل الغاء الرهانة نعم اذا اقترن بقرينة عدم رفع اليد عن الرهن فمعناه کون الثمن رهنا والظاهر حصول ذلک بمجرد الشرط ويکون من قبيل شرط النتيجه فتأمل.
ولنعم ما قال في الحدائق في المقام حيث قال لم يحضرنى الآن تصريح احدهم بالحکم المذکور (اى کون الثمن رهنا) ويمکن ترجيح العدم بان حق المرتهن تعلق بالعين فلايتعدى إلى الثمن الا بدليل وليس فليس.
وبه قال في الرياض أيضاً ويظهر من المسالک أيضاً اختياره فراجع.
ولو اتلفه متلف فهل يکون العوض رهنا کما يظهر من بعض کلمات الرياض.
ويمکن تعليله بان الحق تعلق بالعين بذاتها وبماليتها فاذا ذهبت العين وبقيت المالية کانت متعلقه للرهن وهذا نظير ما ذکروه في باب ضمان اليد وانه يتعلق بالعين وماليتها فاذا تلفت بقى الوجوب في المالية.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
بقى هنا امور:
الاول: وهو ما اشار إليه في مفتاح الکرامة بعنوان تذنيب في المسألة وان کان خارجا عن بحث البيع، وداخلا في ابواب الرهن، وحاصله انه هل يجوز للراهن التصرف في الرهن بما لايوجب ازالة الملک ولانقصه أم لا؟
لا يوجد تعليق