بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
نقلنا بالامس رواية عن ابن وهب وکان البحث في انه معاوية بن وهب او شخص آخر. ونحن قد نقلنا هذه الرواية من الجزء الثالث من الکافي الصفحة 155، وقد حقق بعض السادة حول هذه الرواية فوجدوا انها موجودة في مکانين آخرين هما: الکافي الجزء الثالث الصفحة 206 ـ والتهذيب الجزء الاول الصفحة 344. وفي کلا هذين الموردين بدل (ابن وهب) ذکر (وهب بن وهب)، وعليه يتضح حال الرواية من رأس، لأن وهب بن وهب ليس ثقة. وايضاً بدل (المرأة تموت في بطنها الولد) ورد في هاتين الروايتين (المرأة يموت…) وهو الشيء الذي قلنا انه افضل. وفي آخرها ايضاً جملة اضافية مفيدة هي (اذا لم ترفق به النساء) فيکون المعنى انه انما يجوز للرجل ان يدخل يده في رحم المرأة حتى يقطع الولد الميت ويخرجه فيما لو لم تقدر النساء على القيام بهذا العمل. فهذه الجملة الاضافية تصلح جواباً لما ذکره بعض السادة من احتمال کون المقصود بالرجال هنا المحارم أي الزوج، لأنه مع التقييد باذا لم ترفق به النساء يعلم ان المقصود من الرجال غير المحارم. فدلالة الحديث جيدة على جواز النظر واللمس حال الضرورة، ولکن سندها مشکل، فتصلح مؤيداً فقط لاثبات هذا الاستثناء.
وقد انتهينا بالامس الى مکاتبة محمد بن الحسن الصفار التي استدل بها صاحب الجواهر (قده) وقد تبين مما ذکرناه بالامس ان سندها معتبر. والملاحظ في سند هذه المکاتبة انه عبر عن الامام العسکري(ع) بـ "ابي محمد"، وهذا شاهد على ما ذکرناه في کتاب القواعد الفقهية في ذيل قاعدة القرعة من انه لا مانع في زماننا من ذکر اسم الامام الحجة (ع)، وفي کتبنا الروائية لم يضعوا ثلاث نقاط مکان اسمه الشريف. فما يقال من ممنوعية ذلک يختص بحال التقية في تلک الايام، وقد رأيتم لابد انه قد ذکر اسمه الشريف في زيارة آل ياسين.
واما متن الحديث فهو:
(في رجل اراد ان يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له ان يشهد عليها من وراء الستر ويسمع کلامها اذا شهد عدلان) من محارمها (انها فلانة بنت فلان التي تشهدک وهذا کلامها، او لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرز وتثبتها بعينها؟) وخلاصة السؤال هي انه في مقام الشهادة هل يجوز النظر أو لا؟ (فوقع عليه السلام: تتنقب وتظهر للشهود ان شاء الله) ثم ترفع نقابها امام الشهود لأنه يجوز ذلک في مقام الشهادة.
وکما ذکرنا بالامس لا دلالة لهذه الرواية على المطلوب بناءً على مبنانا من جواز النظر الى الوجه والکفين، لأن ما ينظر اليه عند الشهادة عادة هو الوجه لا اکثر والمفروض انه يجوز النظر اليه عندنا وعند المشهور وحتى عند صاحب الجواهر، نعم هو مکروه، فيکون کلام الامام (ع) مفيداً لرفع هذه الکراهة عند الشهادة، والتنقب هو لمراعاة هذه الکراهة. اذن لا ربط لهذه الرواية بمسألة الحرمة.
نعم لو کان مضمونها هو الشهادة على المرأة التي تدعي ان زوجها ضربها وان آثار الضرب لا زالت على عضدها مثلاً فتکشف عنه لتري ذلک للشهود لکانت حينئذ شاهداً لما نحن فيه، أي ان ضرورة الشهادة حينئذ کانت تبعث على النظر الى بدن غير المحارم، الا ان مضمونها ليس کذلک کما بيّنا.
خلاصة البحث
ثبت بشکل قطعي من جميع ما ذکرناه في هذه البحوث سواء في قاعدة الاهم والمهم والضرورة او الروايات الخاصة او العامة انه يجوز النظر واللمس في الموارد التي يکون هناک هدف اهم لا يحصل الا بذلک، فلأجل النجاة من الخطر الاهم ولأجل دفع الضرورات يحل النظر واللمس المحرّمين، کما يحل أکل الميتة عند الضرورة. من غير فرق بين ان تکون هذه الضرورة في مقام الشهادة او المعالجة او عند البيع او النکاح او الحرق والغرق وغير ذلک، فالعنوان واحد والمصاديق متعددة.
سؤال: کيف نتصور الضرورة في البيع؟
الجواب: في بعض الاوقات يکون البيع لازماً، کما لو بعنا البيت لإمرأة وکان نصف الثمن نقداً ونصفه الآخر نسيئة، ولعله في المستقبل تقع منازعة حول مقدار النسيئة او تقع مشکلة معينة للبيت فيحتاج الى معرفة المشتري بعينه، فلابد من رؤيته، منتهاه انه في البيع اکثر ما يحتاج الى رؤية الوجه وهو جائز على کل حال.
بقي هنا امران
الأمر الاول: وهو واضح، وهو ان کثيراً من الفقهاء عندما يبحثون مسألة الاستثناء هذه يصرحون بأنه انما يجوز النظر واللمس بمقدار الحاجة لا اکثر.
وهذا دليله واضح، لأن الضرورات تتقدر بقدرها. فمن يضطر الى اکل الميتة يجوز له اکل المقدار الذي ينجيه من الخطر فقط، ومن يجوز له اکل اموال الآخرين في المخمصة والقحط انما يجوز له ذلک بمقدار الحاجة لا ان يأکل کل ما يشتهيه وذلک لأن الاصل هو حرمة النظر واللمس وخرجنا عن هذا الاصل بمقدار دفع الضرورة والحاجة فيبقى الزائد داخلاً تحت مقتضى الاصل، وليس في هذا المعنى أي شک او ترديد.
الأمر الثاني: ونتناول فيه احدى المسائل المستحدثة وهي انه هل يلزم في الجهاز الطبي للحکومة الاسلامية ان يجري الاعداد لکي لا تحتاج النساء الى الاطباء الرجال ولا يحتاج الرجال الى الطبيبات النساء، طبعاً من غير المحارم في کليهما؟ فهل ان مشروع انطباق الطب على الموازين الاسلامية الذي طرح وصوّب في مجلس الشورى لازم شرعاً أو لا؟
يعني هل ان ذلک وظيفة شرعية ام انه مستحب فقط؟
ان هذا العمل واجب طبق موازيننا الفقهية، لأن المسافر مثلاً اذا کان يعلم بأنه ان لم يحمل معه زاداً کافياً سوف يضطر في وسط الصحراء الى اکل الميتة فان کل الفقهاء حينئذ يقولون له: ان کنت تتيقن او تحتمل احتمالاً قوياً بأنک سوف تقع في ذلک فان عليک ان تهيّأ المقدمات لکي لا ينتهي بک الحال الى مثل هذا الاضطرار، وتستفيد من الحلال بدل الحرام.
وهذه قاعدة عقلية، والعقل يحکم بانه يحق للمولى ان يؤاخذ عبده المأمور بتهيئة حوائجه فيما لو قصر في ذلک ولم يحمل معه المقدار الکافي من الماء والطعام مما سبب عطش هذا المولى مثلاً او جوعه. صحيح انه حينئذ يجب عليه ان يأکل الميتة لأجل الحفاظ على حياته ولکنه مع ذلک يکون عاصياً. فهل وجوب هذا الشيء عقلي ام شرعي؟
کما تعلمون هناک بحث في ان من توسط ارضاً مغصوبة هل يکون خروجه منها واجباً شرعاً أم عقلاً؟ وهل ان ذلک مصداق للمعصية واقعاً، أو بحسب تعبير الآخوند في الکفاية: يجري عليه حکم المعصية، او لا؟ وليبقى النزاع في هذا البحث في محله الا ان الشيء المسلّم هو ان هذه مقدمة واجب، ومسلّم ايضاً انه اذا تخلف يکون عاصياً، وعليه فنقول في محل کلامنا:
نحن نعلم انه اذا لم يکن عندنا جامعات طبية للنساء على حدة وللرجال على حدة وکذا اذا لم يکن عندنا مستشفيات خاصة لکل من النساء والرجال وايضاً اذا لم يکن عندنا العدد الکافي من الاطباء والطبيبات فاننا سنبتلي بتلک الضرورة حتماً.
فهل يجب علينا ان نمنع من وقوع هذه الضرورة بعد سنوات بتهيئة ما يلزم من الآن کما کنا نوجب ذلک في مسألة ابتلاء المسافر بأکل الميتة أو لا؟
لاشک في انه يجب على الحکومة الاسلامية طبق موازيننا الفقهية وفقهنا الجواهري ان تهيّأ المقدمات لرفع هذه الضرورات بالمقدار الکافي. ولا علاقة لنا بما يصنع في بقية انحاء العالم لأننا لسنا مقلدين لعباد الدنيا بل نتبع ثقافتنا وما يأمرنا به مذهبنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
الإمامُ علىٌّ(عليه السلام)
جاهِدْ نَفسَکَ، واعمَلْ للآخِرةِ جُهْدَکَ
با نفس خود بستيز و توان و کوشش خود را براى آخرت به کار گير
ميزان الحکمه، جلد 1، ص 58
لا يوجد تعليق