نص الحديث:
«يا أباذر أترکْ فضول الکلام و حسبک من الکلام ما تبلغ به حاجتک، و کفى بالمرءِ کذباً أن يحدّث بکل ما يسمعُ»(1)
شرح الحديث:
الأ وامر التى أعطاها النبى(صلى الله عليه وآله) لأبي ذر الغفارى فى هذا القسم من الحديث کانت کالتالى:
1 - لا تتکلم کثيراً; أى ليکن کلامک بمقدار الحاجة، لأنّه يکفى الانسان کذباً أن يحدّث بکل ما يسمع.
هذا الأمر مهم جداً، لأنّ الانسان لو رکز فى مسألة اللسان فسوف يلتفت الى أنّ اللسان أخطر أداة لا رتکاب الذنوب، و قد ذکر لذلک علل هى:
الف) اللسان ذلک الشىء الذى يملکه الانسان دائماً; أى ليست هناک أى أداة جاهزة للاثم و فى متناول الانسان کهذه. اذا أراد شخص شراب الخمر - والعياذ بالله - فليس الشراب متوفراً فى کل مکان اذا أراد أن يزني - و لعياذ بالله - فليس هو متوفراً فى کل وقت و مکان أى يحتاج الى مقدمات على کل حال، لکنّ هذا اللسان يخضع لتصرف الانسان في کل مکان، فهو قطعة من اللحم يديرها الانسان بأى شکل أراد.
ب) الخطرالثانى هو أن بلوغ ذلک يسير جداً; أى لا يحتاج الى انفاق و لا عناء و لا مشقة، و يحتمل أن يلصق تهمةً کبيرةً جداً بدوران بسيط ممّا يؤدى الى ضربه ثمانين سوطاً أو يمکن ضمن حرکة قليلة أن يجرى الکفر على لسانه فيصبح مرتداً و يفارق الايمان الى الأبد.
ج) الخطر الثالث هو أنّ قبح اثم اللسان أقل من غيره، مثلا يعتبر الناس الزنا والشراب أعمالا قبيحةً جداً، لکن لو اغتاب شخص غيره مئات المرات أو کذب الآف المرات لايعدّون ذلک قبيحاً، و لا يعتبرون ذلک مزيلا للعدالة أيضاً.
د) الخطر الرابع هو أنّ دائرة آثام و جرائم اللسان اکثر من أى عضو آخر;(2)أى لا يملک بدن الانسان عضواً يستطيع ارتکاب الذنب بهذا المقدار.
س: ما العمل للتخلص من أخطار اللسان؟
ج: ذکر علماء الأخلاق طرقاً للخلاص من أخطار اللسان: من بين تلک الطرق هو ماذکره النبى(صلى الله عليه وآله) فى هذا القسم من الرواية«يا أباذر أترک فضول الکلام».
أذا استطاع الانسان فعل ذلک فستقل اغلب تلک الأخطار، لأنّه کلما قلل الانسان من کلامه قل ابتلاؤه بنسبة تقليله.
يقول الأطبائ الشرعيون:اذا قلل الانسان من استعمال الأطعمة الملوثة فسوف يقل ابتلاؤه بالأمرض; مثلا کان هناک حليباً ملوثاً بحمى مالطا، فسوف يکون احتمال اصابة الشخص الذى يشرب منه کأساً يومياً. اقل بالنسبة الى الشخص الذى يشرب کأسين، و تصل نسبة اصابة الثانى الى الضعف.
اللسان کذلک; الشخص الذى يتکلم بمائة کلمة بالنسبة الى الشخص الذى يتکلم بمائتى کلمة، احتمال ابتلائه بالذنوب بمقدارتلک النسبة و هى النصف.
بناءاً على هذا، کما قال النبى(صلى الله عليه وآله): من جملة طرق النجاة من مخاطر هذا العضو الخطير هى قلة الکلام، طبعاً وهب الله الانسان اللسان ليستفد منه. و أضيف أيضاً أنّ اللسان أهم أداة للخير و السعادة و العبادة و الوصول الى القرب الالهى أيضاً; يعنى کما يمکن ارتکاب ثلاثين کبيرة بواسطة اللسان يمکن انجار ثلاثين نوعاً من العبادة بواسطته أيضاً، من ضمن ذلک: الأمر بالمعروف،و النهى عن المنکر، و ذکر الله، و شکر الله، و نشر العلوم، و قراءة القرآن، و الصدق، و النصيحة و...
لذا لم يقل النبى(صلى الله عليه وآله) لأبى ذر لا تتکلم بل قال: أترک فضول الکلام حيث تکمن ذنوب کثيرة فى زيادة الکلام. و قال: حسبک من الکلام ما تبلغ به حاجتک،لأنّ الکلام الاضافى يتضمن: الغيبة، التهمة، الکذب، البخل، الحسد و...
لذا يجب أن نحکم سيطرتنا على اللسان، فللأسف يقل العمل خصوصاً بما جاء فى ذيل الحديث: کفى بالمرء کذباً أن يحدث بکل ما يسمع; ينقل الانسان ما يسمعه على صورتين:
1 - يقول أحياناً: يقولون الموضوع الفلاني; أى أنّه ينقل و يخبر عن نقله.
2 - و يقول أحياناً أخرى: هکذا حصل. فلو قال هذا يتضح و يحرز اثمه; لأنّ الشئ الذى لم يثبت بواسطة شاهدين عدلين لا يستطيع الانسان قوله.
بناءاً على هذالو قاله بصورة حاسمة فقد کذب:«انّ السمع و البصر و الفواد کلُّ أولئک کان عنه مسؤولا».
أما لو قال يقولون; أى يقول الانسان عند نقل الاشاعات: يقولون، فسوف ينجو هذا الفرد من الکذب; يعنى هذا ليس کذباً، لکن تترتب على ذلک عناوين محرمة عديدة; مثل: ايذاء المؤمن، هتک المؤمن، حيث يمکن أن يترتب على هذه الجملة تلک العناوين الثلاثة; أى أنّ هذه الجملة هتک المؤمن و اشاعة للفحشائ، فلو سمعها تکون ايذاءاً للمؤمن أيضاً. يتصور البعض أنّه يتخلص من الکذب بقوله کلمة «يقولون».
من جملة الأشياء الشحيحة فى زماننا و للأسف هى تقوى اللسان، و بالذات عندما يختلف الشخص فى خطه مع الآخر، فيسمح لنفسه باذاعة کل تهمة و فحشاء. اذا قلّت تقوى اللسان فى مجتمع فسيقل الفضل الالهى على ذلک المجتمع بالطبع. حينما لا يراعي الناس عرض و شرف بعضهم البعض فلن يحفظ الله شرفهم و کرامتهم، و يرفع لطفه و فضله عن هکذا طائفة، ألا نقول فى الفقه:«حرمةُ المؤمن کحرمة عرضه و دمه».
العرض والدم هنا الى جنب بعضهم البعض، حيث يکون قتل شخصية الانسان أحياناً أهم من قتل بدنه. يستعد البعض للموت مقابل عدم تدنيس عرضهم. لهذا يعتبر حفظ کرامة الآخرين مهماً للغاية. طبعاً لامانع من ذلک اذا لم تحمّل هذه العناوين على کلمة«يقولون». آمل أن نضع تلک الجملة التى قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللسانُ کلب عقوٌ»(3)
نصب أعيننا، لأنّه لو لم يلجم فلن يفترس الآخرين فحسب بل يتفرس نفسه!
عيوب الثرثرة فى أحاديث الامام على(عليه السلام)
1 - من علم أنّ کلامه من علمهِ قَّ کلامُهُ الأ فيما يعنيهِ(4)
2 - من کثر کلامُهُ کثرَ خطؤهُ و من کثر خطؤهُ قلَّ حياؤه، و من قلَّ حياؤه قلَّ ورعُهُ، و من قُل ورعه مات قلبه، و من مات قلبه دخل النار(5)
3 - من أکثر أهجر، ومن تفکّر أبصر(6)
4 - قلة الکلام تستر العيوب، و تقلّ الذنوب(7)
5 - اياک و کثرة الکلام، فاّنه يکثر الزلل(8)
6 - أقللْ الکلام تأمنْ الملامِ»(9)
7 - آفةُ الکلام الاطالةُ(10)
8 - من قلَّ کلامُهُ بطنَ عيبُهُ(11)
9 - من قلَّ کلامُهُ قلتْ آثامُهُ(12)
1.بحار الأنوار، ج74، ص 85.
2.للاطلاع اکثر على آثام اللسان راجعوا کتاب «أنوار الهداية»،ج1،ص 69-74.
3.بحار الانوار، ج 71، ص 287.
4.نهج البلاغة، الحکمة 349.
5.نهج البلاغة، الحکمة 349.
6.نهج البلاغة، الرسالة31.
7.مستدرک نهج البلاغة، 168.
8.غرر الحکم، ج1، 163.
9.غررالحکم، ج، ص126، الرقم 60
10.نفس المصدر، ص120،الرقم 2206.
11.نفس المصدر، ج 2، ص190، الرقم 761.
12.اقتبست جميع هذه الاحاديث التسعة من کتاب«مشاهد الحکمة» لکاتبه على اصغر ناظم زاده.
نص الحديث:
«يا أباذر أترکْ فضول الکلام و حسبک من الکلام ما تبلغ به حاجتک، و کفى بالمرءِ کذباً أن يحدّث بکل ما يسمعُ»(1)
قالَ الرّضا عليه السّلام :
يَا ابنَ شَبيبٍ! اِنْ کُنْتَ باکِياً لِشَئٍ فَاْبکِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلىّ بْنِ اَبى طالبٍ عليه السّلام فَاِنَّهُ ذُبِحَ کَما يُذْبَحُ الْکَبْشُ.
بحارالانوار، ج 44، ص 286
لا يوجد تعليق