تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
72-أحکام الأنفال
الخلاصة : وقال المفيد في المقنعة: «والانفال کل ارض فتحت من غير ان يوجف عليها بخيل ولا رکاب ـ الى ان قال ـ والاجام والبحار والمفاوز».
وقال ابو صلاح الحلبي في الکافي: «فرض الانفال مختص بکل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا رکاب ـ الى ان قال ـ ورؤوس الجبال وبطون الاودية من کل ارض والبحار والاجام».
وذکر ثقة الاسلام الکليني في الکافي في عداد الانفال: «وکذلک الاجام والمعادن والبحار والمفاوز هي للامام خاصة».
وذکره سيدنا الحکيم في المستمسک واستدل عليه بعد قوله: «وعن غير واحد الاعتراف بعدم الدليل عليه، ببعض ما مر ذکره ويأتي».
ومن الواضح ان البحار في اعصارنا مما يهتم بامرها لمرور السفن والصيد والمعادن التي في قعرها وغير ذلک من المنافع الکثيرة، بل قد يقال بامکان استخراج الجواهر من مائها ايضا، مضافا الى دورها الکبير في المسائل المرتبطة بالعساکر والجيوش وغير ذلک، فلعل ترک ذکرها في کلمات القوم غالبا وعدم سؤوال کثير من الروات عنه کان لعدم الانتفاع بها في تلک الايام بخلاف ايامنا هذا. وعلى کل حال فيمکن الاستدلال عليه بامور:
1ـ العموم المصطاد من اخبار الانفال من ان کل مال ليس له مالک خاص فهو للامام (الا ما خرج بالدليل) واصطياد هذا العموم کما عرفت غير بعيد.
2ـ مصححة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(ع) قال: «ان جبرئيل کرى برجله خمسة انهار لسان الماء يتبعه، الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ فما سقت او سقى منها فللامام وابحر المطيف بالدنيا وهو افسيکون».
وفي طريق الصدوق الى حفص کلام عندهم، ولکن رواه الکليني ـ رضوان الله عليه ـ في الکافي بسند صحيح الا انه حذف قوله «وهو افسيکون» (فراجع الوسائل ذيل الحديث).
وقوله البحر المطيف بالدنيا يشمل جميع البحار لما ثبت عندنا اليوم ان جميع البحار في الدنيا مرتبطة بعضها ببعض فهي مطيفة بالدنيا وتکون بحرا واحدا.
واما قوله «هو افسيکون» فقد ذکر العلامة المجلسي ـ قدس سره ـ في البحار، ما نصه: «ولعله من الصدوق فصار سببا للاشکال لان افسيکون معرب آبسکون وهو بحر الخزر ويقال له بحر جرجان وبحر طبرستان وبحر مازندران وهذا غير محيط بالدنيا ـ الى ان قال ـ وما في الکافي (اي بدون ذکر هذه الجملة) اظهر واصوب والمعنى ان البحر المحيط ايضا للامام (ع)».
اقول: ويحتمل ان يکون آبسکون اسما لما يسمى اليوم المحيط الهادىء اي الساکن (ويطلق عليه بالفارسية اقيانوس آرام) وکانه لعظمته وارتباطه بسائر البحار مطيف بالدنيا.
والحاصل: الاستدلال بالرواية على المطلوب ظاهر، اللهم الا ان يقال: ان صدرها مما لا يمکن العمل به، فان مجرد استقاء الاراضي من هذه الانهار لا يوجب کون ثمرتها للامام ولم يفت بذلک احد، فاللازم حمل الرواية على نوع آخر من الملکية اشرنا اليها غير مرة تکون في طول ملک الناس.
وان شئت قلت: ان صدرها قرينة على ان المراد بالذيل ايضا هو الملکية العامة الواردة في کثير من الروايات من ان الدنيا کلها للامام (ع) (بعد ما کانت لرسول الله) ومن الواضح ثبوت الملک الخصوصي للافراد ـ کما صرح به آيات الارث وغيرها من القرآن الکريم ـ فلا يمکن کون شيء واحد في زمان واحد ملکا لشخصين بتمامه، فلا بد من حملها على ان المراد من الملکية هنا ما يکون من قبيل ملک المولى للعبد وما في يده من الاملاک (بناء على القول به).
ومن هنا يظهر الکلام في الاستدلال بتلک الروايات کدليل مستقل للمطلوب فان الأخذ بظاهرها مناف لضرورة الفقه وما ثبت من الکتاب والسنة، اللهم الا ان يراد منه ما ذکرنا من نوع آخر من الملکية.
3ـ واستدل له ايضا بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي سيار مسمع بن عبد الملک وفيها: «الارض کلها لنا فما اخرج الله منها من شيء فهو لنا».
قال في المستند: «وجه الدلالة ان المال الحاصل للسائل وسؤاله کان عن الغوص ومنه يفهم ان مراده (ع) من الارض وما اخرج منها ما يشمل ارض البحار ايضا».
وفيه: ما مر في مثله مما يدل على ان الارض کلها للامام (ع) وانها لا دلالة لها على المطلوب.
فتلخص ان العمدة في المسألة هو العموم المستفاد من ادلة الانفال لو بلغ هذا العموم المصطاد حد الحجية، ولکنه لا يخلو عن اشکال والارجح في المسألة الاحتياط لا سيما مع جريان سيرة العقلاء في جميع اقطار العالم على معاملة البحار (ما عدا بعض ما يکون حرما للبلاد المختلفة).
معاملة المشترکات المباحات الاولية منذ سابق الايام الى زماننا هذا.
ومن هنا يظهر حال الانهار الکبار ايضا، فانه يمکن الاستدلال على کونها من الانفال بصحيحة حفص بن البختري للتصريح فيها بالانهار الکبار في العالم وانها للامام(ع)، ولکن قد عرفت الجواب عنها وان دلالتها قابلة للمناقشة بما مر، وکذلک يظهر حال الفضاء والجوّ في ايامنا هذا مما يمکن الانتفاع بها بکثير من المنافع، وکذا اعماق الارض وتخومها مما لا يعد حرماً لأملاک الناس ولا يکون تابعا لها عرفا، والاظهر في جميع ذلک معاملتها معاملة المشترکات للاصل، وعدم الدليل الکافي على اثبات کونها من الانفال، وان کان رعاية الاحتياط في جميع ذلک حسنا.
* * *
الثالثه: قد عد ابو الصلاح الحلبي في کتابه المسمى بالکافي من الانفال: «کل ارض عطلها مالکها ثلاث سنين» استنادا الى بعض ما ورد في الباب 71 من ابواب کتاب احياء الموات وشبهه.
ولکن الانصاف انه مع ما اورد عليه في محله من الاشکال في بعض الروايات التي تکون مستندا لهذا الحکم من حيث السند واعراض جل الاصحاب لو قلنا به لا يکون عنوانا مستقلا، بل معناه عود ذلک الملک بعد التعطيل ثلاث سنين الى الموات فيشملها ما دل على ان الموات من الانفال.
* * *
الرابعة: حکى في الجواهر عن استاذه الجليل کاشف الغطاء عد ثلاثة اشياء اخر من الانفال حيث قال:
«منها ـ اي من الانفال ـ ما يوضع له من السلاح المعدّ له والجواهر والقناديل من الذهب والفضة والسيوف والدروع، ومنها ما يجعل نذرا للامام (ع) بخصوصه على ان يستغله بنفسه الشريفة ومنها المعين للتسليم اليه ليصرفه على رأيه».
اقول: لکنه ممنوع صغرى وکبرى، کما اشار الى بعضه في الجواهر.
اما الاولى فلان صيرورة هذه العناوين الثلاثة (ما يعد له ـ ما يجعل منذورا له ـ وما عين للتسليم اليه) لا يوجب الملک له الا اذا وهب له وقبله (ع) بنفسه او قبله بعض وکلائه (وکيله الخاص، او وکيله العام اذا قلنا بعموم الوکالة لنائب الغيبة في هذه الامور، ولکن الانصاف الاشکال في عموم الادلة من هذه الناحية).
او کان نذرا له ولکن النذر لا يجعله ملکاً فتأمل، او کان وقفا عليه خاصة (لو قلنا بعدم حاجته الى القبول) او جعل وقفا لروضته ومشهده کما هو المعمول في الاوقاف الکثيرة التي جعلوها لمشهدهم الشريفة ومواقفهم الکريمة ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ من السلاح والدور وسائر الاموال المنقولة وغير المنقولة، فمجرد الوضع له (ع) او النذر له او تعيينه له (ع) لا يوجب کونه من الانفال.
واما الثانية فلان امثال هذه خارجة عن عنوان الانفال لثبوته في حق کل احد، والمراد من الانفال ما ثبت له بحکم الشرع من الاموال لمقام ولايته کما لا يخفى.
ومن العجب انه ذکر بعد هذا الکلام فيما حکاه عنه في الجواهر: «ان هذه الثلاثة من الانفال لا يجوز التصرف فيها، بل يجب حفظها والوصية بها، ولو خيف فساد شيء منها بيع وجعل نقدا وحفظ على النحو السابق، ولو اراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوى جوازه»!
وفيه: ما عرفت سابقا من ان حفظ هذه الاموال او حفظ قيمتها مشکل جدا بل هو مظنة للضياع قطعا فلا مناص من ان يصرف فيما يرضاه (ع) فکما يجوز الاتجار به (للمجتهد اما بناء على احراز رضاه او عموم ادلة الولاية) فکذلک بالنسبة الى بيعها وصرفها فيما يحرز به رضاه (ع)، الا اذا کانت موقوفة لناحيته المقدسة فيعمل فيها بحکم الوقف.
* * *
الخامسة: في حکم الانفال قال في الجواهر: «انه لا کلام في کونها ملکا للنبي(ص) کما يدل عليه الکتاب والسنة والاجماع ثم من بعده لقائم مقامه» وقد صرح بعد ذلک تبعا للمحقق في الشرايع بانه «لا يجوز التصرف في ذلک بغير اذنه ولو حصل له فائدة کانت للامام(ع)» ثم تکلم بعد ذلک في حکمها في زمن الغيبة «وانهم اباحوا ذلک لشيعتهم مطلقا او في خصوص المناکح والمساکن والمتاجر».
اقول: اللازم التکلم في مقامين احدهما: حکم الانفال من حيث الملکية انها لمن هي بحسب الحکم الاولي. ثانيهما حکمها في زمن الغيبة او الحضور من حيث اذن صاحبها وعدمه.
اما الاول فقد عرفت دعوى الاجماع من صاحب الجواهر على انها ملک للنبي(ص) ثم بعده للقائم مقامه من الائمة المعصومين، واستدل له بالادلة الثلاثة وهو کذلک، ولکن قد يتصور ان ظاهر آية الانفال هو تقسيمها الى سهمين سهم الله وسهم الرّسول(ص) قال الله تعالى: «يَسْئَلُونَکَ عَنِ الاَنْفَالِ، قُلِ الاَنْفَالُ لله وَالرَّسُولِ» وان کان لا اثر لهذا التقسيم بعد کون حقّ الله للنّبي(ص) بلا اشکال، واوضح منه في التقسيم اية الحشر قال الله تعالى: «مَا اَفَاءَ الله عَلى رَسُولِهِ مِنْ اَهْلِ الْقُرى فَلله وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبي وَالْيَتَامَى وَالْمَساکينِ وَابْنُ السَّبيلِ». فقد ذکر فيها السهام الستة المذکورة في آية الخمس، فکيف يقال بتقسيم الخمس هناک الى ستة اسهم ولا يقال به هنا؟!
وقال المحقق النراقي في المستند: «ليس علينا بيان حکم الانفال في حال حضور الامام (ع) فانه المرجع في جميع الاحکام».
ولکنه کما ترى، لان المقصود من بيان حکمه في زمن الحضور استنباط حکم زمن الغيبة منه بحسب الاصل والقاعدة، کي يعمل به فيما لا دليل على خلافه.
وقال الشيخ في الخلاف: «الفيء کان لرسول الله(ص) خاصة وهو لمن قام مقامه من الائمة ـ عليهم السلام ـ الى ان قال دليلنا: اجماع الفرقة» ولکن عن غير واحد من فقهاء العامة خلاف ذلک، فحکي عن الشافعي: انه کان الفيء يقسم على عهد رسول الله(ص) على خمسة وعشرين سهما، اربعة اخماسه للنبي(ص) ويبقى اربعة اسهم بين ذوي القربى واليتامى والمساکين وابناء السبيل، وحکي عن أبي حنيفة مساواة حکم الفيء والغنيمة وانه على عهده کان يقسم على خمسة اسهم (سهمان له وثلاثة اسهم للطوائف الثلاث) وبعد وفاته(ص) يقسم على ثلاثة اسهم اي على الطوائف الثلاث».
وکيف کان ظاهر الآية وان کانت تقسيم الفيء على ستة اسهم، ولکن يحمل على بيان ما يصرفه فيه تفضلا او بحسب مقامه السامي فانه کافل لليتامى وسائر ارباب الحاجة من الناس، وذلک مثل ما يکون لرئيس العشيرة خاصة ولکنه بحسب مقامه يصرفه في افراد عشيرته، وتدل على هذا الحمل الآية الاولى لانه اقتصر فيها على ذکر الله والنّبي(ص) ويشهد له ايضا التعبير بقوله تعالى «وما افاء الله» على رسوله لظهورها واشعارها بان الفيء کله للرّسول.
ولذا يحکى عن فعل النبي(ص) انها بعد ما نزلت الآية في اموال يهود بني النضير، قسمها (ص) في المهاجرين ومعدود من الانصار.
وتدل عليه ايضا الروايات الواردة في ابواب الانفال التي هي بمنزلة التفسير للاية، والمسألة تعدّ اجماعية ظاهرا.
ويؤيده ايضا ما روي من طرق العامة في هذه المسألة، قال الواقدي في المغازي: «قال عمر: يا رسول الله! الا تخمس ما اصبت من بني النضير کما خمست ما اصبت من بدر؟ فقال رسول الله: لا، اجعل شيئا جعله الله عزّوجلّ لي دون المؤمنين بقوله: «ما افاء الله على رسوله من اهل القرى الآية» کهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين (وکان المراد بالسهمين سهم له(ص) وسهم للمسلمين».
وهذا مما يؤيد ما ذکرنا من ان قوله تعالى ما اَفَاءَ الله عَلى رَسُولِهِ قرينه على انه تعالى ارجع کله على رسوله الاکرم.
وما رواه البيهقي في سننه عن مالک بن اوس عن عمر في حديث قال: «کانت اموال بني النضير مما افاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا رکاب فکانت لرسول الله(ص) خالصا دون المسلمين، وکان رسول الله(ص) ينفق منها على اهله نفقة سنة فما فضل جعله في الکراع والسلاح عدة في سبيل الله» ونحوه ما ذکره الشافعي في کتاب الام.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الثانية: ان غير واحد من الفقهاء جعلوا «البحار» ايضا من الانفال.
قال المحقق النراقي في المستند: «الحادي عشر: البحار» وهي على الاظهر من الانفال وفاقا لصريح الکليني وظاهر ابن أبي عمير والمحکي عن المفيد بل الديلمي ، للعمومات المتقدمة وحسنة البختري. ويؤيده بل يدل عليه صحيحة عمر بن يزيد انتهى».
لا يوجد تعليق