بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وأما المقام الثاني اي حکم الانفال في عصر الغيبة فقد وقع الخلاف فيه، کما وقع الخلاف في حکم الخمس في ذلک الزمان.
فقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه: «وقع الخلاف بين الاصحاب في الانفال بل في مطلق ما يستحقه الامام (ع) ولو من الخمس في انه هل ابيح ذلک للشيعة مطلقا او في الجملة في زمان الغيبة او عدمه مطلقا على وجوه:
فعن الشهيدين وجماعة التصريح باباحة الانفال جميعها للشيعة في زمان الغيبة، بل نسبه في الروضة والمسالک والذخيرة الى المشهور استنادا الى اخبار التحليل.
وعن کثير من الاصحاب قصر الاباحة على المناکح والمساکن والمتاجر، بل عن الحدائق نسبته الى المشهور، وعن أبي الصلاح ما يظهر منه الجميع حتى الثلاثة.
ثم اختار هو بنفسه التفصيل بين الارضين الموات وتوابعها من المعادن والاجام وغيرها مما جرت السيرة على معاملتها معاملة المباحات الاصلية، فلا ينبغي الريب في اباحتها للشيعة في زمان الغيبة، واما ما عداها وهي الغنيمة بغير اذن الامام وصفايا الملوک وميراث من لا وارث له، فمقتضى الاصل بل ظواهر النصوص الخاصة عدم جواز التصرف فيها الا باذن الامام (ع) انتهى ملخصا».
وذکر صاحب الجواهر ـ قدس سره ـ في نجاة العباد تفصيلا آخر قال: «الظاهر اباحة جميع الانفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حکم الملک من غير فرق بين الغني منهم والفقير، نعم الاحوط من ذلک ان لم يکن اقوى ايصاله الى نائب الغيبة».
وقد ذکر المحقق النراقي بعد نقل الاقوال الثلاثة في المسألة (1ـ المشهور اباحتها للشيعه. 2ـ اباحة خصوص المناکح والمساکن والمتاجر. 3ـ ما عن الحلبي والاسکافي من عدم اباحة شيء منها) تفصيلا آخر في المسألة فصل بين اقسام الانفال.
فهذه تفاصيل اربعة في المسألة:
وصرح في المدارک بان الاصح اباحة الجميع کما نص عليه الشهيدان وجماعة.
فتحصل مما ذکر بان في المسألة قول بالتحليل مطلقا، وقول بعدم التحليل، واقوال بالتفصيل، والظاهر ان جميعها منشأها من روايات الباب، فاللازم الرجوع اليها بعد وضوح ان الاصل في المسألة عدم جواز التصرف فيها الا باذنهم لانها لهم خاصة، فنقول ومنه جل ثناؤه التوفيق والهداية: هناک طوائف من الاخبار:
الطائفة الاولى: ما دل على اباحة حقهم من الانفال مطلقا بحيث يشمل جميع اقسام الانفال، سواء الاراضي وبعض الغنائم وميراث من لا وارث له والمناکح والمتاجر وغيرها.
منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: «قرأت في کتاب لابي جعفر(ع) من رجل يسأله ان يجعله في حل من مأکله ومشربه من الخمس. فکتب بخطه: من اعوزه شيء من حقي فهو في حل».
ومنها: ما عن يونس بن يعقوب قال: «کنت عند أبي عبدالله فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداک تقع في ايدينا الاموال والارباح وتجارات نعلم ان حقک فيها ثابت وانا عن ذلک مقصرون؟ فقال: ما انصفناکم ان کلفناکم ذلک اليوم».
ومنها: ما رواه الحارث بن مغيرة وموردها وان کان خاصا الا ان قوله(ع) في الجواب «وکل من والى آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب».
ومنها: ما رواه الحارث بن المغيرة ايضا وقد صرح فيها بعنوان الانفال.
الى غير ذلک مما ذکرناه في مباحث الخمس عند الکلام في التحليل وعدمه.
الطائفة الثانية: ما دل على اباحة خصوص المناکح من غير مفهوم لها، وقد مر ايضا مشروحا في ابواب الخمس مثل رواية 10 و 15 و 20 من الباب 4 من ابواب الانفال وغيرها.
الطائفة الثالثة: ما دل على تحليل خصوص الاراضي التي تکون في ايدي شيعتهم وانهم اباحوها لهم دون غيرهم مثل ما رواه ابو سيار مسمع بن عبد الملک وما رواه يونس او المعلي بن خنيس عن الصادق(ع) وما اشبه ذلک.
الطائفة الرابعة: ما دل على ان من احيا ارضا ميتة فهي له وقد رواها صاحب الوسائل في المجلد 17 في کتاب احياء الموات في الباب الاول، وقد نقل فيها ثمان روايات کلها تدل على المطلوب وفيها عناوين عامة تشمل الشيعة وغيرهم بل اهل الذمة ايضا، مثل قوله: «من احيا ارضا مواتا فهي له».
وقول أبي جعفر الباقر(ع): «ايما قوم احيوا شيئا من الارض وعمروها فهي احق بهم وهي لهم» الى غير ذلک.
بل في بعضها التصريح بان اهل الذمة اذا عملوها واحيوها فهي لهم.
الطائفة الخامسة: ما دل على حرمة اموالهم لغيرهم ـ عليهم السلام ـ وانه لا يجوز التصرف فيها الا باذنهم مثل ما يلي:
ما ورد في توقيع محمد بن عثمان العمري ابتداءً لم يتقدمه سؤال: «بسم الله الرّحمن الرّحيم لعنة الله والملائکة والناس اجمعين على من استحل من مالنا درهما الحديث».
وما رواه ابو حمزة الثمالي عن أبي جعفر(ع) قال: «سمعته يقول من احللنا له شيئاً اصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمناه من ذلک فهو حرام». الى غير ذلک.
انما الکلام في طريق الجمع بينها، فان الواجب اولا الجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيد وسائر انحاء الجمع الدلالي لو کان، وبعد ذلک الاخذ بالمرجحات ولولاها التخيير.
والانصاف ان يقال اما اخبار الاحياء فهي حاکمة على ما دل على انها لهم ـ عليهم السلام ـ لانها اذن في التملک بالاحياء اذن من الله ورسوله(ص) والائمة الهادين من بعده، فلا تعارض بينها وبين ما دل على انها حق لهم.
انما الکلام في انه هل يجوز للحاکم الشرعي او الحکومة الاسلامية المنع من التملک بالاحياء ولو في بعض المناطق او ببعض الطرق والوجوه ـ کالمنع عن احياء المعادن ـ الا باذنها؟ لا يبعد ذلک بعد عموم ادلة مالکيتهم وعموم ادلة النيابة، وکون هذه الاموال عونا للامام في حکومته الالهية.
ان قلت: اليس قد ورد في غير واحد منها ان التحليل في الاراضي باق الى ظهور القائم، وذلک مثل رواية مسمع عبد الملک ورواية عمر بن يزيد فکيف يصح للحکومة الاسلامية او الفقيه عند بسط يده المنع من ذلک؟
قلت: اولا ذلک وارد في الخمس ايضا مثل قوله(ع): «اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منها في حل الى ان يظهر امرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث». مع انا لا نقول بالاباحة المطلقة فتأمل.
وثانيا: ان ظهور الامر اعم من ظهور الحجة المهدي ـ ارواحنا فداه ـ وظهور الفقهاء من مواليهم ـ عليهم السلام ـ فهذا ايضا ظهور امرهم.
وان شئت قلت: التحليلات الواردة في الاراضي منصرفة عن مثل ما اذا ظهرت الحکومة الاسلامية وکانت محتاجة الى هذه الاراضي واصلاح امرها، وکذا ما يتبعها من المعادن وغيرها، هذا بالنسبة الى ما ورد فيه جواز الاحياء.
اما المناکح وشبهها فهي مباحة بلا اشکال لکون ادلتها اخص من ادلة الحرمة بل هي حاکمة عليها لاذنهم في ذلک، وجوازها مع الاذن لا ينافي کونها ملکا لهم کما هو ظاهر.
واما غير ذلک من الصفايا والغنائم بلا قتال او بغير اذنهم ـ عليهم السلام ـ وميراث من لا وارث له فلا يبعد ان تکون روايات التحليل شاملة لها، ولکن العمدة انها تدل على التحليل المالکي الحاصل من اذنهم لا التحليل بعنوان الحاکم الشرعي من الاحکام فحينئذ يجوز للفقيه المنع منه، واخذ هذه الاموال وصرفها في مصارفها، بل يمکن ان يقال ان التحليل منهم ـ عليهم السلام ـ کان موقتاً خاصا بزمانهم فالاحوط لو لم يکن اقوى، الاستيذان من الفقيه في هذه الامور وعدم التصرف فيها الا باذنهم.
بقي هنا شيء: وهو ان الاباحة المذکورة ان کانت بمعنى مجرد جواز التصرف، فلازمها عدم جواز ترتيب آثار الملکية على موردها من جواز الوطي والبيع والشراء والوقف والوطية والإرث وغير ذلک، مع ان الظاهر ترتيب جميع ذلک عليه بحسب السيرة في باب المناکح والمتاجر وغيرها مما اباحوا لمواليهم ـ عليهم السلام ـ.
ومن هنا وقع الاعلام في حيص بيص من جهة تطبيق هذه الاباحة على القواعد، قال شيخنا الاعظم فيما حکاه عنه المحقق الهمداني في مصباح الفقيه بعد ان ذکر وجوها من الاشکال في تطبيق هذه الاباحة على القواعد ما نصه:
«والذي يهون الخطب الاجماع على انا نملک بعد التحليل الصادر منهم کل ما يحصل بايدينا تحصيلا او انتقالا، فهذا حکم شرعي لا يجب تطبيقه على القواعد.
ثم ذکر توجيهين لهذا الامر: احدهما ان ملکية الائمة ـ عليهم السلام ـ لها ليست ملکية فعلية لتنافي ملکية الناس بالتحليل والاباحة بل هي ملکية شأنية من الله سبحانه، فالشارع بملاحظة رضاهم بتصرف مواليهم لم يجعل هذه الامور في زمان قصور ايديهم ملکا فعليا لهم بل ابقاها على حالتها الاصلية (من کونها من المباحات الاولية) فصيرورتها من المباحات انما نشأت من رضاهم بذلک.
ثانيهما: ان يقال انها ملک لهم فعلا، ولکن هذه الملکية لا تنافي ملکية الموالين لها بالاحياء والحيازة حتى تحتاج الى الانتقال اليهم باحد النواقل الشرعية بل هو معنى يشبه ملکية الله سبحانه للاشياء (نظير ما اشرنا اليه في المباحث السابقة) انتهى ملخصا» وقال المحقق الهمداني بعد ذلک لعل التوجيه الثاني او فق بظواهر النصوص والفتاوى واقرب الى الاعتبار.
اقول: اولا ان هذه الملکية کما اشرنا اليه سابقا ليست ملکية فقهية يبحث عنها في هذه المباحث بل هي ملکية فوق هذه الملکية لها آثار آخر معنوية والهية.
وان شئت قلت: انها ملکية طولية لا ملکية عرضية ـ اي في عرض ملک العباد لبعض الاشياء ـ مع ان ظاهر آية الخمس ورواياته انها من قبيل القسم الثاني اعني الملکية العرضية ولذا يکون اربعة اخماسه للناس وخمس لهم، وکذا يکون لهم ـ عليهم السلام ـ خصوص الموات وشبهها والا لو کان المراد النوع الثاني ـ اي الملکية الطولية ـ فجميع الدنيا لله تعالى ولرسوله(ص) وخلفائه الهادين من بعده.
والحاصل: ان هذا النوع من الملک امر وراء الملک الذي تترتب عليه الاثار الخاصة في الفقه نظير ملک الله التکويني لجميع ما في السماوات والارض، فحمل روايات الانفال على هذا النوع بعيد جدا.
وابعد منه حمل تلک الروايات الکثيرة الواردة في هذه الابواب على الملک الشأني مع کونها من المباحات الاصلية بالفعل، فان لسانها آبية عن هذا المعنى جدا بل ظاهرها او صريحها انها ملک لهم بالفعل.
ثانيا: لا حاجة الى هذه التکلفات بعد امکان تطبيق هذا التحليل على القواعد وذلک من طرق مختلفة.
1ـ اعراضهم ـ عليهم السلام ـ عنها عند ارادة تملک الشيعة لها وقد ذکرنا في محله ان الملک يخرج عن عنوان الملکية بالاعراض، وهذا مثل بعض ما يستغني عنه الانسان فيجعله خارج باب داره او يدفعه الى خارج البلد او في بعض الطرق فيعرض عنه ويأتي آخر فيأخذه ويتملکه، وقد جرت على ذلک سيرة العقلاء وامضاها الشرع ولو بعدم الردع.
2ـ انهم جعلوا لشيعتهم التوکيل عنهم في تمليکها لانفسهم وتملکها، وقد ذکر مثل ذلک في البحث المعروف في قول الرجل لاخر اشتر بهذا النقد خبزا او ثوبا او دارا لنفسک، فکل ما يقال هناک نقوله هنا.
3ـ ان تکون الاباحة هنا بمعنى الهبة فهم قد وهبوا لمواليهم کل ما احيوا من الموات او حازوا من المعادن او اشتروا من الاماء، والاحياء والحيازة والاشتراء قبول فعلى من قبل الموالين، وقد ورد التصريح بعنوان الهبة في بعض روايات الباب، مثل ما عن الامام العسکري(ع) عن امير المؤمنين(ع) قال: «فقد وهبت نصيبي لکل من ملک شيئا من ذلک من شيعتي».
وبالجملة: تطبيق هذه الاباحة بما لها من الاثار المترتبة على الملک على القواعد، ليس امرا صعبا حتى تحتاج الى التکلف بالتزام الملکية الشأنية او شبهها والحمد لله رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وأما المقام الثاني اي حکم الانفال في عصر الغيبة فقد وقع الخلاف فيه، کما وقع الخلاف في حکم الخمس في ذلک الزمان.
قال ابي عبدالله (عليه السلام)
إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَادْخُلْهُ حَافِياً عَلَى السَّکِينَةِ وَ الْوَقَارِ وَ الْخُشُوعِ...
هنگامى که به مسجد الحرام وارد شدى، با پاى برهنه و با آرامش و متانت و خشوع داخل شو.
کافى: 4/401
لا يوجد تعليق