الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
صحيح أنّ مرحلة النضج العقلي للإنسان لها حدّ معين عادة، إلّا أنّه يوجد أفراد استثنائيون بين البشر دائما، فأي مانع من أن يختصر اللّه هذه المرحلة لبعض عباده لمصالح ما، و يجعلها تتلخص في سنوات أقل؟ کما هو لیحیی و عیسی علیهما السلام و لبعض أئمة الشيعة علیهم السلام:
1ـ یحیى بن زکریا(علیه السلام)
قال الله تعالی: (یا یَحْیى خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّة وَآتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیّاً)(1);
و الحكم أي النبوة، و صبيا أي حال صغره.(2)
قيل أوتي النبوة و هو ابن ثلاث سنين و قيل قرأ التوراة و هو صغير(3) .
في رواية عن علي بن أسباط، أحد أصحاب الإمام الجواد محمّد بن علي النقي عليه السّلام أنّه قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد خرج عليّ، فأجدت النظر إليه، و جعلت أنظر إلى رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك قعد فقال: «يا عليّ، إنّ اللّه احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النّبوة، قد يقول
وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، و قد يقول
وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ و بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
فقد يجوز أن يؤتى الحكمة و هو صبي، و يجوز أن يؤتى الحكمة و هو ابن أربعين»(4).
هذه الآية تتضمن جوابا مفحما لأولئك المعترضين كما أنّه تتضمن جوابا للذين يقولون: إنّ عليا عليه السّلام لم يكن أوّل من آمن بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الرجال، لأنّه كان ابن عشر سنين في ذلك اليوم، و لا يقبل إيمان صبي في العاشرة من عمره!
و لا بأس من ذكر الرّواية الشريفة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام تدل علی بلوغ الامام فی الطفولیة، و هي أن جماعة من الأطفال قالوا للرضا عليه السّلام أيّام طفولته: أذهب بنا نلعب، قال: «ما للعب خلقنا» و هذا ما أنزل اللّه تعالى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.(5)
يجب الالتفات إلى أن اللعب هنا هو الإشتغال بما لا فائدة فيه، و بتعبير آخر لا هدف يطلب منه، لكن قد يستتبع اللعب و اللهو- أحيانا- هدفا منطقيا و عقلائيا و يسعى إليه، فمن البديهي أن لهذا اللعب حكما مستثنى.(6)
2 ـ عیسى بن مریم(علیه السلام):
قال الله تعالی: ( فَأَشارَتْ إِلَیْهِ قالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیّاً قالَ إِنِّی عَبْدُ اللهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَجَعَلَنِی نَبِیّاً * وَجَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَأَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیّاً...)(7);
و إن كان الوصول إلى مقام النّبوة و الامامة و بلوغ العقل الكامل- في مرحلة الطفولة- باعثا على الحيرة و معجزا، فإنّ التحدث في المهد عن الكتاب و النّبوة أبعث على التعجب و الحيرة، و أكثر إعجازا.
في الكافي عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: أ كان عيسى ابن مريم حين تكلّم في المهد حجّة اللّه على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة اللّه غير مرسل أ ما تسمع لقوله حين قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا،
قلت: فكان يومئذ حجّة للّه على زكريا في تلك الحال و هو في المهد؟ فقال:
كان عيسى في تلك الحال آية للناس و رحمة من اللّه لمريم حين تكلّم فعبّر عنها و كان نبيّا حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثمّ صمت فلم يتكلّم حتّى مضت له سنتان و كان زكريا الحجّة للّه عزّ وجلّ على الناس بعد صمت عيسى سنين ثمّ مات زكريا فورث ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبي صغير، أ ما تسمع لقوله عزّ و جلّ يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، فلمّا بلغ عيسى سبع سنين تكلّم بالنبوّة و الرسالة حين أوحى اللّه تعالى إليه فكان عيسى الحجّة على يحيى و على الناس أجمعين، و ليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجّة للّه على الناس منذ يوم خلق اللّه آدم و أسكنه الأرض...الی آخر الحدیث .(8)
و من هنا يتّضح عدم صحة الإشكال الذي طرحه بعض الأفراد حول بعض أئمة الشيعة علیهم السلام.
لا يوجد تعليق