الجواب الاجمالي:
تحوّلت الشيعة في عصر الإمام العسكري إلى قوة ضخمة في العراق، والشاهد على قوة الشيعة آنذاك هو اعتراف عبيد اللّه وزير المعتمد بذلك فقد ذهب جعفر الكذّاب أخو الإمام العسكري بعد استشهاده إلى عبيد اللّه وقال: اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار; فزبره وقال: يا أحمق انّ السلطان جرد سيفه في الذين زعموا انّ أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيّأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى مرتب
الجواب التفصيلي:
1. تحوّلت الشيعة في عصر الإمام العسكري إلى قوة ضخمة في العراق، وكان الجميع يعلم بأنّهم مخالفون للخلفاء والحكام ولا يعترفون بشرعية أي واحد من العباسيين ويؤمنون بأنّ الإمامة الإلهية باقية في أولاد علي (عليه السلام)، وكانت الشخصية البارزة لهذا البيت في تلك الفترة هو الإمام الحسن العسكري.
والشاهد على قوة الشيعة آنذاك هو اعتراف عبيد اللّه وزير المعتمد بذلك، فقد ذهب جعفر الكذّاب أخو الإمام العسكري بعد استشهاده إلى عبيد اللّه وقال: اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار; فزبره وقال: يا أحمق انّ السلطان جرد سيفه في الذين زعموا انّ أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيّأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى مرتب(1).
ومضافاً إلى ما قلنا آنفاً هناك أدلّة ووثائق تدلّ من ناحية على مدى خباثة ومكر البلاط العباسي وضخامة مخططاته الشيطانية بحق الإمام وأصحابه وعلى صحوة الإمام ويقظته وإجراءاته الأمنية وتوخّيه الحذر، وسنشير إلى بعض من ذلك:
قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري(2): كنت في الحبس أنا وجماعة إذ دخل علينا أبو محمد العسكري وأخوه جعفر فخففنا له ـ أسرعنا إلى خدمته ـ وحففنا به، وكان معنا في الحبس رجل جُمَحي (خ ل: أعجمي) يدّعي انّه علوي، فالتفت الإمام أبو محمد فقال: «لولا انّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم» وأومأ (عليه السلام) إلى الجمحي أن يخرج فخرج فقال الإمام (عليه السلام): «هذا ليس منكم فاحذروه، فإنّ في ثيابه قصة (تقريراً) قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه».
فقام بعضهم ففتّش ثيابه، فوجد القصة والتقرير يذكرنا فيها بكلّ عظيمة!(3)، تدلّ هذه القضية على أنّ الإمام وشيعته مراقبون حتى وهم في السجن.
2. وقال أحد أصحاب الإمام: اجتمعنا بالعسكر (سامراء) وترصّدنا لأبي محمد العسكري (عليه السلام) يوم ركوبه فخرج توقيعه: «ألا لا يسلمن عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ أحدكم، فإنّكم لا تؤمنون على أنفسكم»(4).
3. وقال عبد العزيز البلخي: أصبحت يوماً وجلست في شارع سوق الغنم فإذا أنا بأبي محمد العسكري (عليه السلام) قد أقبل يريد باب العامة بسامراء، فقلت في نفسي تراني إن صحت يا أيها الناس هذا حجة اللّه عليكم فاعرفوه يقتلوني، فلمّا دنا مني ونظرت إليه أومأ إليّ باصبعه السبابة ووضعها على فيه أن اسكت، فأسرعت إليه حتى قبّلت رجله، فقال لي: «أما إنّك لو أذعت لهلكت» ورأيته تلك الليلة يقول: «إنّما هو الكتمان أو القتل، فأبقوا على أنفسكم»(5).
4ـ خرج رجل من العلويّين من سامراء إلى الجبل ـ يطلق على الأماكن الجبلية الممتدة من غرب إيران إلى همدان وقزوين ـ يطلب الفضل، فتلقّاه رجل بحلوان، فقال: من أين أقبلت؟ قال: من سامراء، قال: هل تعرف درب كذا وموضع كذا، قال: نعم، فقال عندك من أخبار الحسن بن علي العسكري، قال: لا.
قال: فما أقدمك الجبل؟ قال: طلب الفضل ـ للتجارة ـ قال: فلك عندي خمسون ديناراً فاقبضها وانصرف معي إلى سامراء حتى توصلني إلى الحسن بن علي، فقال: نعم، فأعطاه المال وعاد العلوي معه وأوصله إلى بيت الإمام(6).
وتدلّ هذه القضية أيضاً على مدى صعوبة الالتقاء بالإمام بسبب أجواء الرعب والرقابة المفروضة من قبل الحكومة.
ومن ناحية أُخرى انّ المال الذي بذله الرجل الحلواني ازاء إيصاله إلى بيت الإمام يبيّن أهمية الالتقاء بالإمام في تلك الفترة حيث كان يعد الخمسين ديناراً مبلغاً كبيراً نسبياً في ذلك الزمن، إذ يرى بعض العلماء انّ الدينار في ذلك الوقت يساوي بعيراً(7)، وعليه فإنّ الخمسين ديناراً في تلك الفترة يعني ان تتمكن في زمننا هذا من شراء خمسين بعيراً(8).
لا يوجد تعليق