الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
نعلم أن أئمة الدين وحماة المسلمين علّمونا أن لا نرضخ تحت وطأة الظلم وأن نطالب بحقنا مهما كلّف الثمن، فالحق في قاموس أهل البيت (عليهم السلام)، يأخذ ولا يعطى، وعليه فلا ينبغي للمرء أن يتنازل عن حقه بل يدافع عنه ويعيش حياة الحرية والكرامة والعز، هذا الذي علمنا به الإمام الحسين (عليه السلام)، وأعطانا فيه أعظم دروس الشرف والتضحية. وفي إحدى خطبه سلام الله عليه يقول: "أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوها، لقد خيرني أذلاء النفوس بين السلّة والذلة وهيهات من الذلة". والواضح من كلام الإمام بكلمة (منّا) كان بيان خط أهل البيت (عليهم السلام) وموقف أهل العصمة والطهارة من أهل الظلم والجور، إذن كيف صبر أخوه الحسن (عليه السلام)، على حقارة معاوية، وسياساته الدموية بحق المسلمين، والأخير هذا لم يكن أقل ظلماً وجوراً من ابنه الطاغية يزيد؟
علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والحوادث التاريخية التي اكتنفت قيام نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وصلح أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، إذ لابد من دراسة الوقائع والاحداث والزمان والظرف الذي صاحب الإمامان العظيمان، فدراسة الموقف من جميع جوانبه ووجوهه يكشف لنا أسرار هذا (الصلح) وتلك (النهضة). صحيح أن معاوية لم يكن أقل من يزيد ظلماً وطغياناً لكنه كان على الظاهر يدعي الإسلام ويعلن التدين على حد نقل التاريخ، فقد كان يؤطر أعماله بإطار ديني وما يتمتع به وسائل المكر والخديعة ما جعله في أعين السذج والرعاع ولي أمر المسلمين، ولم تكن مكيدة رفع المصحاف في صفين عفواً وإنما دهاءاً ومكراً قطع فيه الطريق على انهزم محقق له ولجيشه، وهو شاهد حي على مكره ودهاءه، لكن ولي العهد والمارة المتطفل ـ يعني يزيد ـ لم تصقله التجارب، ولم تهذبه الأيام، لا إنه فقط لا يدين بالإسلام ولا يؤمن بمعتقداته وحسب، بل إنه حتى تنقصه الخبرة في ادارة شؤون الدولة، جاهل بالسياسة وعار من اللياقة الدبلوماسية في تصرفاته، وتنقصه الخبرة في تغليف تصرفاته القاسية والمنحلة، مستهتراً بجميع القيم الإنسانية ولم يحفظ حتى الظاهر اليسير الذي كان معاوية يظهره ويراعيه، سحق مبادئ الإسلام علناً تحت قدميه ولم يتورع عن ارتكاب الرذيلة والموبقات وخالف مقدسات الإسلام جهاراً وبوقاحة ومن دون تريث أو تحفظ.
إذن من الطبيعي أن تقابل هذه السياسات بالرفض من عموم المسلمين، إذ أن الواقع الموضوعي الحاكم آنذاك قد هيأ أرضية الرفض لخلافة آل بني أمية وعِبرَ أفكار عموم المسلمين للقيام بتمرد يسحب فيه البساط المشؤوم من تحت أقدام آل أمية، وبلحاظ هذا الاعتبار كانت النهضة الحسينية التي قام بها الامام الحسين (عليه السلام) الضربة القاضية للخلافة الأموية التي فضحت سياسات هذا البيت على أثر الأعمال التي كان يمارسها يزيد الطاغية والتي كان لها الأثر الكبير في ازاحة لاستار عن وجوه الجهاز الحاكم واظهارهم على حقيقتهم امام الملأ وكانت حصيلة ذلك قيام ونهضة حقق فيها الاسلام انتصاراً ساحقاً على واقع بني أمية وصار سبباً في طردهم من جهاز الحكم وطي صفحتهم السوداء والى الأبد من عموم أفكار المسلمين، وقطعاً هذه الظروف والأوضاع لم تكن في أيام خلافة معاوية.
وعلى حدّ قول أحد المحققين، أنه لو كان الإمام الحسن (عليه السلام) في أيام خلافة يزيد لنهض بالأمر كما فعل الحسين (عليه السلام)، والحسين (عليه السلام)، أيضاً لو كان في أيام معاوية لعقد الصلح وبايع معاوية؛ لأن الظروف الموضوعية كانت تقتضي ذلك وتحتم الصلح آنذاك.
وما يبرهن على هذا المدعى هو موقف الامام الحسين (عليه السلام) بعد وفاة الإمام الحسن(عليه السلام)، إذ صبر على حكم معاوية ما يقارب العشر سنوات ولم يقدم على القيام والمبارزة، ولكن ما أن سمع بخبر وفاة معاوية وتولي ابنه يزيد من بعده على كرسي الخلافة، رفض البيعة ليزيد، وعزم على النهوض وأعلن الثورة عليه، ولم يتوان عن هذا الأمر حتى سفك دمه ودم أهل بيته في كربلاء، من أجل اعلاء راية الحق وعظمة الإسلام، ولقطع الأيادي الآثمة والملوثة لبني أمية عن رقاب المسلمين، التي عاثت في الأرض الفساد واحرقت العباد والبلاد.
ويتضح مما ذكرنا آنفاً أن السكوت قبال الجهاز الحاكم لمعاوية لم يكن جزافاً، بل إن التريث والتظاهر بالإسلام الذي كان يبديه معاوية على الظاهر ولحفظ دماء المسلمين الأبرياء، كان سبباً مقنعاً ومشروعاً لسكوت الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) في أيام حكومة معاوية ولا يمكن أن نعتبر تلك السنوات هي ضعف واذلال للإمامين (عليهما السلام).
والموضوع المهم الآخر، الذي لابد من الاشارة اليه، هو أنه على حسب النقل التاريخي ان الوضع في أيم خلافة معاوية وسياسة المسلمين تقتضي وضوع هذا الصلح، لأن امبراطور الروم الشرقية كان يتعقب الاوضاع الداخلية للمسلمين بدقة ويهيأ نفسه فيما لو وقعت حرب بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، ليقوم بشن هجوم على حدود البلاد الإسلامية ليجبر انهزاماته السابقة، ولو وقع هذا الأمر حقاً جاز أن يلحق ضربة قاضية بجسد الإسلام والمسلمين.
فهذه الأوضاع والأحوال، كانت توجب على الامام المجتبى (عليه السلام) أن يصالح ويقطع دابر العدو في مكانة(1).
لا يوجد تعليق