الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
يجب الالتفات في الإجابة على تلك الأسئلة إلى أنّه صحيح، انّ مرحلة نضوج عقل الإنسان وجسمه متعلقة ببلوغ فترة زمنية معينة، ولكن ما المانع في أن يجعل اللّه القادر الحكيم تلك المرحلة ـ مرحلة النضج ـ تحدث في بعض عباده قبل موعدها المقرر لمصلحة ما، فتقصر المسافة.
فقد كان وما يزال في المجتمع البشري من لم تشمله هذه القاعدة العادية وبلغوا منصب الإمامة وقيادة الأُمّة في سن الطفولة في ضوء عناية الباري تعالى الخاصة ورحمته.
ونشير هنا بغية توضيح الموضوع إلى بعض تلك الاستثناءات من تلك القاعدة:
1. قال القرآن المجيد حول النبي يحيى ورسالته وانّه بعث وهو صبي: (وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً)(1) وقد فسّر بعض المفسّرين كلمة الحكم في الآية بالفهم والعقل، وقال بعض آخر:إنّ المراد منها هو النبوة.
والذي يؤيد النظرية الثانية روايات ذكرت في أُصول الكافي ومنها رواية تنقل عن الإمام الخامس يفسّر فيها كلمة الحكم بنبوة النبي يحيى في طفولته، ويستشهد بذلك ويقول: ثمّ مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عزّوجلّ: (يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوّة وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً).
2. وعلى الرغم من أنّ الطفل یبدأ بالتكلم بعد مضي فترة زمنية تقارب الاثني عشر شهراً غير أنّنا نعلم أنّ عيسى (عليه السلام) تكلم منذ أيّامه الأُولى ودافع عن أُمّه ـ حملت مریم بأمر من اللّه تعالىوأنجبتعیسى، حتىسيء الظن بها واتّهمها الآخرون ـ بصلابة، ودحض خزعبلات المكابرين بالحجج المنطقية، مع أنّ التكلّم بهذا المستوى وبهذا المضمون ليس إلاّ في وسع الكبار ويروي لنا القرآن ذلك بهذا النحو: «قالَ إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا وَ بَرًّا بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَقِیًّا»(2).
وممّا تقدم نستنتج بأنّه كان هناك رجال إلهيون آخرون تمتعوا بهذه النعمة الإلهية قبل الأئمّة وهذا ليس مختصاً بالأئمّة فقط.
وهنا نسترعي انتباهكم لثلاث روايات في هذا المجال:
1. عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة وأنا أُريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا(عليه السلام)، وهو إذا ذاك خماسي فجعلت اتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر(3)، فنظر إليّ وقال: يا علي انّ اللّه أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة فقال سبحانه في يوسف: (وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّه آتَيْناهُ حُكماً وَعِلْماً)(4)، وقال عن يحيى: (وَ آتَيْناهُ الحُكْمَ صَبيّاً)(5).
وتأسيساً على ما تقدم، فكما يمكن أن يؤت الله علمه وحكمته لمن هو في سن الأربعين، فيمكن كذلك أن يؤت الحكمة نفسها لمن هو في مرحلة الطفولة(6).
2 – روى أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام): كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان، فقال قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: (إلى أبي جعفر(7) ابني) فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام فقال أبو الحسن عليه السلام: (إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام(8).
وقال الإمام الرضا لأحد أصحابه ويدعى معمر بن خلاد: «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيّرته مكاني، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة»(9).
4- أثار تصدي امامة الجواد (عليه السلام) في مطلع القرن الثالث (هـ. ق) وهو حدث في سنّ التاسعة أو أقل من ذلك، استغراب وحيرة فقهاء ومتكلمي العصر، إلا أن المأمون كان على علم بالحقيقة، لذا فقد دعى العلماء إلى مناظرة الامام الجواد (عليه السلام) ليزيل الستار عن الحقيقة. وقد أثمرت مناظرات الإمام الحدث مع العلماء والمفكرين عن لجم عنان المغرضين والمنكّلين، ونشير هنا إلى واحدة من مناظرات الإمام:
... فقال المأمون: استأذنه في ذلك. فاستأذنه، فقال الإمام: «سل إن شئت».
فقال يحيى: ما تقول في محرم قتل صيداً؟(10)
فقال الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ:«قتله في حلّ أو حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً، قتله عمداً أو خطأ، حراً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصّراً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟» فتحيّر يحيى بن أكثم من كلّ هذه الفروع التي فرعها الإمام على هذه المسألة، وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج وتعتع في الكلام حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.
فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!(11)
ولمّا انتهت تلك الندوة وتفرّق الناس وبقي من خاصة المأمون من بقي قال المأمون للإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.
فقال الإمام ـ عليه السَّلام ـ: نعم انّ المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها، فعليه شاة; فإن أصابه في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفاً. وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ.فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة; وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة.
وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ.والكفّارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليـه العقاب في الآخرة(12).
ويستافد من أمثال هذه الوقائع التاريخية، إمكانية تصدي حدث ـ بعناية الهية ـ إلى الإمامة واحاطته بالعلوم الإلهية(13).
فقد كان وما يزال في المجتمع البشري من لم تشمله هذه القاعدة العادية وبلغوا منصب الإمامة وقيادة الأُمّة في سن الطفولة في ضوء عناية الباري تعالى الخاصة ورحمته.
ونشير هنا بغية توضيح الموضوع إلى بعض تلك الاستثناءات من تلك القاعدة:
1. قال القرآن المجيد حول النبي يحيى ورسالته وانّه بعث وهو صبي: (وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً)(1) وقد فسّر بعض المفسّرين كلمة الحكم في الآية بالفهم والعقل، وقال بعض آخر:إنّ المراد منها هو النبوة.
والذي يؤيد النظرية الثانية روايات ذكرت في أُصول الكافي ومنها رواية تنقل عن الإمام الخامس يفسّر فيها كلمة الحكم بنبوة النبي يحيى في طفولته، ويستشهد بذلك ويقول: ثمّ مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عزّوجلّ: (يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوّة وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً).
2. وعلى الرغم من أنّ الطفل یبدأ بالتكلم بعد مضي فترة زمنية تقارب الاثني عشر شهراً غير أنّنا نعلم أنّ عيسى (عليه السلام) تكلم منذ أيّامه الأُولى ودافع عن أُمّه ـ حملت مریم بأمر من اللّه تعالىوأنجبتعیسى، حتىسيء الظن بها واتّهمها الآخرون ـ بصلابة، ودحض خزعبلات المكابرين بالحجج المنطقية، مع أنّ التكلّم بهذا المستوى وبهذا المضمون ليس إلاّ في وسع الكبار ويروي لنا القرآن ذلك بهذا النحو: «قالَ إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا وَ بَرًّا بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَقِیًّا»(2).
وممّا تقدم نستنتج بأنّه كان هناك رجال إلهيون آخرون تمتعوا بهذه النعمة الإلهية قبل الأئمّة وهذا ليس مختصاً بالأئمّة فقط.
وهنا نسترعي انتباهكم لثلاث روايات في هذا المجال:
1. عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة وأنا أُريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا(عليه السلام)، وهو إذا ذاك خماسي فجعلت اتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر(3)، فنظر إليّ وقال: يا علي انّ اللّه أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة فقال سبحانه في يوسف: (وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّه آتَيْناهُ حُكماً وَعِلْماً)(4)، وقال عن يحيى: (وَ آتَيْناهُ الحُكْمَ صَبيّاً)(5).
وتأسيساً على ما تقدم، فكما يمكن أن يؤت الله علمه وحكمته لمن هو في سن الأربعين، فيمكن كذلك أن يؤت الحكمة نفسها لمن هو في مرحلة الطفولة(6).
2 – روى أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام): كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان، فقال قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: (إلى أبي جعفر(7) ابني) فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام فقال أبو الحسن عليه السلام: (إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام(8).
وقال الإمام الرضا لأحد أصحابه ويدعى معمر بن خلاد: «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيّرته مكاني، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة»(9).
4- أثار تصدي امامة الجواد (عليه السلام) في مطلع القرن الثالث (هـ. ق) وهو حدث في سنّ التاسعة أو أقل من ذلك، استغراب وحيرة فقهاء ومتكلمي العصر، إلا أن المأمون كان على علم بالحقيقة، لذا فقد دعى العلماء إلى مناظرة الامام الجواد (عليه السلام) ليزيل الستار عن الحقيقة. وقد أثمرت مناظرات الإمام الحدث مع العلماء والمفكرين عن لجم عنان المغرضين والمنكّلين، ونشير هنا إلى واحدة من مناظرات الإمام:
... فقال المأمون: استأذنه في ذلك. فاستأذنه، فقال الإمام: «سل إن شئت».
فقال يحيى: ما تقول في محرم قتل صيداً؟(10)
فقال الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ:«قتله في حلّ أو حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً، قتله عمداً أو خطأ، حراً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصّراً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟» فتحيّر يحيى بن أكثم من كلّ هذه الفروع التي فرعها الإمام على هذه المسألة، وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج وتعتع في الكلام حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.
فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!(11)
ولمّا انتهت تلك الندوة وتفرّق الناس وبقي من خاصة المأمون من بقي قال المأمون للإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.
فقال الإمام ـ عليه السَّلام ـ: نعم انّ المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها، فعليه شاة; فإن أصابه في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفاً. وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ.فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة; وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة.
وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ.والكفّارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليـه العقاب في الآخرة(12).
ويستافد من أمثال هذه الوقائع التاريخية، إمكانية تصدي حدث ـ بعناية الهية ـ إلى الإمامة واحاطته بالعلوم الإلهية(13).
لا يوجد تعليق