الجواب الاجمالي:
من جملة ما أجاب به عليه السلام حين سئل عن الجبر والتفويض قال: من زعم انه یجبر على المعاصی فقد أحال بذنبه على اللّه عز وجل وظلمه فی عقوبته له، ومن ظلم اللّه فقد کذب کتابه، ومن کذب کتابه لزمه الکفر بإجماع الامة
ولو فوض اللّه إلى العباد على جهة الإهمال لکان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم یکن لهم فیما اجترموا العقاب إذا کان الإهمال واقعا
الجواب التفصيلي:
بقی لنا من تراث الامام الهادی علیه السلام العلمی شیء نفیس قیّم، وفی طلیعته رسالته المکرسة لموضوعی «الجبر والتفویض»، حیث شرح فیها المسألة من کل جوانبها، وابان وجوهها، وجلا غامضها ومشکلها، وأعطى التوضیح الکامل لما عناه جده جعفر بن محمد (ع) بقوله: لا جبر ولا تفویض، بل أمر بین الأمرین(1).
وهی ما رویت فی الاحتجاج: ومما أجاب به أبو الحسن على بن محمد فی رسالته الى أهل الأهواز، حین سألوه عن الجبر والتفویض بعد کلام طویل ثم قال (ع): ومرادنا وقصدنا الکلام فی الجبر والتفویض وشرحهما وبیانهما، وانما قدمنا لیکون اتفاق الکتاب والخبر دلیلا لما أردنا وقوة لما نحن مبینوه من ذلک إن شاء اللّه تعالى فقال: الجبر والتفویض بقول الصادق (ع) عندنا، سئل عن ذلک فقال: لا جبر ولا تفویض بل امر بین الأمرین.
قیل فماذا؟ یا ابن رسول اللّه؟
قال: صحة العمل وتخلیة السرب والمهلة فی الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهیج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشیاء، فإذا نقص للعبد منها خلة کان العمل عنه مطرحا، وانا اضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاث وهی الجبر والتفویض والأمر بین الأمرین مثلا یقرب المعنى للطالب ویسهل له البحث من شرحه ویشهد به القرآن محکم آیاته وتحقق تصدیقه عند ذوى الألباب واللّه العصمة والتوفیق.
ثم قال (ع): فأما الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عز وجل جبر للعباد على المعاصی وعاقبهم علیها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم اللّه وکذبه ورد علیه قوله: ولا یظلم ربک أحدا، وقوله جل ذکره: بما قدمت یداک وان اللّه لیس بظلام للعبید مع آی کثیرة فی مثل هذا.
فمن زعم انه یجبر على المعاصی فقد أحال بذنبه على اللّه عز وجل وظلمه فی عقوبته له، ومن ظلم اللّه فقد کذب کتابه، ومن کذب کتابه لزمه الکفر بإجماع الامة، المثل المضروب فی ذلک مثل رجل ملک عبدا مملوکا لا یملک نفسه ولا یملک عرضا من عروض الدنیا ویعلم مولاه ذلک منه، فأمره على علم منه بالمصیر الى السوق لحاجة یأتیه بها ولم یملکه ثمن ما یأتیه به وعلم المالک على الحاجة رقیبا لا یطمع أحد فی أخذها منه الا بما یرضى به من الثمن، وقد وصف مالک هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحکمة ونفى الجور، فأوعد عبده ان لم یأته بالحاجة ان یعاقبه فلما صار العبد الى السوق وحاول أخذ حاجته التی بعثه المولى للإتیان بها وجد علیها مانعا یمنعه فیها الا بالثمن ولا یملک العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائبا بغیر قضاء حاجة، فاغتاظ مولاه لذلک وعاقبه على ذلک فانه کان ظالما متعدیا مبطلا لما وصف من عدله وحکمته ونصفته، وان لم یعاقبه کذب نفسه، أ لیس یجب ان لا یعاقبه، والکذب والظلم ینفیان العدل والحکمة تعالى اللّه عما یقول المجبرة علوا کبیرا.
ثم قال بعد کلام طویل:
فأما التفویض الذی أبطله الصادق وخطأ من دان به فهو قول القائل: ان اللّه عز وجل فوض العباد اختیار أمره ونهیه واهملهم وفی هذا کلام دقیق لم یذهب الى غمره ودقته الا الأئمة المهدیون (ع) من عترة آل الرسول (ص) فإنهم لو فوض اللّه إلیهم على جهة الإهمال لکان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم یکن لهم فیما اجترموا العقاب إذا کان الإهمال واقعا، ونتصرف هذه المقالة على المعنیین اما ان یکون العباد تظاهروا علیه فالزموه قبول اختیارهم بارائهم ضرورة، کره ذلک ام أحب، فقد لزمه الوهن، أو یکون جل وتقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى عن إرادته ففوض أمره ونهیه إلیهم واجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى على إرادته، فجعل الاختیار إلیهم فی الکفر والایمان، ومثل ذلک مثل رجل ملک عبدا ابتاعه لیخدمه ویعرف له فضل ولایته ویقف عند أمره ونهیه وادعى مالک العبد انه قاهر قادر عزیز حکیم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظیم الثواب وأوعده على معصیته العقاب فخالف العبد إرادة مالکه ولم یقف أمره ونهیه، فأی امر أمره به أو نهى نهاه عنه لم یأته على إرادة المولى بل کان العبد یتبع إرادة نفسه وبعثه فی بعض حوائجه، وفیما الحاجة له فصدر العبد بغیر تلک الحاجة خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد اتکلت على تفویضک الأمر الى فاتبعت هواى وإرادتی لان المفوض الیه غیر محظور علیه لاستحالة اجتماع التفویض والتحظیر.
ثم قال (ع) فمن زعم ان اللّه تعالى فوض قبول أمره ونهیه الى عباده فقد اثبت علیه العجز وأوجب علیه قبول کل ما عملوا من خیر أو شر وأبطل أمر اللّه ونهیه.
ثم قال (ع): ان اللّه خلق الخلق بقدرته وملکهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر والنهى، وقبل منهم اتباع أمره ورضى بذلک منهم ونهاهم عن معصیة وذم من عصاه وعاقبه علیها، وللّه الخیرة فی الأمر والنهى یختار ما یرید ویأمر به وینهى عما یکره ویثیب ویعاقب بالاستطاعة التی ملکها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصیه، لأنه العدل ومنه النصفة والحکمة بالغ الحجة بالاعذار والإنذار، والیه الصفوة یصطفى من یشاء من عباده اصطفى محمدا (ص) وبعثه بالرسالة الى خلقه. ولو فوض اختیار أمره الى عباده لأجاز لقریش اختیار أمیة ابن أبى الصلت وأبى مسعود الثقفی إذ کانا عندهم افضل من محمد (ص)، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم یعنونهما بذلک فهذا هو القول بین القولین لیس بجبر ولا تفویض.
بذلک أخبر أمیر المؤمنین (ع) حین سأله عتابة بن ربعی عن الاستطاعة، فقال أمیر المؤمنین (ع): تملکها من دون اللّه او مع اللّه؟ فسکت عتابة ابن ربعی، فقال له: قل یا عتابة.
قال: وما أقول یا أمیر المؤمنین؟
قال: تقول تملکها باللّه الذی یملکها من دونک، فان یملکها کان ذلک من عطائه وان سلبکها کان ذلک من بلائه هو المالک لما ملک والمالک لما علیه أقدرک، اما سمعت الناس یسألون الحول والقوة حیث یقولون: لا حول ولا قوة الا باللّه.
فقال الرجل وما تأویلها یا أمیر المؤمنین؟
قال: لا حول منا عن معاصى اللّه الا بعصمة اللّه ولا قوة لنا عن طاعة اللّه الا بعون اللّه، قال: فوثب الرجل فقبل یده ورجلیه...(2) والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة(3).
وهی ما رویت فی الاحتجاج: ومما أجاب به أبو الحسن على بن محمد فی رسالته الى أهل الأهواز، حین سألوه عن الجبر والتفویض بعد کلام طویل ثم قال (ع): ومرادنا وقصدنا الکلام فی الجبر والتفویض وشرحهما وبیانهما، وانما قدمنا لیکون اتفاق الکتاب والخبر دلیلا لما أردنا وقوة لما نحن مبینوه من ذلک إن شاء اللّه تعالى فقال: الجبر والتفویض بقول الصادق (ع) عندنا، سئل عن ذلک فقال: لا جبر ولا تفویض بل امر بین الأمرین.
قیل فماذا؟ یا ابن رسول اللّه؟
قال: صحة العمل وتخلیة السرب والمهلة فی الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهیج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشیاء، فإذا نقص للعبد منها خلة کان العمل عنه مطرحا، وانا اضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاث وهی الجبر والتفویض والأمر بین الأمرین مثلا یقرب المعنى للطالب ویسهل له البحث من شرحه ویشهد به القرآن محکم آیاته وتحقق تصدیقه عند ذوى الألباب واللّه العصمة والتوفیق.
ثم قال (ع): فأما الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عز وجل جبر للعباد على المعاصی وعاقبهم علیها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم اللّه وکذبه ورد علیه قوله: ولا یظلم ربک أحدا، وقوله جل ذکره: بما قدمت یداک وان اللّه لیس بظلام للعبید مع آی کثیرة فی مثل هذا.
فمن زعم انه یجبر على المعاصی فقد أحال بذنبه على اللّه عز وجل وظلمه فی عقوبته له، ومن ظلم اللّه فقد کذب کتابه، ومن کذب کتابه لزمه الکفر بإجماع الامة، المثل المضروب فی ذلک مثل رجل ملک عبدا مملوکا لا یملک نفسه ولا یملک عرضا من عروض الدنیا ویعلم مولاه ذلک منه، فأمره على علم منه بالمصیر الى السوق لحاجة یأتیه بها ولم یملکه ثمن ما یأتیه به وعلم المالک على الحاجة رقیبا لا یطمع أحد فی أخذها منه الا بما یرضى به من الثمن، وقد وصف مالک هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحکمة ونفى الجور، فأوعد عبده ان لم یأته بالحاجة ان یعاقبه فلما صار العبد الى السوق وحاول أخذ حاجته التی بعثه المولى للإتیان بها وجد علیها مانعا یمنعه فیها الا بالثمن ولا یملک العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائبا بغیر قضاء حاجة، فاغتاظ مولاه لذلک وعاقبه على ذلک فانه کان ظالما متعدیا مبطلا لما وصف من عدله وحکمته ونصفته، وان لم یعاقبه کذب نفسه، أ لیس یجب ان لا یعاقبه، والکذب والظلم ینفیان العدل والحکمة تعالى اللّه عما یقول المجبرة علوا کبیرا.
ثم قال بعد کلام طویل:
فأما التفویض الذی أبطله الصادق وخطأ من دان به فهو قول القائل: ان اللّه عز وجل فوض العباد اختیار أمره ونهیه واهملهم وفی هذا کلام دقیق لم یذهب الى غمره ودقته الا الأئمة المهدیون (ع) من عترة آل الرسول (ص) فإنهم لو فوض اللّه إلیهم على جهة الإهمال لکان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم یکن لهم فیما اجترموا العقاب إذا کان الإهمال واقعا، ونتصرف هذه المقالة على المعنیین اما ان یکون العباد تظاهروا علیه فالزموه قبول اختیارهم بارائهم ضرورة، کره ذلک ام أحب، فقد لزمه الوهن، أو یکون جل وتقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى عن إرادته ففوض أمره ونهیه إلیهم واجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى على إرادته، فجعل الاختیار إلیهم فی الکفر والایمان، ومثل ذلک مثل رجل ملک عبدا ابتاعه لیخدمه ویعرف له فضل ولایته ویقف عند أمره ونهیه وادعى مالک العبد انه قاهر قادر عزیز حکیم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظیم الثواب وأوعده على معصیته العقاب فخالف العبد إرادة مالکه ولم یقف أمره ونهیه، فأی امر أمره به أو نهى نهاه عنه لم یأته على إرادة المولى بل کان العبد یتبع إرادة نفسه وبعثه فی بعض حوائجه، وفیما الحاجة له فصدر العبد بغیر تلک الحاجة خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد اتکلت على تفویضک الأمر الى فاتبعت هواى وإرادتی لان المفوض الیه غیر محظور علیه لاستحالة اجتماع التفویض والتحظیر.
ثم قال (ع) فمن زعم ان اللّه تعالى فوض قبول أمره ونهیه الى عباده فقد اثبت علیه العجز وأوجب علیه قبول کل ما عملوا من خیر أو شر وأبطل أمر اللّه ونهیه.
ثم قال (ع): ان اللّه خلق الخلق بقدرته وملکهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر والنهى، وقبل منهم اتباع أمره ورضى بذلک منهم ونهاهم عن معصیة وذم من عصاه وعاقبه علیها، وللّه الخیرة فی الأمر والنهى یختار ما یرید ویأمر به وینهى عما یکره ویثیب ویعاقب بالاستطاعة التی ملکها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصیه، لأنه العدل ومنه النصفة والحکمة بالغ الحجة بالاعذار والإنذار، والیه الصفوة یصطفى من یشاء من عباده اصطفى محمدا (ص) وبعثه بالرسالة الى خلقه. ولو فوض اختیار أمره الى عباده لأجاز لقریش اختیار أمیة ابن أبى الصلت وأبى مسعود الثقفی إذ کانا عندهم افضل من محمد (ص)، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم یعنونهما بذلک فهذا هو القول بین القولین لیس بجبر ولا تفویض.
بذلک أخبر أمیر المؤمنین (ع) حین سأله عتابة بن ربعی عن الاستطاعة، فقال أمیر المؤمنین (ع): تملکها من دون اللّه او مع اللّه؟ فسکت عتابة ابن ربعی، فقال له: قل یا عتابة.
قال: وما أقول یا أمیر المؤمنین؟
قال: تقول تملکها باللّه الذی یملکها من دونک، فان یملکها کان ذلک من عطائه وان سلبکها کان ذلک من بلائه هو المالک لما ملک والمالک لما علیه أقدرک، اما سمعت الناس یسألون الحول والقوة حیث یقولون: لا حول ولا قوة الا باللّه.
فقال الرجل وما تأویلها یا أمیر المؤمنین؟
قال: لا حول منا عن معاصى اللّه الا بعصمة اللّه ولا قوة لنا عن طاعة اللّه الا بعون اللّه، قال: فوثب الرجل فقبل یده ورجلیه...(2) والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة(3).
لا يوجد تعليق