الجواب الاجمالي:
لا يجيز أحد من فقهائنا قتل أحد من المسلمين، بل هو كبيرة من الكبائر يستحق فاعلها أشد العقوبة، فلا أجر له ولاثواب، بل عذاب اليم، وكذلك دم الشيعي عند اخواننا أهل السنه . وان تكفير أهل القبلة أمر مردود على صاحبه، ومرفوض كتاباً وسنة .. قال شیخ الإسلام تقی الدین السبکی: إنّ الإقدام على تکفیر المؤمنین عسر جداً، و کل من کان فی قلبه إیمان یستعظم القول بتکفیر أهل الأهواء و البدع مع قولهم لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، فإنّ التکفیر أمر هائل عظیم الخطر
الجواب التفصيلي:
قد تشدّد جمهورعلماء الإسلام فی تکفیر المسلم و نهوا عنه بقوّة، و بالغوا فی النهی عنه، نورد کلمات للعلماء فی ذلک.
1- قال ابن حزم عندما تکلم فیمن یُکفّر ولا یکفّر: وذهبت طائفة إلى أنّه لا یُکفّر ولا یُفسَّق مسلم بقول قاله فی اعتقاد، أو فتیا، وإنّ کلّ من اجتهد فی شىء من ذلک فدان بما رأى، أنّه الحق فإنّه مأجور على کل حال إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد.
قال وهذا قول ابن أبی لیلى وأبی حنیفة والشافعی وسفیان الثوری وداود بن علی وهو قول کل من عرفنا له قولًا فی هذه المسألة من الصحابة (رضى الله عنهم) لا نعلم منهم خلافاً فی ذلک أصلًا(1)
2- و قال شیخ الإسلام تقی الدین السبکی: إنّ الإقدام على تکفیر المؤمنین عسر جداً، و کل من کان فی قلبه إیمان یستعظم القول بتکفیر أهل الأهواء و البدع مع قولهم لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، فإنّ التکفیر أمر هائل عظیم الخطر (إلى آخر کلامه وقد أطال فی تعظیم التکفیر و تعظیم خطره)(2)
3- و کان أحمد بن زاهر السرخسی الأشعری یقول: لمّا حضرت الشیخ أبا الحسن الأشعرىّ الوفاة بدارى فی بغداد أمرنى بجمع أصحابه فجمعتهم له، فقال: اشهدوا على أنّنى لا أُکفّر أحداً من أهل القبلة بذنب، لأنّى رأیتهم کلّهم یشیرون إلى معبود واحد و الإسلام یشملهم و یعمّهم(3)
4- وقال القاضی الإیجی: جمهور المتکلّمین و الفقهاء على أنّه لا یکفّر أحد من أهل القبلة و استدل على مختاره بقوله: إنّ المسائل التی اختلف فیها أهل القبلة من کون الله تعالى عالماً بعلم أو موجداً لفعل العبد، أو غیر متحیز و لا فی جهة و نحوها لم یبحث النبی عن اعتقاد من حکم بإسلامه فیها و لا الصحابة و لا التابعون، فعلم أنّ الخطأ فیها لیس قادحاً فی حقیقة الإسلام.
ثم قال: فإن قیل لعلّه- علیه السلام - عرف منهم ذلک فلم یبحث عنها کما لم یبحث عن علمهم بعلمه و قدرته مع وجوب اعتقادهما.
ثم أجاب بقوله: قلنا: مکابرة والعلم والقدرة ممّا یتوقف علیه ثبو ت نبو ته فکان الاعتراف بها دلیلًا للعلم بهما.
ثم إنّ الإیجی ذکر الأسباب الستة التی بها کفّرت الأشاعرةُ المعتزلةَ، ثم ناقش فی جمیع تلک الأسباب وأنّها لا تکون دلیلا للکفر.
ثم ذکر الأسباب الأربعة التی بها کفّرت الأشاعرةُ المعتزلةَ و ناقش فیها وانّها لا تکون سبباً للتکفیر.
ثم ذکر الأسباب الثلاثة التی بها تکفّر الروافض وناقش فیها وأنّها لا تکون سبباً للکفر(4)
والحقّ أنّ القاضی قد نظر إلى المسألة بعین التحقیق وأصاب الحقّ إلّا فی بعض المسائل. فقد ناقش فی أسباب تکفیر المجسمة و هو فی غیر محلّه والتفصیل لایناسب المقام.
5- وقال التفتازانی: إنّ مخالف الحق من أهل القبلة لیس بکافر مالم یخالف ما هو من ضروریات الدین کحدوث العالم وحشر الأجساد، واستدلّ بقوله: إنّ النبی ومن بعده لم یکونوا یفتشون عن العقائد وینبّهون على ما هو الحق.
فإن قیل: فکذا فی الأُصول المتفق علیها.
قلنا: لاشتهارها و ظهور أدلّتها على ما یلیق بأصحاب الجمل.
ثم أجاب بجواب آخر و قال: قد یقال ترک البیان إنّما کان اکتفاءً بالتصدیق الإجمالی إذ التفصیل إنّما یجب عند ملاحظة التفاصیل، و إلّا فکم مؤمن لا یعرف معنى القدیم و الحادث.
فقد ذهب الشیخ الأشعری إلى أنّ المخالف فی غیر ما ثبت کونه من ضروریات الدین لیس بکافر، و به یشعر ما قاله الشافعی - رحمه الله- : لا أرد شهادة أهل الأهواء إلّاالخطّابیة لاستحلالهم الکذب.
وفی المنتقى عن أبی حنیفة أنّه لم یکفّر واحداً من أهل القبلة وعلیه أکثر الفقهاء، ثم ذکر بعض الأقوال من الأشاعرة و المعتزلة الذین کانوا یکفّرون مخالفیهم فی المسألة(5)
قال ابن عابدین: نعم یقع فی کلام أهل المذهب تکفیر کثیر، لکن لیس من کلام الفقهاء الذین هم المجتهدون، بل من غیرهم و لا عبرة بغیر الفقهاء، و المنقول عن المجتهدین ما ذکرنا(6)
وقال السید محمّد رشید رضا: إنّ من أعظم ما بُلیَت به الفرق الإسلامیة رمیَ بعضهم بعضاً بالفسق و الکفر مع أنّ قصد الکلِّ الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأییده، و اعتقاده و الدعوة إلیه، فالمجتهد و إن أخطأ معذور ...(7)
و لعل بعض البسطاء یتصوّر أنّ العاطفة و المرونة الخارجة عن إطار الإسلام صارت مصدراً لهذه الفتیا، و لکنّه سرعان ما یرجع عن قضائه إذا وقف على الأحادیث المتوفرة الواردة فی المقام الناهیة عن تکفیر أهل القبلة(8)
لا يوجد تعليق