الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
وردت من النبي (ص) روايات، اخبر فيها، بأنّ رهط من الصّحابة سيرتدّوا على أدبارهم القهقهرى بعده. و هذه الروايات ينقض عقيدة «عدالة كل الصّحابة». و يمكن ان يقال ليست في هذه الروايات صلة مع اصحاب النبي(ص) الذين عاشوا مع رسول اللّه فترة من الزمن، أو رأوا رسول اللّه و أدركوه و أسلموا و صحبواه و قاتلوا معه المشركين.
نحن هنا نورد هذه الروايات و ندرس من هم الذين اخبر النبي(ص) عن ارتدادهم؟
1 .أخرج البخاري و عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي(ص) يقول: أنا فَرَطُكُم على الحوض من ورده شرب منه، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم و يعرفونني ثمّ يحال بيني و بينهم.
قال أبو حازم: فَسَمِعَني النعمان بن أبي عيّاش و أنا أُحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعتَ سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: و أنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعتُه يزيد فيه قال: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سُحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي.(1)
2 .أخرج البخاري عن المغيرة، قال سمعت أبا وائل، عن عبد اللّه ـ رضي اللّه عنه ـ ، عن النبيّ(ص) قال: أنا فَرَطُكم على الحوض، و ليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليُختلجُنَّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي، فقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(2)
3 .أخرج البخاري عن أنس، عن النبي(ص) قال: ليردَنَّ عليّ ناس من أصحابي الحوض حتّى إذا عرفتهم، اختُلِجُوا دوني فأقول: أصحابي؟! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك(.(3
4 .أخرج البخاري عن سهل بن سعد قال، قال النبي(ص): إنّي فَرَطُكم على الحوض من مرّ عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم و يعرفوني ثمّ يحال بيني و بينهم(4
5 .أخرج البخاري عن أبي هريرة انّه كان يحدث انّ رسول اللّه(ص) قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلّؤن عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقهرى.(5)
6 .أخرج البخاري عن أبي المسيب انّه كان يحدِّث عن أصحاب النبي(ص) انّ النبي(ص) قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلّؤن عنه، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.(6)
7. خرج البخاري عن ابن عباس في حديث:... ثمّ يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين و ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم:«وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شيْء شَهِيدٌ» ـ إلى قوله: ـ «الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(المائدة:117ـ 118).(7)
8 .أخرج مسلم عن أسماء بنت أبي بكر، قال رسول الله(ص): إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم، و سيؤخذ أُناس دوني، فأقول: يا ربّ منّي و من أُمتي، فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك، و الله ما برحوا بعدك يرجعون أعقابهم. قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهم إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا و أن نفتن عن ديننا.(8)
9. أخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكرة انّ رسول الله(ص) ـ قال: ليردنّ على الحوض رجال ممّن صحبني ورآني حتّى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولنّ: ربّي أصحابي! فليُقالَنّ إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(9)
10. أخرج البخاري عن العلاء بن المسيب قال: لقيت البراء بن عازب فقلت: طوبى لك صحبت النبي(ص) و بايعته تحت الشجرة، فقال: يا بن أخي انّك لا تدري ما أحدثنا بعده.(10)
و تنتهي أسانيد هذه الروايات إلى شخصيات نظراء : سهل بن سعد، أبي وائل عن عبد اللّه، أنس بن مالك، أبي هريرة، ابن المسيب، البراء بن عازب، أبي بكرة، و أسماء بنت أبي بكر واقتصرنا غالباً بما رواه البخاري و قد نقله مسلم و غيره أيضاً، و ما ظنّك بحديث يرويه الإمام البخاري و قد نقل شيئاً منه في الفتن، و قسماً أكثر في باب الحوض.
ولابدّ من الكلام في مقامين:
الأوّل : من هم الذين أخبر النبي عن ارتدادهم بعد رحيله؟
الثاني: ما هو المراد من ارتدادهم؟
أمّا الأوّل: فالقرائن القطعية تدلّ على انّ المراد، بعض أصحابه الذين عاشوا معه و كان يعرفهم و هم يعرفونه و اجتمعوا معه في فترة زمنية، و ليس هؤلاء إلاّ لفيف من أصحابه، و الدليل على ذلك ما جاء في متونها من الكلمات التالية:
1. ليردنّ علي أقوام أعرفهم و يعرفونني كما في رقم (1).
2. أنا فرطكم على الحوض و ليرفعن رجال منكم (رقم2).
3. حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني (رقم3).
4. فأقول: يا ربّ أصحابي (رقم 3، 5، 6).
5. تشبيه هؤلاء بأصحاب عيسى ابن مريم و الاستشهاد بقوله سبحانه: « وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ» فهو صريح في أنّ المراد من عاصر النبي. (رقم 7).
6. شهادة البراء بن عازب بأنّ الصحابة أحدثوا بعد رحيل النبي (رقم 8).
7. انّ النبي ـ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ـ يصفهم بقوله: ممّن صحبني و رآني. (رقم 9)
8. استعاذة ابن أبي مليكة من أن يرجع إلى أعقابه الدالّ على أنّ الصحابة هم المقصودون. (رقم 10).
إذا كان من علائم هؤلاء: انّ الرسول يعرفهم و هم يعرفونه، و انّهم من رجال عصر الرسول (رجال منكم) لا من الأجيال المستقبلة، فهؤلاء أصحابه الذين عاشوا معه في عصر الرسالة، حتّى استحقوا بأن يصفهم النبي عند الاستغاثة بقوله: «يا رب أصحابي».
فلا نظن من يدرس هذه الروايات الواردة في الصحيحين و غيرهما بتجرّد و موضوعية أن يدور في خلده، انّ المراد من الذين ارتدوا على أدبارهم، أُمّته الذين أتوا بعده و عاشوا في أحقاب بعيدة عن عصر الرسول، و لم يكن فيها من وجود الرسول عين و لا أثر، إذ لو كان هذا هو المراد، فمتى عاش معهم النبي، حتّى عرفهم و عرفوه؟ و متى كانوا معه حتّى صحّ وصفهم بقوله: «رجال منكم» و متى صحبوه (فترة قصيرة أو طويلة) و صاروا أصحابه؟
و من التجنّي على الحقيقة القول: «بأنّ جميع الأُمّة أصحاب النبي، كما أنّ جميع من يقلّدون الشافعي مثلاً أصحابه» فانّ هذا التفسير في المقيس عليه ممنوع فكيف المقيس؟ فأصحاب الشافعي هم الذين تربّوا على يديه والتفُّوا حوله وانتفعوا بعلمه، و أمّا الذين جاءوا بعده و لم يشاهدوه فهم أتباعه، لا أصحابه، فلو صح إطلاق الأصحاب عليهم، فإنّما هو إطلاق مجازي لا حقيقي . و أمّا المقيس فالحال فيه واضحة.
فالصحابة، في الروايات و الآثار، هم الذين أقاموا مع رسول اللّه فترة من الزمن، أو رأوا رسول اللّه و أدركوه و أسلموا، إلى غير ذلك من التعاريف التي ذكرها الجَزري في «أُسد الغابة».(11)
و ليس هذا المورد إلاّ كسائر الموارد التي وردت فيها كلمة الصحابة، مثلاً رووا عن النبي(ص) أنّه قال: «لا تسبُّوا أصحابي» كما رووا عنه(ص) أنّه قال: مثل أصحابي كالنجوم، إلى غير ذلك من الموارد، فالمراد من الجميع هو المعنى المصطلح.
و قد ألّف غير واحد من الرجاليين كتباً في حياة الصحابة، كالاستيعاب لابن عبد البرّ، و الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، و إلى غير ذلك من الموارد التي أُطلقت فيها كلمة الصحابة و أُريد بها، من كانوا و عاشوا معه.
إنّ المتبادر من قوله (ص): «إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، أو «إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك» أو «إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى»،هو انّهم كانوا معك و لكن اقترفوا هذه الجريمة بعد رحيل الرسول، دون فاصل زماني طويل، و قد كان المترقب من هؤلاء الذين رأوا شمس الرسالة واستضاءوا بها، أن يتّبعوا دينه و شريعته و لا يعدلوا عنه قيد شعرة، و لكنّهم ـ للأسف ـ ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل، أعني: رفع الستر عن هؤلاء الذين ارتدوا و بدلوا.
وأمّا الأمر الثاني، فهل المراد من الارتداد هو الخروج عن الدين، أو المراد من الارتداد هو الأعم من الرجوع عن العقيدة، أو السلوك على غير ما أوصى به النبي في غير واحد من الأُمور ؟ و لعل المراد هو الثاني حيث إنّ النبي(ص) أوصى بالثقلين و أهل بيته، فخالفوا وصية الرسول، كما أنّهم خالفوا في كثير من الأحكام، المذكورة في محلّها، فقدّموا الاجتهاد على النصّ، و المصلحة المزعومة على أمره، و بذلك أحدثوا في دينه بدعاً، ليس لها في الكتاب و السنّة أصل.(12)
لا يوجد تعليق