نص الحديث:
«يا أباذر مَن أحبَّ أن يتمثّلَ لهُ الرجالُ قياماً فَليتَبوّأ مقعدَهُ من النّار»(1)
شرح الحديث:
هناک أحاديث کثيرة بشأن حبّ الجاه و المنزلة في التاريخ الاسلامي، و قد أشار القرآن الکريم الى هذا الموضوع إشارةً عميقةً في سورة النور: «تلکَ الدارُ الآخرةُ نجعلُها للّذينَ لا يُريدونَ علوّاً في الأرضِ و لافساداً» (2)، و مضمون الآية أنّ الجنة ليست مکاناً لمن يرغب العلوّ في الأرض، و تتعلق الآخرة بمن کان مطيعاً و لم يفسد في الأرض. لجملة «العلو في الأرض» معنى واسع فيشمل جميع أنواع طلب الجاه و المنزلة. من ضمن ذلک قال الامام علي(عليه السلام) في حديث معروف: معنى العلو في الأرض واسع حيث تشمل الآية من راد أن يکون رباط نعله أفضل من صديقه، فيعلو عليه بهذا المقدار، لأنّ «العلوّ» له مراتب، مثلا يرغب الشخص أحياناً أن يکون حاکماً على الآخرين فيکون الآخرون محکومين له و يخدمونه کالعبد الضعيف و الذليل. و أحياناً يرغب بالتقدم على الآخرين بکون رباط نعله أفضل منهم فيتقدم عليهم لهذا السبب. تحتوي الروايات على إشارات عميقة في هذا الخصوص:
1ـ من ارتفعت أصوات النعل خلفه يکون على حافة الخطر: «ما خَفقتِ النعالُ خلفَ رجل إلاّ هلکَ» (3). يعني من طلب الرئاسة و المنزلة، أما لو لم يکن من أتباع الهوى فلا يؤثر فيه مرافقة آلاف الناس له الى المسجد أو عدم مرافقتهم لأنّه ليس من أهل الهوى، أما لو أحبّ الشخص أن يتمثل له الرجال قياماً بمعنى کونه سيداً و الآخرين عبيداً و خدماً فليتهيّأ الى دخول جهنم، أي أنّ مقعده جاهز فيها.
الموضوع المهم طبعاً هو حبّ الجاه و الرئاسة، حيث تعتبر هذه المرحلة حقاً من المراحل العسيرة جداً خصوصاً لطلبة العلوم الدينية و الروحانيين، و المتصدرين و المسؤولين بالذات، أو أولئک الذين ينالون منزلةً خاصةً في المجتمع.
خلاصة الکلام ما الانفصال عن جميع هذه المراحل بعمل يسير، لأنّ «آخرُ ما يخرجُ من قلوبِ الصدّيقينَ حبّ الجاهِ».
إصلاح النفس في جميع المراحل الأخرى (الشهوات الجنسية، هوى النفس، حبّ الدنيا، حبّ الثروة) أيسر، أي من الممکن إخراج کلّ ذلک من القلب، لکنّ إخراج حبّ الجاه منه لايتأتّى من کلّ أحد. الطريف في هذا الحديث عبارة «قلوبُ الصدّيقينَ» حيث يتضح أنّ قلب الصدّيق يمکنه أن يحوي حبّ الجاه.
س/ ما هو طريق محاربة حبّ الجاه؟
ج/يقول البعض: لمجابهة هذه الصفة المذمومة من الأفضل أن يبقى الانسان مجهولا بين الناس، و بجملة مقتضبة يعيش منزوياً و مجهولا، و من المحتمل أن يکون هذا الدليل هو الذي دعا عدداً من علماء الأخلاق و السائرين في طريق السير و السلوک الى بذل قصارى جهودهم لئلا يصبحوا مشهورين. لکن هل هذا هو الطريق حقاً لمحاربة حبّ الجاه؟ لأنّ معنى هذا العمل هو ألاّ يزني الطفل الذي لايعرف معنى الشهوة الجنسية. يؤدي هذا الموضوع الى السلامة لا الى السعادة و التکامل. يحصل الانسان على التکامل و الافتخار لو عاش وسط المجتمع و کان عرضةً للمنصب و المنزلة لکنّه لم يکن يملک حبّ الجاه. أنا أخرج من البيئة غير السلمية لئلا أتلطخ بالذنوب و المعاصي، هذه السلامة، لکنّ ذلک ليس مهماً للغاية، لأنّ المهم هو أن أکون بين الناس و لا أتلطخ; على کل حال الطريق الأول هو طريق الانزواء و خمول الذکر، و الطريق الثاني هو طريق التسلط على النفس مع العيش في قلب المجتمع، فيستطيع الانسان السيطرة على نفسه. طبعاً هذا أمر عسير بأن لا يعجب الانسان من التفاف مجموعة حوله و يصل الى مرحلة أن يقول کعلىّ(عليه السلام): «لايزيدُني کثرةُ الناسِ حولي عزّاً و لا تفرّقُهُمْ عَنّي وحشةً»، هذه منزلة رفيعة أن لايتبدل الانسان من التفاف الناس حوله أو تفرقهم عنه. قول ذلک يسير طبعاً لکنّ الوصول إليه عسيرو غير ممکن إلاّ بطلب العون و الفضل الالهي و تهذيب النفس الجزيل.
حبّ الظهور و تزکية النفس:
هذا العمل قبيح الى درجة أنّ هذا الموضوع أصبح مضرباً للمثل «تزکيةُ المرءِ نفسَهُ قبيحةٌ».
المنشأ الرئيسي لهذا العمل السي عدم معرفة الذات، لأنّه لو عرف الانسن نفسه جيداً، و علم بصغره أمام عظمة الربّ و تفاهة أعماله إزاء المسؤوليات الثقيلة التي تقع عليه و النعم العظيمة التي وهبها الله إياه لما وضع قدمه على طريق حبّ الظهور أبداً.
الغرور و الغفلة و العجب والأفکار الجاهلية أيضاً دوافع أخرى لارتکاب هذا العمل القبيح.
إنطلاقاً من کون حبّ الظهور يعبر اعتقاد الانسان بکماله فسوف يؤدي الى تخلّفه بسبب أنّ رمز التکامل «الاعتراف بالتقصير» و قبول وجود النقص. لذا کان أولياء الله يعترفون دائماً بتقصيرهم أمام التکاليف الالهية و ينهون الناس عن حبّ الظهور و الاغترار بأعمالهم.
جاء في حديث عن الامام الباقر(عليه السلام)في تفسير الآية 32 من سورة النجم: «فلا تُزکّوا أنفَسکُم» ما نصّه: «لا يفتخرُ أحدُکُم بکثرةِ صلاتهِ و صيامهِ و زکاتهِ و نُسکهِ لأنّ اللهَ ـ عزَّوجلَّ ـ أعلمُ بمن اِتّقى» (4).
قال الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في إحدى رسائله التي کتبها الى معاوية: «ولولا مانهى اللهُ عنهُ من تزکيةِ المرءِ نفسَهُ لذکرَ ذاکرٌ فضائلَ جمّةَ تعرفُها قلوبُ المؤمنينَ ولا تمجُّها آذانُ السامعينَ» (5).
منشأ حبّ الظهور طبعاً هو العجب و الغرور و الکبر التي تظهر بصورة حبّ الظهور رويداً رويداً و أخيراً تظهر بشکل التکبر و طلب الجاه. هذه العادة الخاطئة التي توجد في العديد من الشعوب و الطبقات و الأفراد مصدر لقسم مهم من الاضطرابات الاجتماعية، الحروب، الاستعمار و النزعة التقدمية. يثبت التاريخ السالف أنّ بعض شعوب الدنيا کانت تعتبر نفسها أفضل من بقية الشعوب نتيجة هذا الاحساس الکاذب، و لهذا السبب کانوا يعطون لأنفسهم الحق في جعل أولئک عبيداً ورقاً لهم. العرب في الجاهلية کانوا يعتبرون أنفسهم «النسل الأفضل»! مع مالديهم من التخلف و الفقر المدقع و الشامل، و کانت کل قبيلة منهم تعتبر نفسها «القبيلة الأفضل». في العصر الأخير کانت مسألة تفوق العرق الألماني أو العنصر الاسرائيلي سبباً في بروز حروب عالمية أو إقليمية.
يقول الامام علي(عليه السلام) في خطبة «همّام» المعروفة حول الصفات الممتازة للمتقين: «لايرضونَ من أعمالِهمْ القليل ولا يستکثرون الکثير، فهم لأنفسهم متّهمون و من أعمالهم مشفقونَ، إذا زُکّيَ أحدٌ منهُم خافَ ممّا يُقالُ لهُ فيقولُ: أنا أعلمُ بنفسي من غيري، و ربّي أعلمُ من نفسي، اللهمَّ لاتُؤاخذني بما يقولونَ و اجعلني أفضلَ ممّا يظنّون و اغفرْ لي ما لايعلمونَ» (6)
الفرق بين تعريف النفس و حبّ الظهور:
بلاشکّ أنّ الإطراء على النفس عمل مذموم، لکنّه مع هذا ليس قانوناً عاماً; توجب الظروف أحياناً أن يعرّف الانسان نفسه للمجتمع ليتعرف عليه الناس و يستفيدوا من ثروات وجوده کي لايبقى کالکنز المستترو المتروک.
روي في تفسير العياشي عن الامام الصادق(عليه السلام) أنّه أجاب على سؤال، هل يجوز أن يثني الانسان على نفسه؟ فقال: «نعم إذا اضطُرَّ اليهِ، أما سمعتَ قولَ يوسفَ: (اجعَلني على خرائنِ الأرضِ إنّي حفيظٌ عليمٌ) و قولَ العبد الصالحِ: (و أنا لکُمْ ناصحٌ أمينٌ)».
من هنا يتضح سبب مدح الامام علي(عليه السلام) نفسه في الخطبة «الشقشقية» و بعض الخطب الأخرى في نهج البلاغة، فيعتبر نفسه قطب رحى الخلافة ولا تدرکه الأفکار و تنبع العلوم و تنحدر من وجوده المقدس و أمثال ذلک التمجيد، کل ذلک ليدرک الناس منزلته و يستفيدوا من کنز وجوده لتحسين وضع المجتمع. (7)
حبّ الجاه و الرئاسة في الروايات الاسلامية:
1ـ نقل عن النبي الکريم(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «حبُّکِ للشي يُعمي و يُصمُّ» (8).
2ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): «إنّما هلکَ الناسُ باتباعِ الهوى و حبِّ الثناءِ» (9).
3ـ نقل عن الامام علي(عليه السلام)أنّه قال: «حبُّ الرياسةِ رأسُ المحنِ» (10).
4ـ قال الامام الصادق(عليه السلام): «ملعونٌ من ترأسُ، ملعونٌ من همَّ بها، ملعونٌ من حدّثَ نفسَهُ بها» (11).
5ـ نقل عن الامام علي(عليه السلام) أنّه قال: «مَن اغترَّ بغيرِ اللهِ سبحانَهُ ذلَّ» (12)
1.بحار الانوار، ج 74، ص 90.
2.سورة القصص، الآية 83.
3.بحار الأنوار، ج 73، ص 150.
4.بحار الأنوار، ج 5، ص 232.
5. التفسير الأثل، ج 22، ص 542 ـ 543.
6.التفسير الأمثل، ج 3، ص 414 ـ 416.
7.التفسير الأمثل، ج 10، ص 12.
8.من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 272.
9.المحجة البيضاء، ج 6، ص 112.
10.غرر الحکم، ص 380.
11.أصول الکافي، ج 2، ص 298.
12.غرر الحکم، ج 2، ص 639.
نص الحديث:
«يا أباذر مَن أحبَّ أن يتمثّلَ لهُ الرجالُ قياماً فَليتَبوّأ مقعدَهُ من النّار»(1)
قال ابي عبدالله (عليه السلام)
لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً مَا قَامَتِ الْکَعْبَةُ.
تا زمانى که کعبه استوار و پابرجاست، دين نيز پايدار خواهد بود.
کافى: 4/271/4
لا يوجد تعليق