نص الحديث:
«يا أباذر إيّاکَ و الغيبة، فإنَّ الغيبة أشدُّ من الزنا، قلتُ: يا رسولَ اللهِ و لَم ذاکَ بأبي أنتَ و أمّي؟ قالَ: لأنّ الرجلَ يزني فيتوب الى اللهِ فيتوبَ اللهُ عليهِ، و الغيبةُ لاتُغفُر حتّى يغفرها صاحبُها» (1)
شرح الحديث:
لإدراک و فهم الروايات الواردة عن المعصومين(عليه السلام) يجب أن أبيّن نقطةً و هي عادةً ما تحصل مقارنة في الأحاديث و الروايات الاسلامية بين الأشياء، و من الطبيعي ليست هذه المقارنات بين الأشياء من جميع الجهات بل من زاوية و جهة واحدة; مثلا عندما نقول تعدل قراءة سورة الفاتحة ثلاث مرات ختم القرآن بأکمله مرةً واحدةً، ليست هذه المقارنة من جميع الجهات طبعاً ليقول البعض لماذا نقرأ القرآن بأجمعه إذن، بل هي من جهة واحدة.
الموضوع المراد بحثه من هذا القبيل أيضاً، فاذا قارن النبي(صلى الله عليه وآله) هنا بين الغيبة و الزنا فليس مراده من ذلک أنّ الغيبة أسوأ و أشدّ من الزنا من جميع الجهات، و من المحتمل أنّ أباذر تصور أنّها أشد من جميع الجهات، بينما يمکن أن يکون الزنا أشدّ، لذا سأل عن السبب في ذلک، فوضع النبي(صلى الله عليه وآله) في الاجابة إصبعه على اختلافهما من ناحية حق الله و حق الناس فقال: الزنا حق الله و اذا تاب الانسان واقعاً يتوب الله عليه، حتى زنا الحصنة، لکنّ الغيبة حتى لوکانت صغيرةً و بالنظر لکونها حق الناس اذا تاب الانسان عنها لايقبل الله تعالى توبته إلا أن يغفر له المغتاب. بناءاً على ذلک يُعرف الفرق بينهما; حق الناس هو إضاعة شيء من الناس; من يغتاب مسلماً فهو في الحقيقة قد هدر عرضه و کرامته التي قد تکون أفضل من ماله و دمه، فما أکثر الناس المستعدين للموت أمام عدم التفريط بعرضهم; على الرغم من أن الناس غالباً يعتبرون عود الثقاب أو الخشب و ... حق الناس، لکنّهم لايعتبرون النيل من عرض و کرامة المؤمن جزءاً من حق الناس مع أنّ: «حُرمةُ عرضِ المؤمنِ کحرمةِ مالهِ دمهِ».
طبعاً هذا من جهة واحدة، لأنّ الزنا ذنب يرتکب في الخفائ و السر، أمّا الغيبة تکون مصحوبةً باهدار کرامة الانسان، الخلاصة إنّ مقارنة النبي(صلى الله عليه وآله) تحذير لئلا يُتعامل ببساطة مع مسألة الغيبة، لأنّها ترتبط بعرض مسلم، ذلک العرض الذي يعادل الروح بل هو أفضل من المال و الدم. أحياناً يتصل البعض هاتفياً فيقول مثلا: لقد اغتبتک فسامحني و أبرء ذمتي، فيقول الانسان: سامحتک، فهل يکفي هذا؟
العياذ بالله أن يرحل الانسان عن هذه الدنيا و يبقى عب حق الناس على أکتافه، لذا في البحث الفقهي للغيبة اذا لم نقل من الواجب طلب إبراء الذمة فهو احتياط واجب حيث لا يغفر للانسان بدون ذلک، لأنّه حق الناس، لذا جاء في الروايات، عندما يأتي يوم القيامة و يراد أخذ حق من اغتيب و لم يکن المغتاب يملک شيئاً ليعطيه، لذا يؤخذ من حسناته، و اذالم يکن لديه حسنات يعطى من سيئات الطرف الآخر (خصمه).
أرسل رجل جليل هديةً لشخص، فتعجب ذلک الشخص بأنّي أهجوک و أذمک و أنت ترسل لي هديةً؟ فأجابه قائلا: سمعت أنّک تهديني حسناتک هذه الأيام فأردت أن أعوضک بهدية مالية.
يجب أن نتعامل مع مسألة الغيبة بهذه الطريقة; لأنّ طلاب العلوم الدينية يتعرضون لهذه المسألة اکثر من غيرهم، ولديهم مجالات عديدة للاغتياب; برغم أنّ الأرضية غير متوفرة لارتکاب بعض أنواع الذنوب من قبل طلاب العلم لکنّها متوفرة في البعض الآخر مثل الرياء، الغيبة، الکذب، و التکبر، الحسد، و التهمة، و الافتراء و...
بناءاً على هذا يجب أن تخافوا من الذنوب التي تتوفر أرضيتها بينکم: مثلا سمعتم أنّهم يقولون لايبتلى الانسان بالحمّى القرمزية خمسين سنةً، إذن لايجب على مثل هذا الانسان أن يخاف من تلک الحمى، لکن على هذا الرجل ذي الخمسين عاماً أن يخاف من الأمراض التي يکون عرضةً لها من قبيل تنخر العظام، السکتة القلبية و الدماغية، مرض السکري و ...
بناءاً على هذا، يمکن أن يکون للغيبة جوانب متعددة:
الجانب الشخصي أحياناً، والجانب الاجتماعي و حتى العالمي أحياناً أخرى. يمکن أن يکتب شيئاً و ينشره على المستوى العالمي، يجب على المغتاب التدارک و التعويض، تجب إعادة حيثية وکرامة المسلم الذي اغتيب; أي يذهب الى سامع الغيبة و يقول: لقد أخطأت، اذا کان قد اغتاب أحداً من الناس يمکنه التدارک و الاصلاح، أما لو اغتاب على المنبر أو في إحدى وسائل الاعلام فلامجال للتدارک هنا، فيرحل الانسان عن الدنيا بحمل ثقيل من الذنوب و الآثام.
لذا لو التفت الانسان لما يتعلق بالغيبة من حق الناس لتخلص من هذه الابتلاءات .
لدينا روايات تقول: لاتقبل صلاة المغتاب أربعين يوماً. اذا احتوى اللباس على خيط مغصوب تبطل الصلاة فماذا لوهتک عرض مليون شخص ؟
يعتبر البعض عرضه و کرامته ذاقيمة عالية جداً فلايبدله بملايين التومانات، لذا يجب الانتباه جيداً لأجل عدم الوقوع في فخ الغيبة و لنطلب من الله تعالى أن يخفف أعبائنا، لأنّ للغيبد بالاضافة الى الجانب الفردي جانباً اجتماعياً أيضاً. اذا لم ترتکب الغيبة في مجمع يثق الناس ببعضهم و يصبحون متفائلين; ينشأ الاختلاف و إراقة الدماء و الحروب من الغيبة غالباً.
النقطة المهمة هي أن نعلم أنّ التشاؤم مصدر المفاسد الاجتماعية و الغيبة منشأ التشاؤم لأنّه لو لم توجد الغيبة لما وجد التشاؤم، و لو لم يوجد التشاؤم لم تحدث تلک المصائب.
للغيبة طرق مختلفة، لأنّ الانسان يتصور أحياناً أنّه في حال العبادة، لکنّ ذلک في الواقع غيبة و رياء أيضاً.
يقول أحد علماء الأخلاق: يقول البعض: من المؤسف أنّ الشارع أغلق فمي، دعني أسامح. لقد ارتکب هذا الشخص ذنبين، ارتکب الغيبة و الرياء أيضاً.
عندما يقول: الشارع أغلق فمي، فمعنى ذلک أنّ هذا الشخص ارتکب آلاف الجرائم لکنّي لاأريد أن أقول، بحيث لو ذکر نفس ذنب الطرف المقابل لما حصل على عشر هذا الذنب، بالاضافة الى أنّه يفعل الرياء في نفس الوقت.
حصلت مقارنة بين الثنين من الکبانر (الغيبة و الزنا) في الحديث الشريف، و سوف نقدم شرحاً مختصراً لکل منهما:
الغيبة:
الغيبة کما هو ظاهر من اسمها التکلم أثناء غياب شخص، لکنّ هذا الکلام يظهر عيباً من عيوبه، سواء کان ذلک العيب بدني أو أخلاقي، و سواء کان في أعماله أو في کلامه، حتى لو کان بأمر يتعلق به مثل اللباس، المنزل، الزوجة و الأولاد و أمثال ذلک.
بناءاً على هذا، لو ذکر شخص الصفات الظاهرة لشخص آخر فلن يکون کلامه اغتياباً، إلاّ أن يقصد ذمّه و إعابته فيصبح محرماً، کما لو قال ذاماً له: ذلک الرجل المکفوف، أو قصير القامة، أو أسود اللون أو أجرد.
فعليه يکون ذکر العيوب المستورة بأي قصد غيبةً و محرماً، و ذکر العيوب الظاهرة اذا کان بقصد الذم و الانتقاص حرام أيضاً، سواء اعتبرنا ذلک داخلا في مفهوم الغيبة أم لا.
کل ذلک في حالة کون تلک الصفات واقعاً موجودةً في الشخص، أما لو لم تکن إحدى الصفات موجودةً فيه فيدخل ذلک تحت عنوان «التهمة» حيث يکون ذنبها أشدّ و أکبر.
فقرأ في حديث عن الامام الصادق(عليه السلام): «الغيبةُ أن تقولَ في أخيک ماستَره اللهُ عليهِ، و أما الأمرُ الظاهرُ فيهِ مثلُ الحدّةِ و العجلةِ فلا; و البهتان أن تقولَ ماليسَ فيهِ»(2)
يتضح من ذلک أنّه لا تسمع الأعذار التي يأتي بها بعض العوام، مثلا يقول المغتاب أحياناً: ليس هذا عيباً بل هو صفته، في الوقت الذي لو لم تکن صفته لأصبح تهمةً لا غيبةً.
أو يقول: هذا الکلام أقوله في حضوره أيضاً، في الوقت الذي لايقلل ذلک من ذنب الغيبة فحسب، بل يحّمله ذنباً اکبر لايذائه المؤمن.
الغيبة من أکبر الذنوب:
کما تعلمون إنّ العرض و الکرامة و الشخصية أکبر ثروة للانسان في الحياة، و کل ما يعرض ذلک للخطر کأنّما يعرض روح الانسان للخطر، بل يعدّ اغتيال الشخصية أحياناً أهم من اغتيال نفس الشخص، و هنا يکون ذنب ذلک أعظم من ذنب قتل النفس أيضاً.
أحد علل تحريم الغيبة هي عدم تضييع تلک الثروة العظيمة و عدم تقويض حرمة الاشخاص، و عدم تلطيخ أعراض الأشخاص، فالاسلام يتناول هذا الموضوع بأهمية بالغة.
النقطة الأخرى هي أنّ الغيبة تخلق التشاؤم و تزلزل الروابط الاجتماعية و تقضي على ثورة الثقة و الاطمئنان و تزعزع رکائز التعاون و التعاضد.
نعلم أنّ الاسلام يؤمن بالأهمية القصوى لمسألة وحدة و انسجام و استحکام المجتمع الاسلامي، و کل ما من شأنه ترسيخ هذه الوحدة يحبه الاسلام، و کل ما يضعفها يکرهه، و الغيبة إحدى عوامل التضعيف المهمة.
و بغضّ النظر عن کل ذلک فانّ الغيبة تنثر بذور الحقد و العداوة في القلوب، و تصبح منشأً للنزاعات الدموية و القتل.
باختصار اذا اعتبرت الغيبة في الاسلام من الذنوب الکبيرة فلأجل آثار السوء الفردية و الاجتماعية لها.
الغيبة في الروايات الاسلامية:
تلاحظ تعابير شديدة في الروايات الاسلامية في هذا المجال، حيث ننقل نماذج منها فيمايلي :
1ـ قال النبي الکريم(صلى الله عليه وآله): «إنّ الدرهَم يصيُبه الرجلُ من الرّبا أعظمُ عنداللهِ في الخطيئة من ستٍّ وثلاثين زنيةً يزينها الرجلُ; و أربى الربا عرضُ الرجلِ المسلمِ» (3).
تأتي هذه المقارنة طبعاً لأجل أنّ الزنا مهما کان قبيحاً يتعلق به «حقّ الله»، لکنّ الربا و الأنکى منه إراقاة ماء وجه الناس عن طريق الغيبة أو غيرها يتعلق بها «حق الناس».
2ـ يروى في حديث آخر أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) خطب الناس ذات يوم بصورت مرتفع و قال: «يا معشرَ من آمنَ بلسانهِ و لم يؤمنْ بلقبهِ لا تغتابوا المسلمين، و لا تتّبعوا عوراتِهم، فانّهُ من تتّبعَ عورةَ أخيهِ تتّبع اللهُ عورتَهُ، و من تتّبع اللهُ عورتَهُ يفضحهُ في جوفِ بيتِه»(4).
3ـ جاء في حديث آخر أنّ الله تعالى أوحى لموسى: «مَن مات تائباً من الغيبةِ فهوَ آخرُ من يدخلُ الجنّةَ، و من مات مصرّاً عليها فهوَ أولُ من يدخلُ النّارَ» (5).
4ـ نقرأ في حديث عن النبي الکريم(صلى الله عليه وآله): «الغيبةُ أسرعُ في دينِ الرجلِ المسلمِ من الآکلةِ في جوفهِ» (6).
يؤکد هذا التشبيه أنّ الغيبة کالآکلة التي تأکل لحم الانسان و تفنيه تقضي على إيمان الانسان بسرعة، و مع الالتفات الى أنّ أسباب الغيبة أمور کالحسد، التکبر، البخل، الحقد، الاحتکار، و أمثال هذه الصفات القبيحة و المذمومة يتضح لماذاتؤدي الغيبة و هتک عرض المؤمن بواسطتها الى زعزعة ايمان الانسان بهذه الکيفية. (تأملوا)
5ـ نقل عن الامام الرضا عن آبائه(عليه السلام) أنّ الامام علي بن الحسين(عليه السلام) قال: «إيّاکم و الغيبة فانّها إدامُ کلابِ النارِ».
6ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله): «مَن اغتابَ مؤمناً فکأنّما قتل نفساً متعمّداً».
7ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله): کذلک: «مَن اغتابَ مسلماً لم يقبلِ اللهُ صلاتَهُ و لاصيامَهُ أربعين يوماً و ليلةً، إلاّ أن يغفَر لهُ صاحبُهُ» (7).
8ـ نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال: «يؤتى بأحد يومَ القيامةِ يوقفُ بينَ يدي اللهِ و يُدفعُ إليهِ کتابُهُ فلا يرى حسناتهِ فيقولُ: إلهي ليس هذا کتابي، فإنّى لا أرى فيها طاعتي، فيقالُ لهُ: إنّ ربّکَ لا يضلُّ و لا ينسى، ذهبَ عملُکَ باغيابِ الناسِ، ثمّ يؤتى بآخر و يدُفعُ إليه کتابُهُ فيرى فيهِ طاعات کثيرةٌ فيقولُ: إلهي ماهذا کتابي فإنّى ما عملتُ هذهِ الطاعاتِ فيقال: لأنّ فلاناً اغتابکَ فدُفعت حسناتُهُ إليک» (8).
9ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «کفّارةُ الاغتيابِ أن تستغفر لمن اغتبتَهُ» (9).
الروايات في المصادر الاسلامية في هذا المضمار کثيرة جداً، و سوف ننهي بحثنا بذکر حديث آخر:
10ـ يقول الامام الصادق(عليه السلام): «مَن روى على مؤمن روايةً يريدُ بها شينَهُ، و هدمَ مروّتهِ ليسقطَ من أعينِ الناسِ، أخرجَهُ اللهُ من ولايتهِ الى ولايةِ الشيطانِ، فلا يقبلُهُ الشيطانُ» (10)
کل هذه التأکيدات و العبارات المثيرة لأجل الأهمية القصوى التي يبديها الاسلام لحفظ عرض المؤمن و حيثيته الاجتماعية، و کذلک للآثار المخربة التي تخلفها الغيبة على وحدة المجتمع و الثقة المتبادلة و ارتباط القلوب، و الأنکى من کل ذلک أنّ الغيبة عامل لتأجيج نارالحقد و العداوة و البغضاء و النفاق و اشاعة الفحشاء في محيط المجتمع، لأنّه لما تظهر عيوب الناس الخفية عن طريق الغيبة تزول أهمية و عظمة ارتکاب الذنب، و يسهل ارتکابه و التلوث به.
علاج الغيبة و التوبة عنها:
تشبه الغيبة الکثير من الصفات السيئة في أنّها تتحول بالتدريج الى مرض نفسيٍّ، الى درجة أنّ المغتاب يتلذذ بفعله، و يبدي ارتياحه من هتک عرض هذا و ذاک باستمرار، و هذه إحدى المراحل الأخلاقية الخطرة جداً.
هنا يجب على المغتاب قبل کل شيء أن يعمل على علاج الدوافع الداخلية للغيبة، و التي تکمن في أعماق روحه و تؤجج هذه المعصية، تلک الدوافع من أمثال (البخل)، (الحسد)، (الحقد)، (العداوة)، و (الغرور).
يجب غسل هذه الأقذار من الروح عن طريق تهذيب النفس و التفکير في العواقب الوخيمة لهذه الصفات القبيحة و النتائج المشؤومة التي تخلفها، و کذلک عن طريق ترويض النفس، ليتمکن من منع اللسان من التلوث بالغيبة. ثم يتوب بعد ذلک، و انطلاقاً من کون الغيبة تتعلق بـ «حق الناس» فلو استطاع الوصول الى من اغتابه يلتمسه العذر ـ اذا لم يتسبب ذلک في إيجاد مشکلة ـ حتى لو کان ذلک بصورة إجمالية; فيقول مثلا: لقد اغتبتک أحياناً نتيجة الجهل و عدم الاطلاع فسا محني، و لا يوضح له أکثر من ذلک، لئلا يصبح عاملا جديداً للفساد. و اذا لم يستطع الوصول الى ذلک الشخص، أو لايعرفه، أو رحل عن الدنيا، فليستغفر له و يعمل له حسناً، و من المحتمل أن يتجاوز عنه الله تعالى ببرکة ذلک و يرضي الطرف الآخر.
موارد الاستثناء:
حديثنا الأخير عن الغيبة هو أنّ قانون الغيبة کغيره من القوانين يحتوي على استثناءات، من ضمن ذلک مالو سأل شخص غيره من باب التشاور حول اختيار الزوجة مثلا أو اختيار شريک للعمل و أمثال ذلک. الأمانة في التشاور ـ و هو قانون اسلامي قطعي ـ توجب ذکر العيب مع العلم به، لئلا يقع المسلم في الفخ، فلا تحرم هذه الغيبة مع هکذانية. کذلک لو حصلت الغيبة في موارد أخرى لأهداف مهمة کالتشاور من أجل العمل، أو لاحقاق الحق و التظلم.
يخرج بالطبع المتجاهر بالفسق عن موضوع الغيبة، فلا إشکال في ذکر عيوبه بغيابه، لکن يجب الانتباه الى أنّ هذا الحکم يختص بالذنب المتجاهر فيه .
يجدر بنا الالفات الى هذه النقطة أيضاً و هي ليست الغيبة حرام فحسب، بل يحرم الاصغاء إليها و الحضور في مجلس الغيبة أيضاً، و تؤکد بعض الروايات وجوب رفض اغتياب المسلمين; أي يجب الدفاع أمام الغيبة، فيدافع الانسان عن أخيه المسلم الذي عرضت حيثيته للخدشة و الخطر، و ماأجمل المجتمع الذي تطبق فيه تلک المبادي الأخلاقية بدقة (11).
الزنا:
يشير القرآن الکريم في سورة الأسراء الآية 32 الى ذنب کبير و عمل مناف للعفةِ ألاوهو الزنا حيث يقول: «ولا تقربوا الزنا إنّهُ کانَ فاحشةً وساءَ سبيلا».
أشير في هذه الآية الشريفة الى ثلاث نقاط:
الف) لم يقل لاتزنوا، بل قال: لاتقربوا الزنا، هذا التعبير بالاضافة الى التأکيد المضمر في عمقه الى نفس هذا العمل، هو إشارة ظريفة الى أنّ للتلوث بالزنامقدمات غالباً تقرب الانسان منه رويداً رويداً، المغازلة بالنظر إحدى تلک المقدمات، الخلاعة و سوء الحجاب مقدمة أخرى، الکتب المعلمة للأمور السيئة و «الأفلام القذرة» و «النشريات الفاسدة» و «مراکز الفساد» کل واحد من هذه الأمور يعتبر مقدمةً لهذا العمل. کذلک الاختلاء بالأجنبية عامل آخر لاثارة الوساوس.
و أخيراً ترک الشباب للزواج و التشدد المفرط و غير المنطقي من قبل الطرفين في هذا المجال، کل ذلک من عوامل «الاقتراب من الزنا» التي نهى عنها القرآن الکريم بجملة مختصرة في الروايات الاسلامية.
ب) تنکشف عظمة هذا الذنب بجملة «إنّه کانَ فاحشةً» حيث تشتمل على ثلاثة تأکيدات.
ج) تبين جملة «ساءَ سبيلا» حقيقة أنّ هذا العمل يفتح الطريق أمام مفاسد أخرى في المجتمع.
فلسفة تحريم الزنا:
1ـ إيجاد الهرج و المرج في نظام الأسرة، وفقدان علاقة البنوة و الأبوة، تلک العلاقة التي لاتسبب المعرفة الاجتماعية فحسب، بل تؤدي الحماية الکاملة للأبناء، و تضع أساس المحبة التي توجد هذه الحماية طول العمر. الخلاصة تتقوض العلاقات الاجتماعية القائمة على العلاقات الأسرية في المجتمتع الذي يکثر فيه الأبناء غير الشرعيين. کفانا لإدراک هذا الموضوع أن نفکر لحظةً فيمالو أجيز الزنا في کل المجتمعات البشرية و رفع الزواج، فالأطفال المولودون في هذه الظروف لا يتمتعون بحماية أحد، لابدو الولادة و لا أثناء الکبر.
بغضّ النظر عن ذلک، سوف يحرمون من عنصر المحبة ذي الدور الحاسم في مکافحة الجرائم و العنف و الاضطهاد، و يبدل المجتمع الانساني الى مجتمع حيواني مليء بالاضطهاد في جميع أبعاده.
2ـ يسبب هذا العمل القبيح أنواع التصادمات و التجاذبات الفردية و الاجتماعية بين أتباع الهوى. القصص التي نقلت و کتبت حول کيفية الأوضاع في المناطق السيئة الصيت و مرکز الفساد تبين حقيقة وقوع أبشع الجرائم مع الانحرافات الجنسية جنباً الى جنب.
3ـ أکدت التجارب و أثبت العلم أنّ هذا العمل يؤدي الى انتشار مختلف الأمراض، و برغم جميع الوسائل التي و فرت في هذا العصر للحدّ من تبعات و آثار ذلک، تؤکد الاحصائيات ازدياد عدد الأفراد الذين فقدوا و يفقدون سلامتهم في هذا الطريق.
4ـ يسبب هذا العمل إسقاط الجنين و قتل الأبناء و قطع النسل غالباً، لأنّ هکذا نساء غير مستعدات لتربية أولئک الأطفال، و وجود الطفل أصلا عقبة کبيرة في طريق مواصلة أعمالهنّ الخبيثة، لذا يسعين دائماً لازالتهم عن الطريق.
إنّ النظرية القائلة بامکانية جمع هؤلاء الأطفال في مؤسسات تحت إشراف الدول لاتعدو الأوهام، فقد أثبت فشلها عملياً، لأنّ تربية الأولاد الفاقدين للأبوين بهذه الطريقة تواجه مشاکل جمة، و تکون ثمارها غير مرغوبة أبداً، أولاد قساة، مجرمون، عديموا الشخصية و فاقدون لکل شيء.
5ـ لايجب أن ننسى أنّ الهدف من الزواج ليس إشباع الغريزة الجنسية فقط، بل الاشتراک في تشکيل الحياة و الاستئناس الروحي و الاستقرار الفکري، و تربية الأبناء و التآزر في جميع شؤون الحياة من آثار الزواج، حيث لا يمکن تحقق أيٍّ منها بلا اختصاص الرجل و المرأة ببعضهما و تحريم الزنا.
الزنا و تبعاته في روايات المعصومين(عليه السلام):
1ـ يقول الامام على(عليه السلام) في حديث: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «في الزنا ستُّ خصال: ثلاثٌ في الدنيا، و ثلاثٌ في الآخرةِ، فأمّا اللواتي في الدنيا، فيذهبُ بنورِ الوجهِ، و يقطعُ الرزقَ، و يُسرعُ الفناءَ. و أمّا اللواتي في الآخرة، فغضبُ الربِّ، و سوءُ الحسابِ، و الدخولُ في النارِ أو الخلودُ في النار» (12).
2ـ نقل عن الامام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: وجدتُ في کتابِ علي(عليه السلام) أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «اذا کثُرَ الزنا من بعدي کثُرَموتُ الفجأةِ» (13).
3ـ نقل عن أميرالمؤمنين على(عليه السلام) أنّه قال: «الزنا يورثُ الفقرَ» (14).
4ـ قال علي(عليه السلام): «ترکُ الزنا تحصيناً للنسبِ» (15).
5ـ قال علي(عليه السلام): «مازنا غيورٌ قطُّ» (16).
6ـ روى الامام الصادق(عليه السلام) أنّ المسيح(عليه السلام) قال: «إنّ موسى أمرَکُم أن لا تزنوا، و أنا آمرُکُم أن لاتُحدّثوا أنفسَکُم بالزنا فضلا عن أن تزنوا; فإنّ مَن حدّث نفسَهُ بالزنا کانَ کمن أوقد في بيت مزوّق فأفسدَ التزوايقَ الدخانُ و ان لم يحترقِ البيتُ» (17)(18).
1. بحار الانوار، ج 74، ص 89.
2. أصول الکافي، ج 2، باب الغيبة و البهتان، ح 7.
3.المحجة البيضاء، ج 5، ص 253.
4.نفس المصدر.
5.نفس المصدر، ص 252.
6.أصول الکافي، ج 2، باب الغيبة، ح 1.
7.بحار الانوار، ج 5، ص 256.
8.نفس المصدر، ص 259.
9.نفس المصدر، ج 57، ص 253.
10.وسائل الشيعة، ج 8، الباب 158، الحديث 2، ص 608.
11.التفسير الأمثل، ج 22، ص 188 ـ 194.
12. التفسير الامثل، ج 12، ص 102 ـ 105.
13.الکافي، ج 5، ص 541.
14.بحار الانوار، ج 9، ص 23.
15.نهج البلاغة، الحکمة 252.
16.نفس المصدر، الحکمة 305.
17. وسائل الشيعة، ج 5، ص 37.
18.اقتبست الروايات 2 ـ 6 من کتاب «الحکم الظاهرة» للکاتب علي رضا الصابري.
نص الحديث:
«يا أباذر إيّاکَ و الغيبة، فإنَّ الغيبة أشدُّ من الزنا، قلتُ: يا رسولَ اللهِ و لَم ذاکَ بأبي أنتَ و أمّي؟ قالَ: لأنّ الرجلَ يزني فيتوب الى اللهِ فيتوبَ اللهُ عليهِ، و الغيبةُ لاتُغفُر حتّى يغفرها صاحبُها» (1)
قالَ الحسينُ عليه السّلام :
مَنْ دَمِعَتْ عَيناهُ فينا قَطْرَةً بَوَّاءهُ اللّهُ عَزَّوَجَلّ الجَنَّةَ.
چشمان هر کس که در مصيبتهاى ما قطره اى اشک بريزد، خداوند او را در بهشت جاى مى دهد.
احقاق الحق ، ج 5، ص 523
لا يوجد تعليق