نص الحديث:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«يا أباذر يکونُ في آخر الزمانِ قومٌ يلبسونَ الصوفَ في صيفهِمْ و شتائِهِمْ، يَرونَ أنّ لهُمُ الفضلَ بذلکَ على غيرِهمْ، أولئکَ تلعنُهُم ملائکةُ السمواتِ و الأرض»(1)
شرح الحديث:
أشار النبي(صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث الى موضوع مهم بصورة إجمالية، و هو ظهور قوم في آخر الزمان لابسين للصوف في الصيف و الشتاء، و يعدّون ذلک فضلا لهم. و أولئک ممّن تلعنهم ملائکة السموات و الأرض.
الاحتمالات في معنى الحديث:
هناک احتمالان في معنى الحديث المذکور:
1ـ مراد النبي(صلى الله عليه وآله) مسألة الرياء; المراؤون و المعجبون بأنفسهم يرتدون الملابس السميکة (الصوفية و الخشنة) في الصيف حين يلبس کل الناس ملابس رقيقة، و في الحقيقة يرغبون أن يعرفوا بين الناس بالزهد و التقوى و الفضيلة ويشارلهم بالبنان، و أصلا هذا هو لباس الشهرة، فبرغم ما يقوله بعض العلماء من أنّ لباس الشهرة هو ما يخالف حياة الانسان، لکنّنا لم نفهم ذلک من الأحاديث لذا نقول:لباس الشهرة هو اللباس الذي يرغب المرء من خلاله أن يصبح مشهوراً بالزهد و الورع و التقوى لا أية شهرة، و هذا المعنى الذي فهمناه يتنا غم مع الروايات. باختصار هذا التفسير الذي ذکرناه يشير الى لباس الشهرة فيستحق هؤلاء المرائين و المتظاهرين بالزهد العذاب، وکذلک الذين جعلوا هذا الزهد الظاهري متجراً لالفات أنظار الآخرين و تشملهم اللعنة أيضاً.
2ـ لکنّ التفسير الثاني المستفاد من الحديث هو الاشارة الى الصوفية و المتصوفة،لأنّ التصوف لم يدخل الاسلام منذ الصدر الأول، بل هو من ضمن الافکار الالتقاطية و المستوردة التي دخلت الاسلام من القرن الثاني فما بعد من الممالک الأخرى برفقة الأفکار الهندية و اليونانية الخ، فانتقلت هذه الأفکار الى الممالک الاسلامية عن طريق ترجمة الکتب، فعلى هذا (و طبق هذا التفسير) ينبأ النبي(صلى الله عليه وآله) عن الغيب و يقول: سيظهر آخر الزمان قوم من أمتي ... و هذا اللعن الشديد الوارد في الرواية يتناسب مع انحراف تلک المدرسة الفکرية و ليس الانحراف الفردي، فمن الممکن أن يُلعن إنسان، لکن ليس بهذه الشدة; سوف أتحدث لکم هنا عن هذه العقيدة المنحرفة بما لدىّ من معلومات قديمة حولها:
أخطار التوصف:
التصوف خطر على الاسلام برمّته و على التشيع و علماء الشيعة بالخصوص، لأنّ هناک قضايا کثيرة تهيمن على الوضع و سأبين ثلاثاً منها بصورة مفهرسة:
1ـ الخطر الأول هو أنّ التصوف يفصل طريقه عن العلم فأولئک يعتقدون أنّ طريق العقل طريق منحرف و لايوصل الانسان الى الواقع، لأنّ أقدام أصحاب الاستدلال خشبية، بل يجب اتباع طريق القلب و القاء الاستدلال جانباً; يقبح التکلم حول الکتاب و العلم في معابدهم، يقول أحد المتصوفين بهذا الشأن: کنت أذهب الى المدرسة و أتلقى الدروس لکن عندما جئت الى التکية و تتلمذت على الشيخ مع بقية أصحابي أخفيت الکتاب و القلم و الدواة لئلا يرونها، سرحت ذات يوم فسقطت الدواة منى على الأرض، إلتفت إلىّ حينها أحد الأخوان في المعتقد و قال: خذ هذه و استرعورتک، فهم يظنون أنّ هذه الدواة عورة قد کشفت، و يتعاملون مع الکتاب و الدفتر و غيرها کذلک.
يکتب بعضهم أنّهم ألقوا کل مالديهم من کتب في الشاطي. أحد هؤلاء الذين ألقوا کتبهم و تخلصوا منها و کان برفقته شي کالکشکول رأى في منامه لاحقاً کذا و کذا، و بعد ما قام بذلک ذهب الى الشيخ فقال له: لو لم تکن قد ألقيتها لما استفدت من الشيخ نهائياً.
أولئک لديهم خصومة مع العلم و العالم من هذا القبيل، من الممکن ألاّ يقول المتصوف العصري بهذا، لکنّ هذه أمور قد سجلت في تاريخ التصوف، فيعتبرون العلم حجاباً و يعدّون العالم قاطع طريق، من الواضح أن يفتح حساب خاص لهؤلاء القوم.
اذا کانت عبارة «العلمُ حجابٌ أکبر» قد کتبت في الکتب فمن المسلم أن نأخذ بمعناها العلمي و هو أنّه يسبب الغرور و التکبر و الأنانية للانسان، و إلاّ لايذم أحد ذات العلم، و إن وجدت هکذا جملة يجب تأويلها، لما لدينا من آيات و روايات في مدح العلم و العالم مثل: «إنّما يَخشى اللهَ من عبادِهِ العلماءُ»، و عندما يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء يوم القيامة فيرجح المداد على الدماء، قال الامام الصادق(عليه السلام): «فتوزنُ دماءُ الشهداءِ مع مدادِ العلماءِ فيرجحُ مدادُ العلماءِ على دماءِ الشهداءِ» (2)، فلا يمکن تجاوز کل ذلک. الآن يمکن أن يتبادر سؤال الى أذهانکم مفاده لماذا يتعامل أولئک مع العلم بهذه الکيفية؟
لأجل أنّ لهم مقترحات لاتنسجم مع الاستدلال العقلي و لاتتطابق مع الآيات و الأحاديث أيضاً.
2ـ الخطر الثاني هو أنّهم يرفضون مبدأ المرجعية و العلماء و القضايا التي من هذا القبيل، أولئک يعتبرون منزلة شيخ الطريقة أسمى من المراجع، فالعلماء قشريّون و شيوخ الصوفية لُبّيون کما يقولون، أي يعتبرون العلماء في مرحلة الشريعة و هم في مرحلة الطريقة و الحقيقة.
بالنظر الى ذلک لن يکون لرسالة توضيح الماسئل أي قيمة فعلية لديهم إزاء أوامر الشيخ، لأجل ذلک يجيزون مخالفة القوانين الاسلامية في أغلب الأماکن طبقاً لأوامر شيوخهم.
کُتب في تاريخهم عندما يريد الشخص مثلا أن يشرع بالسير و السلوک في طريق التصوف فيجب عليه أن يرمي مالديه من أموال في البحر.
راجعوا کتاب «إحياء العلوم» للغزالي ـ الذي يعتبر من أکابر علمائهم و جميعهم يقبلون کلامه ـ لتروا کلامه العجيب، حتى أنّه يتحدث خلاف المسلمات الفقهية.
إنّه يقول: کنت أذهب الى المسجد الحرام و أطوف حول بيت الله، لکن لما بلغت الحق رأيت بيت الله يطوف حولي. الشخص الذي يعتقد بذلک لايتقيد بمکة و المدينة إذن. في الوقت الذي قام النبي(صلى الله عليه وآله) في أواخر عمره بحجة الوداع، لکنّه يقول: تطوف الکعبة حولي. بناءاً على هذا أول أمر يصدره أولئک لمن التحق بهم أن يقطع علاقته بالعلماء و رجال الدين، بينما نعتقد بعدم وجود أي منصب في زمان غيبة الامام صاحب الزمان (عج) سوى الفقهاء و المراجع الذين يستنبطون الأحکام الالهية من الکتاب و السنة لأنّه هو القائل: «فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا».
الآن نسألهم هل هذا الشخص الذي أسميتموه شيخاً مرجع؟ فان لم يکن کذلک على أي دليل استندتم في وجوب إطاعته و من أين نشأت؟
حيث أنّنا لانملک شخصاً مفترض الطاعة سوى النبى(صلى الله عليه وآله) و الامام و نائب الامام المبيّن لکلماته. إذن مخالفتهم للعلم تجلب لهم النفع و هو افتراض طاعة غير المرجع.
3ـ الخطر الثالث بساطة تأويل و تفسير الآيات و الروايات، أي التلاعب بألفاظ الکتاب و السنة، و لهذا قصة طويلة جداً، يعني أنّ ألفاظ الکتاب و السنة کالشمع بأيديهم، يفسرونها کيف يشاؤون; بعبارة أخرى التأويل عندهم بسيط جداً، إلتفتوا الى مثال من توجيهاتهم و تفسيراتهم: يقول: ألقيت کل شيء و أمسکت بالقرآن فلما وصلت الى هذه الآية «قُل اللهَ ثمّ ذَرْهُم» قلت: المقصود من «ذرهم» غيرالله. لقد فسر کلمة «ذرهم» حسب رغبته، بينما مراد القرآن منها الأصنام أو يحتمل أن يکون المراد المخلوقين.
عندما يتلاعب أولئک بالآيات و الروايات بهذه الطريقة يتضح مدى خطرهم، و لهذا السبب يؤمنون بولايتهم على الأحکام بالفعل. نحن نعتبر ولىّ الفقيه منفذاً للأحکام و لا نؤمن بولايته بالحکم، و الأحکام هي إما أحکام و عناوين أولية و إما أحکام و عناوين ثانوية.
باختصار الأحکام هي الأوامر التي أصدرها الله و النبي(صلى الله عليه وآله)، لا أن نقول أنّه يغيّر الحلال و الحرام و الواجبات. أمّا هم (الصوفية) يغيرون الاحکام واقعاً فغيروا الکثير من مسلّمات الاسلام. أحتمل أنّ هذه القضية إحدى معاني الرواية (لا أنّها محصورة بها فقط).
يقول أحد شيوخهم: عندم ما يأتي يوم القيامة يخضع الجميع لسيطرة جاهي حتى محمد و آل محمد(صلى الله عليه وآله). أو أنّهم يقولون: الرجبيون هم الذين يرون الشيعة على شکل خنازير في عالم المکاشفة.
ننقل هنا أموراً بشأن تاريخ التصوف من کتاب «مشهد الحق» لسماحة آية الله العظمى مکارم الشيرازي لمعرفة کيفية نشوء هذه الفرقة: «لقدْ کانَ في قصَصَهِمْ عبرةٌ لأولي الألبابِ» (3).
ينقل المؤرخون أنّ طائفةً ظهرت قبل ظهور الاسلام، بل قبل ميلاد المسيح(عليه السلام) و سموا أنفسهم «عشاق جمال الله» و «الواصلين الى الله»، لکن لا توجد معلومات عن بداية نشوئهم، کما لا يعلم من أي مکان في العالم نشأ هذا المسلک، يعتقد البعض أنّه نشأ في الهند و يعتبر البعض الآخر مبدأ نشوئه من الشام و مصر، لکن لا يوجد أي اختلاف بين المؤرخين على وجودهم قبل ميلاد المسيح تقريباً.
ورود التصوف الى الاسلام:
في القرن الثاني الهجري، أى منذ أن اهتم خلفاء بني العباس بنشر علوم الآخرين و ترجمتها الى اللغة العربية و نشاط الرأي العام في ذلک الوقت، و ازدهار سوق المذاهب المختلفة طبعاً، حاز هذا المسلک على موقع و منزلة في نفوس المسلمين من بين المسالک الأخرى، و التحق به عدد منهم فأصبح له أتباع بالتدريج نتيجةً لبعض الظروف، و کان أتباعه من أبناء السنة أکثر، و أخيراً اتسع البساط ليشمل عدداً من الامامية أيضاً.
حسب عدد من الأخبار أول من نثر بذور هذا المسلک في البلاد الاسلامية هو أبوهاشم الکوفي. نقل في کتاب «حديقة الشيعة» أنّ الامام الحسن العسکري(عليه السلام)قال: « إنّهُ کانَ فاسدَ العقيدةِ جداً و هوَ الذى ابتدع مذهباً يقالُ لهُ (التصوف) و جعله مقراً لعقيدته الخبيثة».
من الأدلة التي تثبت تأسيس هذا المذهب في القرن الثاني الهجري رواية نقلت عن الامام الصادق(عليه السلام) في نفس الکتاب: «أحد أصحاب الامام يقول له: شاعت هذه الأيام جماعة باسم الصوفية ما تقول فيهم؟ قال الامام(عليه السلام): أولئک خصومنا، من أحبّهم کان منهم و حشر معهم، و ستميل لهم فرقة من محبينا و تلقب نفسها بألقابهم و تأول أحاديثهم، من رغب فيهم ليس منّا و نبرء الى الله منه، و من أنکر عليهم حديثهم کان کمن قاتل الکفار بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)».
المؤيد الآخر لذلک کون الأحادث الوردة في ذم المتصوفين و انتقاد مذهبهم منقولةً عن الامام الصادق(عليه السلام) فما بعد.
لقد صرحت بعض الروايات أنّ الأئمة يبرؤون من محبيهم لو مالوا لتلک الفرقة، حتى جاء في أحدهما، بعد أن فرغ الامام الهادي(عليه السلام)من ذم المتصوفة قال له أحد أصحابه: لو اعترف الصوفي بحقکم؟ فنظر له الامام بغضب و قال: دع عنک هذا الحديث! من اعترف بحقنا لا يسلک طريقاً يؤذينا! ثم يقول: «والصوفيةُ کلُّهُم من مُخالفينا و طريقَتُهمْ مُغايرةٌ لطريقَتنا».
يقول المؤرخون: لم يکن بين المسلمين اسم للمتصوفة قبل التاريخ المذکور، و ملاحظة لفظ «الصوفي» في کلمات بعض القدماء لا يدل على وجود هذا المذهب في صدر الاسلام لأنّ العرب يطلقون هذا اللفظ على مرتدي الصوف، مثلا نقل عن الحسن البصري قوله: «رأيتُ صوفياً في الطوافِ و أعطيتُهُ شيئاً فلم يأخذهُ».
طبعاً لم يقل أحد بأنّ لفظ الصوف و الصوفي وجدت في زمن الامام الصادق(عليه السلام) و لم تکن متداولةً بين العرب ليستدلوا بهذه الأحاديث على قدم المذهب، فالمراد عدم وجود جماعة خاصة بهذا الاسم آنذاک، فالحديث المنقول عن الحسن البصري لايدل من قريب أو بعيد على هذا الموضوع.
کيف زيّنوا التصوف بالاسلام؟
انطلاقاً من أنّ هذه المذاهب تصطبغ بصبغة البيئة التي تردها وفق قانون «اتباع البيئة»، استطاع أنصار التصوف أن يصبغوه بالصبغة الاسلامية، فمزجوا جزءاً من الثقافة و الأوامر الاسلامية بهذا المذهب، و لإظهار انطباق عقائد هم مع العقائد و الاحکام الاسلامية تناولوا الآيات و الروايات التي يعتبر أغلبها من المتشابهات، و أخيراً زعموا أنّ زهاد الصدر الأول للاسلام و بعضاً من الأصحاب المعروفين من أمثال سلمان و أبي ذر من أنصارهم، و أنّهم أوصلوا «البقلة الحمقاء» الى علي بن أبي طالب، في حين أن کل ذلک عار عن الصحة.
اليوم و لحفظ ارتباطهم برجالات الصدر الأول للاسلام أعدوا سلسلة من المشايخ التي تفتقر الى الدليل و هم مستمرون في فعالياتهم، لکن و بما أنّ نمط الفکر و التربية الاسلامية لاتنسجم أصلا مع کل ألوان التکتل و الطائفية داخل الاسلام، فبالاضافة الى عدم إمکان تطبيق جميع أصول التصوف على العقائد و الأحکام الاسلامية لم تتصاعد و تيرة أعمال الصوفيين برغم کل الجهود المبذولة من قبلهم وهوجموا من جميع الجهات، على کل حال لديهم أنصار و موالون في کل زمان هنا و هناک يزدادون و ينقصون حسب الزمان و المکان.
التشعب الکثير و انحطاط التصوف:
بما أنّ إحدى الثروات الرئيسية للتصوف إجراء الذوق و الاستحسان و کما عبر البعض «نسج العرفان»، حيث لا تخضع لضوابط معينة و معيار ثابت کالشمع الذي يظهر بأشکال متعددة، تستحدث قضايا جديدة باستمرار و تضاف إليه، و لم يمحض ردح من الزمن حتى ظهرت تشعبات کثيرة لهذا المذهب يمتلک کل منها أسلوباً و عقائد معينة و منفصلة، ألّفت کتب کثيرة و أنشدت أشعار کذلک في هذا المجال و وصلت الى درجة بحيث لو أردنا التحدث عن الشعب المختلفة للتصوف و عقائدها الغريبة لما خلاکلامنا عن الاشکال قطعاً، و الطريف أنّ عدد هذه السلاسل في تزايد مستمر، فکلما رحل شيخ عن الدنيا حلّ محله عدد من الشيوخ الآخرين و بعقائد و نزعات متفاوتة.
لکنّ هذا الحدث أمر الطبيعى، لأنّ کل طائفة لاتستند الى معايير و ظوابط معينة و تدور حول محور الذوق و الاستحسان و المکاشفة و الرؤيا کالتصوف، سوف تبتلى بهذا المصير فتهي هذا الفرقة و الاختلاف الأرضية للانحطاط. من جهة أخرى، نتيجة نشاط العلماء و توفير الوسائل و الأدوات لنشر الکتب و سهولة الاتصالات و العوامل الأخرى تيقظت العيون و الآذان و کشف النقاب عن العديد من الأعمال، في هذه الأثناء مالت قلعة التصوف الى الاضمحلال و سوقهم الى الرکود و الکساد. کذلک من جرّاء رقي العالم في جدر «العناصر الأربعة» و رسمت عالم الحياة بمسامير «الأمزجة الأربعة» نحو الفناء و العدم، کما أنّ مذهب التصوف آل الى الانحطاط جرّاء جهاد العلماء الأعلام و تنوير الأذهان.
نقول بوضوح: اليوم هو ليس ذلک اليوم الذي يصدق فيه قول الشيخ صفي الدين الأردبيلي حيث يقول: «صليتُ أربعين صباحاً و مساءاً بوضوء واحد» (4)، ولا يوجد مشتر للادعاءات العجيبة «لأبي يزيد البسطامي» حيث قيل له: سيکون الناس يوم القيامة تحت لواء النبي الکريم(صلى الله عليه وآله)، فقال: أقسم أنّ «لوائي أعظمُ من لواءِ محمد(صلى الله عليه وآله)». ولا يتبسم شخص سمع بالأفعال المنحرفة «لحسين بن منصور الحلاج»، من ضمن ذلک يذکر الشيخ العطار في کتاب «تذکرة الأولياء» أنّه کان لحسين بن منصور الحلاج جبة صوفية لم يخلعها طيل مدة عشرين عاماً (الله أعلم کيف کان يزيل الأقذار عن بدنه ويؤدي الأغسال الواجبة). ذات يوم خلعوها عن بدنه قسراً فرأوا القمّل قد عشعش فيها و لما وزنوا واحدةً منه وجدوا أنّها تساوى نصف دانق!، و ينقل کذلک:«وقف حسين بن منصور الحلاج أمام الکعبة في الشمس سنةً کاملةً حتى کان يسيل الزيت من أعضائه على الأرض»!.
لو تصفح الانسان أوضاع کبار علماء الصوفية في کتبهم فسوف يرى أمثال ذلک کثيراً. أي شخص يطالع اليوم هذه الأحاديث ولا يعتبر أنصار هذا المذهب خرافيين و هذه العقائد أباطيل! هؤلاء القوم الذين ترونهم قد بقوا على هذه العقيدة لأجل أنّهم أعادوا النظر في أوضاعهم و قاموا بحذف مقدار من عقائد و أفعال السالفين و أظهروها بشکل آخر يتناسب الى حدٍّ ما مع الرأي العام السائد.
اذا أراد فرد الوقوف على صدق ما قلنا فليقارن بين کتب قدماء التصوف من قبيل «تذکرة الأولياء» و «صفوة الصفا» و أمثالها التي تشرح أوضاع کبار المتصوفة مع الکتب الحالية لهم.
بضعة موارد من کرامات مشايخ التصوف:
1ـ يکتب الجامي في «نفحات الأنس» :
غطس المرشدي السباک يوم الجمعة في شط بغداد ليغتسل، فبعد أن خلع ملابسه غاص في الماء و لما أخرج رأسه فاذا به في شط النيل في مصر! بقي هناک سبع سنوات و تزوج و أنجب ثلاثة أولاد، ثم ذهب ذاتِ يوم ليسبح في شاطي النيل و لما غطس و أخرج رأسه رأى أنّه في بغداد في نفس الساعة من يوم الجمعة، ذلک اليوم الذي أراد أن يغتسل فيه و يذهب لأخذ سجادة الصوفيين الى المسجد، و عندما خرج و أخذ تلک السجادات قالوا له: لقد تأخرت!
2ـ نقل أنّ إبراهيم الأدهم کان جالساً ذات يوم على ضفة نهر دجلة و کان يخيط خرقته البالية. سقطت أبرة الخياطة منه في الشاطي، سأله أحدهم: ماذا حصلت بعد افتقادک لکذا ملک؟ أشار نحو الشاطي، أن ائتوني بالأبرة; فخرجت ألف سمکة! تحمل کل منها أبرةً ذهبيةً بفمها! قال إبراهيم: أريد أبرتي، عندئذ خرجت سمکة ضعيفة تحمل أبرته في فمها، فقال ابراهيم: أقل ما حصلت عليه بدل ملک بلح هو هذا و أنت أعلم بالباقي» (5)
3ـ قال سهل بن عبدالله التستري: جاء نى رجل من الأبدال و تحدثت معه و سألني عن مسائل ترتبط بالحقيقة، و کنت أجيبه حتى أدى صلاة الفجر و غطس تحت الماء، فجلس هناک الى وقت الزوال، عندئذ ناداه أخي إبراهيم لأداء الصلاة، فخرج من الماء و لم تبتل شعرة منه فأقام الصلاة، ثم غطس مرةً أخرى ولم يخرج منه سوى لإقامة الصلاة، کنّا على تلک الحالة مدةً، و لم يأکل قط طبعاً و لم يجالس أحداً حتى غادر. (6)
من يصدق هذا الکلام المضحک و غير المجدي؟ (7)
يستطيع الراغبون في التعرف على عقائد الصوفية و ما يرتبط بها مراجعة کتاب «مشهد الحق» تأليف سماحة اية الله العظمى مکارم الشيرازي (دام ظله الوارف).
1.بحار الانوار، ج 74، ص 91.
2.بحار الانوار، ج 2، ص 14، الرواية 26، الباب8.
3.سورة يوسف، الآية 111.
4.صفوة الصفا، ص 258.
5.تذکرة الأولياء، ج 1، ص 87.
6.تذکرة الأوليائ، ج 1، ص 153.
7.مشهد الحق (فارسى)، ص 72 ـ 85.
نص الحديث:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«يا أباذر يکونُ في آخر الزمانِ قومٌ يلبسونَ الصوفَ في صيفهِمْ و شتائِهِمْ، يَرونَ أنّ لهُمُ الفضلَ بذلکَ على غيرِهمْ، أولئکَ تلعنُهُم ملائکةُ السمواتِ و الأرض»(1)
الإمام علىٌّ(عليه السلام)
بالإيثارِ على نفْسِکَ تَمْلِکُ الرِّقابَ
با ايثار و از خودگذشتى ديگران را بنده خويش مى سازى
ميزان الحکمه، جلد 1، ص 24
لا يوجد تعليق