الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
قال الإمام القدوة ابن الحاجّ محمد بن محمد العبدري القيرواني المالكي المتوفّى (737)(1) في المدخل(2) : وأمّا عظيم جناب الأنبياء والرسل - صلوات اللَّه و سلامه عليهم أجمعين - فيأتي إليهم الزائر، ويتعيّن عليه قصدهم من الأماكن البعيدة، فإذا جاء إليهم فليتّصف بالذلّ والانكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع، و يحضر قلبه وخاطره إليهم و إلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره؛ لأنَّهم لا يبلون و لا يتغيّرون، ثمّ يثني على اللَّه تعالى بما هو أهله، ثمّ يصلّي عليهم ويترضّى على أصحابهم، ثمّ يترحّم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثمّ يتوسّل إلى اللَّه تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه، ويستغيث بهم، ويطلب حوائجه منهم، ويجزم بالإجابة ببركتهم ويقوّي حسن ظنّه في ذلك، فإنَّهم باب اللَّه المفتوح، وجرت سنّته سبحانه و تعالى بقضاء الحوائج على أيديهم و بسببهم، ومن عجز عن الوصول فليرسل بالسلام عليهم، ويذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه و ستر عيوبه إلى غير ذلك؛ فإنَّهم السادة الكرام، و الكرام لا يردُّون من سألهم و لا من توسّل بهم و لا من قصدهم و لا من لجأ إليهم.
هذا الكلام في زيارة الأنبياء و المرسلين عليهم الصلاة و السلام عموماً. ثمّ قال: فصل: و أمّا في زيارة سيّد الأوّلين و الآخرين - صلوات اللَّه عليه و سلامه - فكلُّ ما ذكر يزيد عليه أضعافه أعني في الانكسار و الذلّ و المسكنة؛ لأنَّه الشافع المشفَّع الذي لا تردُّ شفاعته، و لا يخيب من قصده، و لا من نزل بساحته، و لا من استعان أو استغاث به، إذ إنّه - عليه الصلاة و السلام - قطب دائرة الكمال و عروس المملكة- إلى أن قال-: فمن توسّل به، أو استغاث به، أو طلب حوائجه منه، فلا يردُّ و لا يخيب لما شهدت به المعاينة و الآثار، و يحتاج إلى الأدب الكلّي في زيارته عليه الصلاة و السلام، و قد قال علماؤنا رحمة اللَّه عليهم: إنَّ الزائر يشعر نفسه بأنَّه واقف بين يديه عليه الصلاة و السلام كما هو في حياته، إذا لا فرق بين موته و حياته - أعني في مشاهدته لأمّته و معرفته بأحوالهم و نيّاتهم و عزائمهم و خواطرهم - ذلك عنده جليٌّ لا خفاء فيه - إلى أن قال -:
فالتوسّل به- عليه الصلاة و السلام- هو محلّ حطّ أحمال الأوزار، و أثقال الذنوب و الخطايا؛ لأنَّ بركة شفاعته - عليه الصلاة و السلام - و عظمها عند ربّه لا يتعاظمها ذنب إذ إنّها أعظم من الجميع، فليستبشر من زاره، و ليلجأ إلى اللَّه تعالى بشفاعة نبيّه - عليه الصلاة و السلام- من لم يزره، اللهمّ لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين ربّ العالمين، و من اعتقد خلاف هذا فهو المحروم، أ لم يسمع قول اللَّه: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ»(3) الآية؟ فمن جاءه و وقف ببابه و توسّل به وجد اللَّه توّاباً رحيماً؛ لأنَّ اللَّه منزَّه عن خلف الميعاد، و قد وعد سبحانه و تعالى بالتوبة لمن جاءه و وقف ببابه و سأله و استغفر ربّه، فهذا لا يشكُّ فيه و لا يرتاب إلّا جاحد للدين معاند للَّه و لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم، نعوذ باللَّه من الحرمان(4).(5)
لا يوجد تعليق