الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
انّ زیارة الإنسان لقبر أحبته و أهله و من تربطه به صلة رحم أو قرابة، یُعدّ سجیة إنسانیة و طبیعة فطریة تدعو إلیها جمیع النفوس السلیمة فی کافة بقاع المعمورة، و أنّها من الأُمور التی أطبق الجمیع على العمل بها، أو على أقلّ تقدیر عدم رفضها و الوقوف فی وجهها، و یمکن استنتاج ذلک من الآیة المبارکة التالیة: « وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَد مِنْهُمْ ماتَ أَبداً وَلَا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فَاسِقُون »[1]
إنّ الآیة المبارکة تنطوی على أمرین موجّهین للنبی الأکرم (صلى الله علیه و آله و سلم) هما:
1. (لا تُصَلِّ عَلى أَحَد مِنْهُمْ ماتَ أَبداً).
2. (وَلَا تَقُمْ عَلى قَبْرِه).
و لابدّ من ترکیز البحث على النهی الثانی الوارد فی الآیة لنرى ماذا یراد من قوله تعالى:
(وَلَا تَقُمْ عَلى قَبْرِه) و ما هو معناه؟
فهل معناه أنّها تنهى النبی (صلى الله علیه و آله و سلم) عن الوقوف على قبره حال الدفن فقط، فلا یجوز ذلک فی حقّ المنافق و یستحب فی حقّ المؤمن؟ أو معناها أعمّ من وقت الدفن وغیره؟
إنّ بعض المفسّرین خصّوا القیام نفیاً و إثباتاً بوقت الدفن فقط، و لکن البعض الآخر من المفسّرین من ذهب إلى إطلاق الآیة و فسّر النهی فی کلا المجالین الأعم من حال الدفن و غیره، و ها نحن ننقل بعضاً من کلماتهم فی هذا المجال:
فممّن ذهب إلى الإطلاق، البیضاوی فی تفسیره حیث قال: ولا تقف على قبره للدفن أو الزیارة[2]
و قد تبنّى هذه النظریة جلال الدین السیوطی فی «تفسیر الجلالین» حیث قال: و لا تقم على قبره لدفن أو زیارة.[3]
و کذلک الشیخ إسماعیل حقّی البروسوی فقد جاء فی تفسیره: (ولا تقم على قبره): أی لا تقف عند قبره للدفن أو للزیارة[4]
و الحقّ مع من أخذ بإطلاق الآیة المبارکة، و من هنا یتّضح انّ اللّه سبحانه قد نهى نبیّه الأکرم (صلى الله علیه و آله وسلم) عن کلّ أنواع الوقوف على قبر المنافق، سواء کان ذلک حال الدفن، أو بعد ذلک. وهذا یحکی أنّ للرسول الأکرم (صلى الله علیه و آله و سلم) أن یقف على قبور المؤمنین و الصالحین و أن یدعو لهم فی حال دفنهم، أو بعد ذلک، و إلّا لکان النهی الموجّه إلى النبی عن الوقوف على قبور المنافقین لغواً لا طائل فیه.
و على هذا الأساس ندرک أنّ الآیة المبارکة أرادت أن تهدم شخصیة المنافق، و أن تحرمه من الفیض الإلهی الوارد عن طریق دعاء النبی (صلى الله علیه و آله و سلم) و استغفاره، و أن یختص هذا اللطف و تلک الرحمة بالمؤمنین الصالحین، فللرسول أن یقف على قبورهم فی حال دفنهم أو بعد ذلک، و أن یطلب من ربّه أن ینزل فیض رحمته و غفرانه على تلک الأرواح المؤمنة.
زیارة القبور فی السنّة المطهّرة :
قام الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) بنفسه و بصورة عملیة بزیارة القبور، فقد حدّثنا التاریخ أنّه (صلى الله علیه وآله وسلم) کان یزور قبور المؤمنین فی البقیع و یدعو لهم، و ها نحن نذکر بعضاً من هذه الروایات فی هذا المجال:
1. روى مسلم عن عائشة أنّها قالت: کان رسول اللّه (صلى الله علیه و آله و سلم) کلّما کان لیلتها من رسول اللّه (صلى الله علیه و آله و سلم) یخرج آخر اللیل إلى البقیع فیقول: «السلام علیکم دار قوم مؤمنین، و أتاکم ما توعدون، غداً مؤجّلون، و إنّا إن شاء اللّه بکم لاحقون، اللّهم اغفر لأهل بقیع الغرقد»[5]
2. و عن عائشة فی حدیث طویل أنّ النبیّ (صلى الله علیه و آله و سلم) قال لها: «أتانی جبرئیل فقال: إنّ ربّک یأمرک أن تأتی أهل البقیع فتستغفر لهم». قالت: قلت: کیف أقول لهم یا رسول اللّه؟ فقال: قولی: السلام على أهل الدیار من المؤمنین و المسلمین، و رحم اللّه المستقدمین منّا و المستأخرین، و إنّا إن شاء اللّه بکم لاحقون».[6]
3. و روى مسلم أیضاً عن بریدة أنّ الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله و سلم) علّم أصحابه کیفیة زیارة القبور فقال: قولوا: « السلام على أهل الدیار من المؤمنین و المسلمین، و إنّا إن شاء اللّه بکم لاحقون، أسأل اللّه لنا و لکم العافیة»[7].[8]
لا يوجد تعليق