الجواب الاجمالي:
هو عدم الإیمان بما من شأنه الإیمان به، فیدخل ما من شأنه الإیمان به تفصیلًا کتوحیده سبحانه و رسالة نبیه و یوم قیامته أو من شأنه الإیمان به إجمالًا، کالإیمان بالضروریات أی ما لا یجتمع الإنکار بها مع التسلیم للرسالة
أسبابه إنکار ما وجب الإیمان به تفصیلًا، کإنکار الصانع، أو توحیده ذاتاً و فعلًا وعبادة. و إنکار رسالة النبی الأکرم بالمباشرة، أو یوم المعاد و الجزاء، أو جحد ما علم الجاحد أنّه من الإسلام، سواء کان ضروریاً أم غیر ضروری سواء کان أصلًا عقیدیاً أو حکماً شرعیاً
الجواب التفصيلي:
1- حد الکفر: الکفر: لغة هو الستر والتغطیة، وسمّی الزارع کافراً لأنّه یستر الحبة بالتراب، قال سبحانه: «کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعجَبَ الکفّار نَباتُهُ» (الحدید- 20).
وامّا اصطلاحاً، فهو عدم الإیمان بما من شأنه الإیمان به، فیدخل ما من شأنه الإیمان به تفصیلًا کتوحیده سبحانه و رسالة نبیه و یوم قیامته أو من شأنه الإیمان به إجمالًا، کالإیمان بالضروریات أی ما لا یجتمع الإنکار بها مع التسلیم للرسالة، و یعد الفصل بینهما أمراً محالًا فی مقام التصدیق، فلو کفر بوجوب الصلاة و الزکاة فقد کفر بما من شأنّه الإیمان به، فالإیمان بالرسالة إیمان بهما و یعدّ إنکارهما أنکاراً لها، بل الإیمان بکل ما جاء به ضروریّاً کان أو غیر ضروریّ. لکن على وجه الإجمال لأنّه لازم الإیمان برسالته.
قال الإیجی: الکفر و هو خلاف الإیمان فهو عندنا عدم تصدیق الرسول فی بعض ما علم مجیئه به ضرورة(1)
و قال ابن میثم البحرانى: «الکفر هو إنکار صدق الرسول- صلَّى الله علیه و اله وسلم- و انکار شىءٍ ممّا علم مجیئه به بالضرورة»(2)
و قال الفاضل المقداد: «الکفر اصطلاحاً هو إنکار ما علم ضرورة مجیئ الرسول به»(3)
و المیزان عند هؤلاء الأقطاب الثلاثة هو إنکار ما علم مجیء الرسول به من دون أن یشیروا إلى ما هو المعلوم مجیئه به، و لکن السید الطباطبائی الیزدی أشار إلى رؤوس ما جاء به و قال: «الکافر من کان منکراً للإلوهیة أو التوحید أو الرسالة أو ضروریاً من ضروریات الدین مع الالتفات إلى کونه ضروریاً بحیث یرجع إنکاره إلى إنکار الرسالة»(4)
والأولى بل المتعین ذکر المعاد کما مرَّ.
2- أسباب الکفر:
قد تعرّفت على مفهوم الکفر وحدّه، فیقع الکلام فی أسبابه، أعنی: موجبات الکفر، ابتداءً أو بقاءً (تقابل الارتداد) فنقول:
إنّ أسبابه ثلاثة:
الأوّل: إنکار ما وجب الإیمان به تفصیلًا، کإنکار الصانع، أو توحیده ذاتاً و فعلًا وعبادة. و إنکار رسالة النبی الأکرم بالمباشرة، أو یوم المعاد و الجزاء و قد علمت أنّ الإیمان بها، على وجه التفصیل قد أخذ موضوعاً للحکم بالإسلام فلو أنکرها أو جهلها یکون محکوماً بالکفر و ربّما یکون معذوراً فی بعض الصور کما إذا کان جاهلًا قاصراً أو إنساناً مستضعفاً.
الثانی: جحد ما علم الجاحد أنّه من الإسلام، سواء کان ضروریاً أم غیر ضروری سواء کان أصلًا عقیدیاً أو حکماً شرعیاً، لأنّ مرجعه إلى إنکار رسالته فی بعض النواحی.
و ربما یستغرب الإنسان من الجمع بین العلم بکونه ممّا جاء به النبی- صلَّى الله علیه و اله وسلم- ومع ذلک یجحد به و لکنّه سرعان ما یزول تعجبه إذا تلى قوله سبحانه: «وَجَحَدُوا بِها و استَیْقَنَتها أَنفُسُهُمْ» (النمل- 14).
و قوله سبحانه: «الَّذِینَ آتَیناهُمُ الکِتابَ یَعرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبناءَهُم» (البقرة- 146) فنرى أنّهم أنکروا ما أیقنوه، و نفوا ما عرفوه. هذا إذا لم یتجاوز الجحد حد اللسان، و إمّا إذا سرى إلى الباطن فمرجع الجحد عندئذ مع العلم بأنّه ممّا جاء به النبی إلى نسبة الخطأ و الاشتباه إلى صاحب الرسالة و تصویر علمه قاصراً فی مجال المجحود.
و قد کان رجال من المنتمین إلى الإسلام، یخطّئون التشریع الإسلامی، بتحریمه الفائز، و الربا فی القرض الرائج فی الأنظمة الاقتصادیة الغربیة، قائلین، بأنّه مدار الاقتصاد النامی و أُسُّه، و مرجع ذلک- مع تضافر الآیات و الروایات على تحریمه- إلى نسبة الجهل و القصور لصاحب الشریعة و ما فوقه.
و حصیلة الکلام أنّ جحد ما علم الجاحد أنّه من الإسلام، یورث الکفر سواء کان المجحود ضروریاً من ضروریات الإسلام، أو کان حکماً شرعیاً غیر ضروری. و لکن کان ثابتاً عند الجاحد، و سواء کان الجحد باللسان غیر سائر إلى مراکز الفکر و الإدراک أو ساریاً إلیه.
و هذا القسم من الجحد، لا صلة له بما هو المعنون فی کلامهم من أنّ إنکار ما علم أنّه من الإسلام بالضرورة موجب للکفر، فإنّ الموضوع هناک، خصوص ما علم أنّه ضروری و سیوافیک البحث فیه فی السبب الثالث.
و قد وردت روایات عن أئمة أهل البیت- علیهم السلام- ترکز على جحد ما علم أنّه من الدین، من غیر تخصیص المجحود بما علم أنّه من الإسلام بالضرورة. و نأتى ببعض أثر من أئمة أهل البیت حتى تُدعَم بالنص:
1- روى عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله- علیه السلام- عن الرجل یرتکب الکبیرة من الکبائر، فیمو ت هل یخرجه ذلک من الإسلام، و إن عذب، کان عذابه کعذاب المشرکین، أم له مدة انقطاع؟
فقال- علیه السلام-: «من ارتکب کبیرة من الکبائر فزعم أنّها حلال، أخرجه ذلک من الإسلام، وعذّب أشدّ العذاب، و إن کان معترفاً أنّه أذنب، و مات علیه أخرجه من الإیمان و لم یخرجه من الإسلام، و کان عذابه أهون من عذاب الأوّل»(5)
و حاصله أنّ ارتکاب الکبیرة مع الاعتقاد بأنّها حلال یوجب الکفر، و أمّا ارتکابها مع الاعتراف بکونها ذنباً فیخرج عن الإیمان دون الإسلام.
2- قال الصادق- علیه السلام-: «الکفر فی کتاب الله عز وجل على خمسة أوجه- إلى أن قال:- فأمّا کفر الجحود فهو الجحود بالربوبیة و الجحود على معرفته، و هو أن یجحد الجاحد و هو یعلم أنّه حق قد استقر عنده و قال الله تعالى: « وَ جَحَدُوا بِها و استَیْقَنَتها أنفسهم»(6)
3- وقال الإمام الباقر- علیه السلام-: «قیل لأمیر المؤمنین- علیه السلام- من شهد أنْ لا إله إلا الله و أنّ محمداً رسول الله کان مؤمناً. (قال أمیر المؤمنین ردّاً له): فأین فرائض الله، و ما بال من جحد الفرائض کان کافراً».(7)
و لیس المقصود، خصوص الصلوات، بل مطلق ما أوجبه سبحانه على الناس و حاصل الروایة لو کانت الشهادتان سبباً تاماً للإیمان یلزم أمران:
1- أن لا یکون لفرائض الله مکان فی الإیمان.
2- أن لا یحکم بکفر من أنکرها وجحدها.
و الموضوع فی الروایتین وغیرهما للحکم بالکفر، و هو جحد ما علِم من غیر اختصاص بالضروریات و فی هذا، لا یفرق بین جدید العهد بالإسلام و قدیمه بل المیزان، هو جحد ما علمه أنّه من الإسلام بأحد الوجهین على ما عرفت.
الثالث: إنکار ما علم أنّه من ضروریات الإسلام. هذا هو السبب الثالث للحکم بالکفر و الارتداد عن الإسلام و بیانه:
أنّ ما سوى الأُصول الثلاثة (التوحید بأصنافه، و رسالة النبی الأکرم صلَّى الله علیه و آله و سلم- و یوم الجزاء) لا یجب الإیمان به تفصیلًا، بل یکفی الإیمان به إجمالًا وهو یعم الضروری وغیره و على ذلک، فلم یؤخذ الإیمان بوجوب الصلاة و الصوم تفصیلًا فی موضوع تحقّق الإسلام، بخلاف الأُصول الثلاثة المتقدمة.
و مع ذلک لو التفت إلى حکم الضروریّ التفاتاً تفصیلیاً و أنکر کونه ممّا جاء به النبی- صلَّى الله علیه و اله وسلم- فبما أنّه یلازم إنکار الرسالة فی نظر المخاطبین المسلمین، بحیث لا یمکن الجمع بین الإیمان برسالة الرسول، و إنکار ما علم بالبداهة أنّه ممّا جاء به النبی وقع الکلام فی کونه موجباً للارتداد، مطلقاً سواء کانت هناک ملازمة عند المنکر أو لا. أو فیه تفصیل و هو الحق و یعلم من الکلام التالی: إنّ هناک فرقاً واضحاً بین إنکار الرسالة بالمباشرة و إنکار ما یلازم إنکارها فلو وقعت الرسالة بشخصها فی مجال الإنکار، فالمنکر یکون محکوماً بالکفر، قاصراً کان أو مقصراً، معذوراً کان أو غیر معذور للنصوص المرکّزة على کون الإیمان برسالة الرسول من أُصول الإسلام و مقوّماته.
و أمّا إنکار الضروری فبما أنّه لیس الإیمان به تفصیلًا أصلًا من الأُصول، لا یکون إنکاره عند الالتفات سبباً مستقلًا، بل سببیته لأجل کونه سبباً لإنکار الأصل، وعند ذلک لا یکون الإنکاران متماثلین فی الحکم فی جمیع الجهات، بل یقتصر فی الثانی على حد خاص و هو تحقّق الملازمة عند المنکر. غایة الأمر یکون إنکار الضروری طریقاً إلى إنکار الرسالة، ما لم یُعلم عدم الملازمة عند المنکر فیحکم بکفر المنکر إلّا إذا ثبت بالقرائن أنّه لم یکن بصدد إنکار الرسالة، و إنّما أنکرها لجهله و ضعفه الفکری، کما إذا کان جدید العهد بالإسلام و أنکر حرمة الفائز مثلًا فیقبل منه و لا یقبل ممّا نشأ بین المسلمین منذ نعومة أظفاره إلى أن شبَّ وشاب.
و حاصل الکلام: أنّ إنکار الضروری طریق عقلائی وکاشف عن إنکار الرسالة و رفض الشریعة فی مورد الإنکار فیحکم بالکفر و الارتداد، إلّا إذا ثبت عذره و جهله.
و الفرق بین إنکار الأصل، و إنکار ما یلازم إنکاره، هو أنّ الأوّل أصل برأسه و أُخذ فی موضوع الإسلام و دلّت الروایات على کونه جزء منه بخلاف التالى فإنّ سببّیته عقلیة، و طریقیّته عقلائیة فیؤخذ بالطریق إلّا إذا ثبت تخلّفه.
ثم الفرق بین السبب الثانی (جحد ما علم أنّه من الدین) وهذا السبب واضح، فإنّ الملاک فی السبب المتقدم هو کون جحد الجاحد عن علم بأنّه من الدین بأحد النوعین، من غیر فرق بین الأُصول و الفروع، و بین الضروری و عدمه، و أنّما نعلم فقط أنّ جحده عن علم. و هذا بخلاف الملاک فی السبب الثالث فمتعلّق الإنکار، هو ما علم أنّه من الدین بالضرورة من دون أن نعلم أنّه أنکر عن علم أو لا. و لأجل ذاک الفرق حکم بالارتداد فی السبب الثانی بلا استثناء لعدم قابلیته له، بخلاف الأخیرة فحکم بکفر المنکر مطلقاً سواء علم حاله- و أنّه أنکره عن علم بأنّه من الدین- أو جهل حاله، إلّا إذا علم أنّه أنکر لا عن علم، فلاحظ(8)
لا يوجد تعليق