نص الحديث:
« يا أباذر لا يکونُ الرجلُ من المتقينَ حتّى يحاسبَ نفسهُ أشدَّ من محاسبةِ الشريکِ شريکهُ، فيعلمَ من أينَ مطعمهُ و من أين ملبسهُ، أمن حلٍّ ذلک أم من حرام؟»(1)
شرح الحديث:
أنّ الذين کتبوا کتباً حول منازل سير و سلوک الانسان شبهوه بمسافر عليه أن يقطع مسافةً طويلةً للوصول الى لقاء الله. لقد اعتبروا مراقبة و محاسبة النفس أولى مراحل السير و السلوک; أي يجب على الانسان أولا أن يراقب أعماله، فير اعي تلک الأعمال القلبية من جهة و الأخرى التي تصدر من الجوارح من قبيل الواجبات و المستحبات و المکروهات و المحرمات يومياً، ثم يحاسب نفسه على تلک الأعمال بعد مراقبتها. التعبير الطريف الذي جاء في هذا القسم من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو أنّه قال: لا يمکن الوصول الى التقوى بدون محاسبة النفس; أي اذا أراد الانسان أن يکون في زمرة المتقين فيجب عليه أن يعتاد على مراقبة و محاسبة نفسه، فيحاسبها على تمام أيام حياته أشد من محاسبة الشريک لشريکه. دليل ذلک واضح لأجل أنّ الشراکة نسبية، أي حسب المبلغ المالي المشارک فيه; أما الانسان فهو مالک لتمام وجوده. يجب أن يحاسب نفسه فيقول: يا نفس ماذا جرى لثروة عمري؟ ماذا حصل لثروة قابليتي و عقلي؟ ماذا حصل لثروة شبابي؟ ماذا حصل لثروة سلامتي؟ ماذا جرى لعلقي؟ تحتاج هذه الثروات الخمسة المعروفة الى محاسبة حقاً؟ لأنّ العمر ليس شيئاً تم الحصول عليه بسهولة، و حسب قول البعض: اذا قيل لشخص: أنت مستعد لتبديل تمام عمرک بأي شي؟ يقول: لا أعطيه حتى لو أعطيت الدنيا بکاملها، لکن يمکن أن يقضي جميع ذلک العمر بالبطالة مثلا، أليس مجموع هذا العمر مرکباً من أجزاء؟ فاذا کنت تعتقد أنّ مجموع العمر يستحق هذه القيمة فلماذا تضيع أجزاء العمر التي هي الأيام و اللحظات بلامقابل؟ و لماذا تتلف و بکل سهولة ثروة الشباب التي تعتبر من أهم ثروات الانسان، فيقولون يصل الانسان لأىّ منزلة علمية يرغب فيها في مرحلة الشباب؟ و لماذا أضعت نعمة الفراغ و لم تعرف قدر و قيمة اللحظات؟ لأنّه سيأتي زمان لا يحوي أوقات فراغ، يقول بعض الأشخاص:
ماذا نفعل کي نصبح ضمن رهط المتقين؟ يقول النبي(صلى الله عليه وآله): اذا حاسبت نفسک يومياً: أو عددت النعم الالهية المعطاة لک، ستکون جزءاً من أولئک المتقين، لکن لو لم تفعل ذلک الحساب و خرج حساب الجميع من يدک، تصبح حينئذ إنساناً غير متق. رُکّز في هذا الحديث على ثلاثة أقسام:
1ـ الطعام; 2ـ الشراب; 3ـ اللباس.
اذا أراد شخص أن يحصل على الکمال يجب أن يراعي مسألة الحلال و الحرام حقاً، و يجتنب عن اللقمة المشبوهة، لأنّ للقمة الحرام أثراً سلبياً فتسلب النور القلبي و تقلل التوفيق الالهي للانسان.
کان هناک رجلا يعدّ من الأوتاد في مدينة مشهد المقدسة. عندما کان يتحدث حول لقاء الامام صاحب الزمان(عج) کان يقترح برنامجاً ثقيلا لذلک، هو عبارة عن صيام ثلاثة أيام و الافصار على طعام و شراب خالد من الشبهة و الحرام و يضيف: إنّ الحصول على طعام خال من الشبهة عمل عسير جداً; لذا لايحظى بلقاء الامام (عليه السلام)سوى الانسان الطاهر و العظيم و الرفيع الدرجة ـ طهارة الطعام و الشراب شرط رئيسي.
قال الله تعالى في محکم کتابه الکريم: «يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللهَ ولتنظرْ نفسٌ ما قدّمتْ لغد» (2).
و يخاطب العلىّ القدير رسوله الکريم: «فإنّما عليکَ البلاغُ و علينا الحسابُ» (3).
و هذا يعني أنّک تبلغ الأحکام و نحن نحاسب على تطبيقها. يسجل الله تعالى حساب ما يقوم به العباد من حسن و سيء، وقبيح و جميل، صواب و خطاء: «إنّا کنّا نستنسخُ ما کنتُم تعملونَ» (4)، هذا الحساب من المالک لمملوکه أو من المعبود لعبده، و هناک حساب آخر من العبد لنفسه حيث يحاسب أعماله. يقول أميرالمؤمنين على(عليه السلام):«عبادَ اللهِ زنوا أنفسکُم من قبلِ أن توزنوا، و حاسبوها من قبلِ أن تحاسبوا» (5).
إستنساخ أعمال العباد لأجل الحساب. سوف يأتي اليوم الذي يحاسب فيه العباد، لکنّ السالکين الى الله لديهم حساب أعمالهم; أي أنّهم يحاسبون أنفسهم باستمرار; اذا أخطأت النفس يقومون بعتابها فوراً و يوبخونها و يلومونها ثم يأدبونها بالعمل الصحيح و الحسن; لأنّ المعصية تترک أثرها في القلب فتجعله مظلماً، و طالما بقي ذلک الأثر يبقى قلب الانسان مغموماً و مکدراً.
لذا يجب على الانسان المبادرة الى عمل الخير لتدارک المعصية، و يطلب من الله جلّ و علا العفو و رفع الکدورة; لأنّه لو لم يلتفت الانسان الى المعاصي و الذنوب و لم يحاسب نفسه عليها و لم يتدارک السيئات بالحسنات تزداد الذنوب، فيزداد اسوداد القلب على أثر ذلک، و أخيراً يسبب الأثر السي للمعاصي و الذنوب البرودة و الفتور، و يمنع الانسان من الوصول الى مرحلة السلوک، حينها تسلب منه الرغبة في الطلب و لم يعد بعدها مريداً لأداء أعمال الخير و الصواب. التفتوا الى هذا المثال لادراک المسألة بصورة أفضل:
يملک التاجر و الکاسب عدداً من الدفاتر ليحيط بحساب ثروته: دفترالتوافه و الصغائر، دفتر التقويم، دفتر الصندوق، دفتر المخزن، دفتر الأموال و بعض الدفاتر الأخرى; أي يملک التاجر الممتاز جميع هذه الدفاتر، و هي جميعاً تبيّن له حسابه.
يُري دفتر الصندوق التصدير و الاستيراد النقدي ;بينما يظهر دفتر المخزن البضائع المصدرة و المستوردة; الدفتر العام يبين ماله و ما عليه من الديون; دفتر التقويم يوضح العمليات اليومية; يسجل الربح و الخسارة في صفحة في الدفتر العام، فهذه الصفحة تظهر حال ذلک التاجر و وضعه المالي، و يکون نظر التاجر الى هذه الصفحة دائماً، فکم يکون قلقاً و مضطرباً عندما يرى الخسارة تفوق الربح، أو أنّه مدين أکثر مما هودائن.
الآن و مع الالتفات الى هذا المثال: يجب على الانسان المسلم أن يهيي دفتراً لکلٍّ من أعضائه و جوارحه ليکون حسابها جميعاً بيده; حساب العين، الأذن، اللسان، اليد و الرجل و أخيراً عليه أن يملک حساب الدفتر العام - الذي هو القلب، ليعلم ماذا يفعل، ماذا يرى، ماذا يقول، بأىّ شيء يهتم،الى أين يذهب، ماذا يحب؟ يعاشر من و يريد من؟
يجب أن يکون لديه حسب کل تلک المواضيع، و ان لم يکن من أهل الحساب و الکتاب کالتاجر الذي لا يملک دفتراً و حساباً خاصاً يکون مصيره الخسارة و الفشل. يجب على الانسان المسلم أن يخطو بعد التوبة في طريق المحاسبة. من الواضح أنّه عندما يبتلى الانسان بالضرر يتقدم باحتياط في جميع الأمور; کيف ينتبه التاجر الى الضرر عندما يشعر به، و يفکر دائماً في الوقت الذي يستطيع فيه التدارک و التعويض؟ الانسان الذي ارتکب معصيةً ثم التفت إليها و ندم و تاب عنها وأخذها في الحسبان، يلزمه أن لا يرتکب معصيةً و تمرداً آخر. مع الالتفات الى ما قيل آنفاً حول موضوع المحاسبة، تجب دراسة ثلاثة مبادئو أصول والاستفادة منها:
المبدأ الأول:
لينظر الانسان الى جرائمه و معاصيه و النعمة الالهية التي حصل عليها، و ليجعل هذين الأثنين مقابل بعضهما. من المسلم به أنّ الشخص الذي لم يستعمل نورالحکمة و يثق بنفسه جيداً لا يستطيع القياس و إيجاد النتيجة أبداً; لأنّ تشخيص النعمة من النقمة مشکل جداً; لأنّ الانسان المشغول بالنعم الالهية تغرّه تلک النعم الوفيرة عن ذکر الله و تجعله غافلا عنه: «و الذّين کذّبوا بآياتنا سنستدرجُهُم من حيثُ لا يعلمونَ» (6)
المبدأ الثاني:
يجب أن يفهم الانسان أنّ ما أوکل إليه من الطاعات و العبادات منّة من الحق عليه، و ليعلم أنّ حاله يصلح بأداء الفرائض فقط، و ما يصدر منه بعنوان الطاعة و العبادة وظيفة له ووضع لإصلاح حاله و لايستحق الجزاء عليه، کما يعطي الطبيب النسخة للمريض، فلو أدّى المريض أوامر الطبيب هل يجب أن يمنّ عليه؟ کلا، جميع طاعتنا و عبادتنا أدوية تزيل مرض الغفلة و الجهل. اذا أقام الانسان الطاعات و العبادات لرفع مرضه، هل يحق له أن يمنّ على الله؟ عند ما کان البعض في صدر الاسلام يمنّ على رسول الله(صلى الله عليه وآله) التحاقهم بالاسلام جاء الخطاب: «يمنّون عليکَ أنْ أسلموا قلْ لا تمنّوا علىَّ إسلامَکُم بل اللهُ يمنُّ عليکُم أنْ هداکُم للإيمانَ إن کنتُم صادقينَ» (7).
کيف يشعر الأشخاص الذي يخدمون الدولة الاسلامية بالعار عندما يقال لهم أنّ إنجاز الأوامر برأينا لأخذ المکافأة و الجزاء، بل يقولون من أعماقهم: نحن نفتخر أنّ الحکومة الاسلامية اختارتنا لتنفيذ أوامرها; کذلک هم عبادالله المخلصين. أولئک يقولون: لقد منّ الله علينا أن أمرنا بطاعته و عبادته. عندما يقوم موظف الدولة بخدمة لصالح الدولة و المملکة فلايستحق أخذ الأجر و المکافأة، لکنّه لو ارتکب جرماً خلاف مصلحة الدولة فيجب أن يعاقب عليه; لأنّه أخلّ الدولة، و اذا أعطي أجر مقابل ما يقوم به من الأعمال الحسنة فذلک الأجر رعاية و تقدير من قبل الحکومة الاسلامية.
المبدأ الثالث: لا يجب أن يظهر الانسان رضاه عن العمل الذي أدّاه و يبدي إعجابه فيه; لأنّ النفس لما ترضى عن أداء أمر يحصل عکس النتيجة المتوخاة; ففي الحقيقة الأمر الذي ترضى عنه النفس لا يرضى عنه الحق تعالى، و الأمر الذي يرضي الحق لايرضي النفس لذا قيل: «أعدى عدوّک نفسُکَ التي بين جنبيکَ» (8) (عندما يبدي الانسان رضاه عن عمل فذلک الرضا يحکي أنّه مازال لايعرف منزلة المعبود و عزته و کبريائه، ولا يعلم أنّه لا يستطيع شخص القيام بحق العبودية و العبادة الخالصة).
يقول سعدي: العاکفون على کعبة جلاله يعترفون بتقصير عبادتهم «ما عبدناک حقَّ عبادتکَ» (9)
و واصفون حلية جماله يُنسبون الى التحير «ما عرفناکَ حقَّ معرفتکِ» (10).
بالاضافة الى أنّ عبدالله يدّعي أنّه أنجز خدمةً مقابل الأجر و يعتبر نفسه مستحقاً للأجر و المکافأة مع أنّ هذا الرأي مرفوض و لا يبرز العارف السالک هذه المسألة أبداً.
إذا کان رضا الانسان بشأن أداء الفرائض بأن يقول: أشکر الله الذي وفقني لأداء الفرائض، مع العلم أنّ هذا العمل لايليق بمنزلة کبرياء الله جل جلاله، فالظاهر أنّ هذا الرضا لايضر بالانسان، لأنّ الضرر يحصل عندما ينظر الانسان الى عمله و يعتقد أنّه لائق بمنزلة الکبرياء الالهي.
حساب النفس في کلام الامام علي(عليه السلام)
1ـ ثمرةُ المحاسبةِ إصلاحُ النفسِ» (11).
2ـ «جعلَ اللهُ لکلَّ عمل ثواباً و لکلِّ شيء حساباً» (12)
3ـ إنّ اليومَ عملٌ ولا حسابَ، غداً حسابٌ ولا عملِ» (13)
4ـ «حاسبوا أنفسَکُم قبلَ أنْ تُحاسبوا و زنوها قبلَ أنْ توزنوا» (14).
5ـ «مَن تعاهدَ نفسَهُ بالمحاسبةِ أمنَ فيها المداهنةَ» (15).
6ـ مَن حاسبَ نفسَهُ وقف على عيوبهِ و أحاطَ بذنوبهِ فاستقالَ الذنوبَ و أصلحَ العيوبَ» (16).
7ـ «مَن حاسبَ نفسَهُ سُعدَ» (17).
1.بحار الانوار، ج 74، ص 86.
2.سورة الحشر، الآية 18.
3. سورد الرعد، الآية 40.
4.سورة الجاثية، الآية 29.
5.بحار الأنوار، ج 4، ص 310.
6.سورة الاعراف، الآية 182.
7.سورة الحجرات،الآية 17.
8.بحار الانوار، ج 70، ص 64.
9. نفس المصدر، ج 8، ص 215.
10.نفس المصدر، ج 69، ص 293.
11.غرر الحکم، ج 1، ص 323، ص 68.
12.نفس المصدر، ص 63.
13. نهج البلاغة، الخطبة 42.
14.غرر الحکم، ج 1، ص 346، ص 59.
15.نفس المصدر، ص 171، ص 345.
16.نفس المصدر، ج 2، ص 324، الرقم 1273.
17.نفس المصدر، ج 2، ص 161، الرقم 2436.
نص الحديث:
« يا أباذر لا يکونُ الرجلُ من المتقينَ حتّى يحاسبَ نفسهُ أشدَّ من محاسبةِ الشريکِ شريکهُ، فيعلمَ من أينَ مطعمهُ و من أين ملبسهُ، أمن حلٍّ ذلک أم من حرام؟»(1)
رسول الله(ص)
عليکم بالصوم؛ فإنه محسمة للعروق و مذهبة للأشر
بر شما باد به روزه گرفتن که آن رگها را مي بُرد [شهوت را کم مي کند] و سرمستي را مي بَرد
ميزان الحکمة 6 / 389
لا يوجد تعليق