الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
حاول معاوية أبّان تولّيه السلطة أن يضفي بخططه وسياسته الماكرة على حكمه طابعاً دينياً إسلامياً دائماً، وكان يمنع من أن يعي الناس انحرافه عن خط السياسة الإسلامية الصحيحة، وبالرغم من انّه حرّف الإسلام عملياً واستبدل الخلافة الإسلامية البسيطة المتواضعة بالحكم الأموي الإرستقراطي وحوّل المجتمع الإسلامي إلى مجتمع غير إسلامي إلاّ أنّه كان يتظاهر بسلوكه المحافظ على تعاليم الدين و يغطي حقيقته، ويهتم بتطبيق بعض الأحكام الإسلامية في بلاطه، وماكان ليسمح بأن تتغيّر الصبغة الدينية في المجتمع.
وقد كان يدرك انّه ليس ينبغي له ـ وهو يحكم الناس بسلطان الدين ـ أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدّياً للدين الذي يحكم بسلطانه، بل عليه أن يسبغ على أعماله غشاءً دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع المنصب الذي وصل إليه، أمّاما لا يمكن تمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر.
مضافاً إلى انّه كان لمعاوية اسلوب سياسي غير عادي في معالجة الأحداث والمشاكل، فهو يعالجها بطريقة خاصة يفتقر ابنه يزيد إلى المهارة في استخدامها، وكان سيخلقهذان الأمران شكاً وترديداً في نجاح الثورة وتأثير الشهادة الإيجابي في عهد معاوية، لأنّه و في تلك الظروف سوف لن يصدر عامة الناس حكماً صائباً حول الثورة على الأمويين ولنتثار موجة الكراهية للسلطة الأموية، لأنّ الرأي العام كان ما يزال يجهل مدى انحراف معاوية عن الإسلام، ولذلك راحت بعض الشخصيات اللاواعية تعتقد انّ صراع الإمام الحسن ـ عليه السَّلام ـ مع معاوية صراع سياسي على السلطة أكثر منه على الحقّ والباطل.
إنّ الشهادة في مثل هذه الظروف لا تخدم أهداف الثورة بل يعرّض الرأي العام إلى الخطأفي الحكم والتقدير وإلى ضياع الحقيقة.
وكما لاحظنا لم يكن الجو السياسي في عهد معاوية جواً ملائماً يتمكن المصلح فيه أن يحسم أمراً في ضوء خطة معينة وأن يجد المجتمع وجهته بدقة بل كان جواً يجعل المصلح أن يكون مراقباً لتصرفات القادة الفاسدين وأن يبدي ـ و بالنظر إلى إمكانيته وطبيعة من حوله ونوع مواجهة العدو ـ رد فعل مناسب حتى تنتصر بهذا النحو الحقيقية المهزومة على الخديعة المنتصرة.
كانت هذه هي المشكلة الرئيسية في عصر الإمام الحسن.
لم يكن في ذلك العصر لما كان يعرف بالشهادة التأثير المفروض وفي الواقع تحتاج الشهادة شأنها شأن الكثير من الظواهر إلى أرضية مناسبة حتى تخرج من إطار الشهادة والإخلاص الفرديين وتأخذ لنفسها طابع ظاهرة اجتماعية مؤثرة، فيكون دم الشهيد باعثاً للحياة في شرايين الآخرين، وقد دلّت الوثائق التاريخية على أنّه لو كان الإمام يثور بجيش متثاقل متخاذل كالذي أحاط به ـ و تقدّم الحديث عنه ـ و يشهر سيفه في وجه معاوية لما كانوا يقتلونه ليكون البطل الشهيد بل كانوا يأسرونه. فقد كان معاوية يريد أن يمسح وصمة العار التي لحقته هو وعشيرته على يد جنود الإسلام بأسر واحد من أسياد آل محمد.
إذن ما كان الإمام ليصبح ـ إذا ما هزم ـ شهيداً بطلاً بقتله كما حدث في عاشوراء، بل كانيعلق بمخالب معاوية وبالتالي يتم القضاء عليه بطريقة مجهولة، وتكون هذه واحدة من تلك الخسارات الكبيرة التي تلحق موقف الحقّ وجبهته في تلك الأيام. فلو كان جيش الإمام الحسن يمنى بالهزيمة على يد جيش معاوية لكان معاوية يغير على البلاد الإسلامية ومدنها ويقوم فيها بالقتل والتنكيل بكلّ ما أُوتي من قوة لا سيما مكة والمدينة والكوفة والبصرة والحواضر الأُخرى التي كانت ضمن حدود دولة علي بن أبي طالب.
وهكذا يكون عدد القتلى ـ و على عكس نكبة عاشوراء ـ بالغاً ما لا نهاية له وما لا يمكن عده وإحصاؤه، إذن فقد كان هذا هو حقن الدماء الذي تحدث عنه الإمام(1).
ولعله ولهذه الأسباب ولتصويبه صلح الإمام الحسن امتنع الإمام الحسين عن الثورة بعد استشهاد أخيه العظيم في فترة العشر سنوات الأخيرة من عهد معاوية أي من عام 50إلى عام 60 هجرية تقريباً، و كان ـ عليه السَّلام ـ ينتظر الفرصة المناسبة بلهفة، واهتم بإعداد الناس فكرياً ونفسياً، إذ لم يكن رد فعل المجتمع الإسلامي والرأي العام معلوماً فيما إذا قام وثار في تلك الفترة.
غير انّ هذا الأمر يختلف تماماً في يزيد ـ كما سنشير إليه في سيرة الإمام الحسين ـ ليس لأنّه لا يملك نضج وحنكة ودراية الأب وسياسته فقط، بل كان بعيداً كل البعد حتى عن التظاهر بمظاهر الإسلام الذي أراد أن يحكم الناس باسمه. فقد كان شاباً طائشاً نزقاً شهوانياً عنيداً، ومن أبعد الناس عن الحذر والحيطة والتروّي، كان إنساناً صغير العقل متهوراً ماجناً لاهياً سطحي التفكير.
إنّ حياة التحلل التي عاشها قبل أن يلي الحكم والانسياق مع العاطفة وتلبية كلّ رغباته كل ذلك جعله عاجزاً عن التظاهر بالورع والتقوى والتلبس بلباس الدين بعد ان حكم المسلمين مثل ما كان يفعل أبوه، بل راح و بسبب طبيعته النزقة يعالن الناس بارتكاب المحرمات ويقارف من الآثام ويتظاهر بشرب الخمر والفساد، وكان يزيد بقدر من السذاجة السياسية بحيث كشف للناس الطبيعة الواقعية والوجه الحقيقي لحكم الأمويين الذين كانوا العدو اللدود للإسلام والمظهر التام للعودة إلى الجاهلية واحياء النظام الإرستقراطي في ذلك العصر.
وقد أثبتت المجاهرة بالفساد والإنفلات من القيود لدى يزيد انّه يفتقد الجدارة والمؤهّلات لتولّي الخلافة وقيادة المجتمع الإسلامي.
وعليه فلن يكون في وسع أنصار الحكم الأموي أن يلوّثوا ثورة الحسين أمام الرأي العام بأنّها ثورة في سبيل الملك، لأنّ العامة ترى أنّ مبررات هذه الثورة موجودة في سلوك يزيد نفسه هذا السلوك الذي لا يلتقي مع الدين على صعيد، وكان الناس ستعتبر ثورة الحسين بن علي في مثل هذه الظروف هي ثورة ابن رسول اللّه على الحكومة اللاشرعية حفاظاً على الإسلام لا لأجل الصراع السياسي ولا النزاع على السلطة!(2)
وقد كان يدرك انّه ليس ينبغي له ـ وهو يحكم الناس بسلطان الدين ـ أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدّياً للدين الذي يحكم بسلطانه، بل عليه أن يسبغ على أعماله غشاءً دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع المنصب الذي وصل إليه، أمّاما لا يمكن تمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر.
مضافاً إلى انّه كان لمعاوية اسلوب سياسي غير عادي في معالجة الأحداث والمشاكل، فهو يعالجها بطريقة خاصة يفتقر ابنه يزيد إلى المهارة في استخدامها، وكان سيخلقهذان الأمران شكاً وترديداً في نجاح الثورة وتأثير الشهادة الإيجابي في عهد معاوية، لأنّه و في تلك الظروف سوف لن يصدر عامة الناس حكماً صائباً حول الثورة على الأمويين ولنتثار موجة الكراهية للسلطة الأموية، لأنّ الرأي العام كان ما يزال يجهل مدى انحراف معاوية عن الإسلام، ولذلك راحت بعض الشخصيات اللاواعية تعتقد انّ صراع الإمام الحسن ـ عليه السَّلام ـ مع معاوية صراع سياسي على السلطة أكثر منه على الحقّ والباطل.
إنّ الشهادة في مثل هذه الظروف لا تخدم أهداف الثورة بل يعرّض الرأي العام إلى الخطأفي الحكم والتقدير وإلى ضياع الحقيقة.
وكما لاحظنا لم يكن الجو السياسي في عهد معاوية جواً ملائماً يتمكن المصلح فيه أن يحسم أمراً في ضوء خطة معينة وأن يجد المجتمع وجهته بدقة بل كان جواً يجعل المصلح أن يكون مراقباً لتصرفات القادة الفاسدين وأن يبدي ـ و بالنظر إلى إمكانيته وطبيعة من حوله ونوع مواجهة العدو ـ رد فعل مناسب حتى تنتصر بهذا النحو الحقيقية المهزومة على الخديعة المنتصرة.
كانت هذه هي المشكلة الرئيسية في عصر الإمام الحسن.
لم يكن في ذلك العصر لما كان يعرف بالشهادة التأثير المفروض وفي الواقع تحتاج الشهادة شأنها شأن الكثير من الظواهر إلى أرضية مناسبة حتى تخرج من إطار الشهادة والإخلاص الفرديين وتأخذ لنفسها طابع ظاهرة اجتماعية مؤثرة، فيكون دم الشهيد باعثاً للحياة في شرايين الآخرين، وقد دلّت الوثائق التاريخية على أنّه لو كان الإمام يثور بجيش متثاقل متخاذل كالذي أحاط به ـ و تقدّم الحديث عنه ـ و يشهر سيفه في وجه معاوية لما كانوا يقتلونه ليكون البطل الشهيد بل كانوا يأسرونه. فقد كان معاوية يريد أن يمسح وصمة العار التي لحقته هو وعشيرته على يد جنود الإسلام بأسر واحد من أسياد آل محمد.
إذن ما كان الإمام ليصبح ـ إذا ما هزم ـ شهيداً بطلاً بقتله كما حدث في عاشوراء، بل كانيعلق بمخالب معاوية وبالتالي يتم القضاء عليه بطريقة مجهولة، وتكون هذه واحدة من تلك الخسارات الكبيرة التي تلحق موقف الحقّ وجبهته في تلك الأيام. فلو كان جيش الإمام الحسن يمنى بالهزيمة على يد جيش معاوية لكان معاوية يغير على البلاد الإسلامية ومدنها ويقوم فيها بالقتل والتنكيل بكلّ ما أُوتي من قوة لا سيما مكة والمدينة والكوفة والبصرة والحواضر الأُخرى التي كانت ضمن حدود دولة علي بن أبي طالب.
وهكذا يكون عدد القتلى ـ و على عكس نكبة عاشوراء ـ بالغاً ما لا نهاية له وما لا يمكن عده وإحصاؤه، إذن فقد كان هذا هو حقن الدماء الذي تحدث عنه الإمام(1).
ولعله ولهذه الأسباب ولتصويبه صلح الإمام الحسن امتنع الإمام الحسين عن الثورة بعد استشهاد أخيه العظيم في فترة العشر سنوات الأخيرة من عهد معاوية أي من عام 50إلى عام 60 هجرية تقريباً، و كان ـ عليه السَّلام ـ ينتظر الفرصة المناسبة بلهفة، واهتم بإعداد الناس فكرياً ونفسياً، إذ لم يكن رد فعل المجتمع الإسلامي والرأي العام معلوماً فيما إذا قام وثار في تلك الفترة.
غير انّ هذا الأمر يختلف تماماً في يزيد ـ كما سنشير إليه في سيرة الإمام الحسين ـ ليس لأنّه لا يملك نضج وحنكة ودراية الأب وسياسته فقط، بل كان بعيداً كل البعد حتى عن التظاهر بمظاهر الإسلام الذي أراد أن يحكم الناس باسمه. فقد كان شاباً طائشاً نزقاً شهوانياً عنيداً، ومن أبعد الناس عن الحذر والحيطة والتروّي، كان إنساناً صغير العقل متهوراً ماجناً لاهياً سطحي التفكير.
إنّ حياة التحلل التي عاشها قبل أن يلي الحكم والانسياق مع العاطفة وتلبية كلّ رغباته كل ذلك جعله عاجزاً عن التظاهر بالورع والتقوى والتلبس بلباس الدين بعد ان حكم المسلمين مثل ما كان يفعل أبوه، بل راح و بسبب طبيعته النزقة يعالن الناس بارتكاب المحرمات ويقارف من الآثام ويتظاهر بشرب الخمر والفساد، وكان يزيد بقدر من السذاجة السياسية بحيث كشف للناس الطبيعة الواقعية والوجه الحقيقي لحكم الأمويين الذين كانوا العدو اللدود للإسلام والمظهر التام للعودة إلى الجاهلية واحياء النظام الإرستقراطي في ذلك العصر.
وقد أثبتت المجاهرة بالفساد والإنفلات من القيود لدى يزيد انّه يفتقد الجدارة والمؤهّلات لتولّي الخلافة وقيادة المجتمع الإسلامي.
وعليه فلن يكون في وسع أنصار الحكم الأموي أن يلوّثوا ثورة الحسين أمام الرأي العام بأنّها ثورة في سبيل الملك، لأنّ العامة ترى أنّ مبررات هذه الثورة موجودة في سلوك يزيد نفسه هذا السلوك الذي لا يلتقي مع الدين على صعيد، وكان الناس ستعتبر ثورة الحسين بن علي في مثل هذه الظروف هي ثورة ابن رسول اللّه على الحكومة اللاشرعية حفاظاً على الإسلام لا لأجل الصراع السياسي ولا النزاع على السلطة!(2)
لا يوجد تعليق