137/ أين يقع المشرقان والمغربان ؟

الجواب :

ورد المشرق والمغرب في القرآن الکريم بصيغة التثنية کما في الآية الآنفة ، وورد بصيغة الجمع أيضاً کقوله تعالى :)فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ( [المعارج: 40] ، وقوله :)وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ کَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَکْنَا فِيهَا( [الأعراف: 137] .

وبهذا يکون المشرق والمغرب قد استعملا بصيغة الجمع الکاشفة عن وجود أفراد متعددة له ، وبصيغة التثنية الحاکية عن فردين اثنين ، وذکر المفسرون معنيين لذلک :

1- المراد من المشرقين والمغربين مشرقا ومغربا نصفي الکرة الأرضية ؛ أي نصفا الکرة الشمالي والجنوبي ونصفاها الشرقي والغربي ، حتى ذهب البعض الى أن هذه الآية تشير الى وجود نصف کرةٍ جديدٍ هو قارة أمريکا ، وذلک قبل اکتشافها ، وهذا الموضوع خارج عن دائرة بحثنا .

وعلى هذا الأساس ، يکون المراد من المشارق والمغارب نقاط الکرة الأرضية المختلفة ، فکلّ نقطةٍ تکون مشرقاً لنقطةٍ ما ومغرباً لنقطةٍ أخرى .

وبعبارةٍ أخرى : إحدى خواص کروية الأرض أن أي نقطةٍ تقع الى الغرب من نقطةٍ أخرى تعتبر مشرقاً بالنسبة لها ، کما وتعتبر مغرباً بالنسبة للنقطة المقابلة ؛ لذا ذهب البعض الى أن هذه الآيات تشير الى کروية الأرض .

2- المقصود من تعدد المشارق والمغارب تعدد نقطة الشروق والغروب الحقيقي للشمس ؛ ذلک أن الشمس لا تشرق من نقطةٍ واحدةٍ ولا تغرب کذلک ، بل إنها کلّ يوم تشرق من نقطةٍ تختلف عن سابقتها وتغرب کذلک ؛ بسبب ميلها الى الشمال والجنوب نتيجة ميل محور الأرض عن سطح دورانها حول الشمس . بناء على هذا ، إن أخذنا بنظر الاعتبار مجموعة نقاط الشروق والغروب المختلفة تحتّم علينا التعبير ﺑ "المشارق" و "المغارب" ، وإن نظرنا الى آخر نقطةٍ للميل الشمالي الأعظم للشمس (أول الصيف) وآخر نقطةٍ للميل الجنوبي الأعظم لها (أول الشتاء) وجب علينا التعبير ﺑ "المشرقين" و "المغربين" ، وهذه من روائع ابتکارات القرآن الکريم ، حيث لفت أنظار الناس الى أسرار الخلقة العجيبة في جمل ٍ مقتضبةٍ وموجزةٍ ؛ لأننا نعلم مدى التأثير الکبير لتغيير مواضع شروق الشمس وغروبها على نمو النباتات ونضوج الفواکه ، بل على الوضع العام للموجودات الحية بأسرها وجمالية عالم الخلقة عموماً .

 

82/ لماذا لا يجوز اعطاء القرآن لغير المسلم ؟

الجواب :

عندما يکون الهدف من إعطاء القرآن لغير المسلم هدايته وجذبه للاسلام وتعريفه به , ولم تجزِ ترجمة القرآن الکريم عن تحقيق هذا الهدف ,فلا مانع حينئذٍ من تسليمه القرآن ؛ وإلا منع ذلک لأن أوضح دليل على أحقية الاسلام ومعجزة النبي الخالدة هو القرآن الباقي کدليل حيّ على مدى العصور والقرون , والطريق الأمثل للاستفادة منه طبعه وتوزيعه في شتى أرجاء المعمورة ليتسنى لطلاب الحق والحقيقة التعرف على الدين الاسلامي الحنيف في ظلّ آياته الشريفة ؛ وهذا – بحدّ ذاته – دليل على أبدية هذا الکتاب , وهو أن يقدم لکافة الأمم والشعوب في کل عصر ومصر لمطالعة آياته والارتواء من هذا النمهل الطاهر.

إن القرآن الکريم يأمر النبي (ص) بالسماح لمن يرغب من المشرکين بالاستماع الى کلام الله تعالى حتى أثناء الحرب بالحضور بين المسلمين وإجارته وتلاوة القرآن على مسامعه , وإن أراد العودة الى صفوف المشرکين فله ذلک .

وبالنظر الى ذلک , فان حفظ حرمة القرآن الکريم من التعرض للاهانة واجب على کل مسلم ؛ ومتى ما احتملنا قيام الکافر بهتک حرمته والتجاوز عليه فلا ينبغي جعله تحت تصرفه , واذا ما أصبح تحت تصرفه يجب استعادته منه بشتى السبل المتاحة ؛ والظاهر أن مراد الفقهاء من قولهم : لا يجوز اعطاء القرآن للکافر , هذه الصورة الأخيرة لا الصورة السابقة التي يراد منها الهداية .

وبإيجاز , يجب أن يکون القرآن بعيداً عن متناول الأيادي القذرة إلا اذا احتمل هدايتهم للاسلام , فحينئذٍ يجوز تزويدهم بنسخة منه .

--------------------------

1) "وإن أحد من المشرکين استجارک فأجره حتى يسمع کلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلک بأنهم قوم لا يعلمون " (التوبة : 6 ) .

136/ ما المراد من السماوات السبع ؟

الجواب :

ذکر العلماء والمفسرون عدّة تفاسير للسماوات السبع التي ورد ذکرها في القرآن الکريم :

1- المراد من "السبع" هنا الکثرة لا غير، ، أي السماوات المتعددة ، فيکون الله تعالى خلق عدّة سماوات ؛ وهذا غالباً ما يستعمل في اللغة العربية وغيرها ، إذ يذکر عدد بعينه ولا يراد منه خصوص المقدار المذکور ، بل يراد بيان کثرة الشيء .

فعلى سبيل المثال ، کثيراً ما نقول : کلمتک بکذا سبعين مرة ، أو طالتبته عشر مرات ؛ في حين لا نقصد من ذلک خصوص السبعين والعشرة بعينها ، بل المقصود کثيراً ما تحدثت في الموضوع الکذائي ، وکثيراً ما طالبت الشخص المقابل .

وکشاهدٍ على ذلک قال تعالى بشأن کلمات أو معلومات الباري جلّ وعلا : )وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ کَلِمَاتُ اللَّهِ( [لقمان: 27] ، فمن البديهي أن العدد "سبعة" جيء به لبيان الکثرة والتعدد ؛ وإلا فنحن نعلم أنه لو أضيفت الى تلک الأبحر عشرة أو مائة أخرى لم تنفد کلمات الله أيضاً ؛ لأنه تعالى غير متناهٍ في کلّ الأحوال .

وکذلک الأعداد الأخرى نحو "سبعين" وغيرها ، حيث استعملت في القرآن واللغة العربية وغيرها من اللغات بهدف الکثرة ، ولا خصوصية فيها لنفس العدد .

2- المقصود من السماوات السبع الکواکب المعروفة للناس أثناء نزول القرآن الکريم ، أو الکواکب المرئية الآن من قبل الجميع بالعين المجردة .

3- المراد من السماوات السبع طبقات الهواء المختلفة المحيطة بالأرض .

4- يعتقد کبار العلماء أن جميع الکواکب والأجرام السماوية والمجرّات المرئية هي جزء من السماء الأولى ، وثمة ستة عوالم أخرى وراء هذا العالم .

إن مراد القرآن من السماوات السبع هو مجموع العوالم السبع الموجودة في الکون ، وإن لم يتمکن العلم الحديث إلا من الکشف عن واحدٍ منها فقط ؛ فلا مانع من اکتشاف العوالم الستة الأخرى مستقبلاً نتيجة استکمال العلوم الانسانية . ويستشهد أصحاب هذه العقيدة بقوله تعالى : )إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْکَوَاکِبِ([الصافات:6] ، حيث يستفاد من هذه الآية أن جميع الکواکب واقعة في السماء الأولى ( مع العلم أن الدنيا لغةً تعني : السفلى والقريبة) .

وعلى أية حال ، لا بدّ من التنويه الى نقطةٍ مهمةٍ هي أن الآيات والروايات الدالّة على وجود سبع سماوات لا تدلّ بوجهٍ من الوجوه على صحة نظرية هيئة بطليموس القائمة على أن السماوات تتکون من أفلاک کطبقات قشر البصل ؛ إذ إن تلک النظرية تعتبر السماوات تسعة لا سبعة .

أما فيما يتعلق بالأرضين السبع التي تعرض لها القرآن الکريم من باب الاشارة وتطرقت لها بعض الأحاديث بصراحة ، فهناک نظريات مشابهة للنظريات المذکورة في السماوات ، منها أن الرقم "سبعة" إنما ذکر للکثرة فحسب ، أو أنه يشير الى الطبقات المختلفة للأرض ، أو أن المراد منها هي الکواکب السبعة : عطارد ، الزهرة ، زحل ، الأرض ، المريخ ، المشتري والقمر ؛ أي کواکب المنظومة الشمسية المرئية بالنسبة لنا ( فثمة کواکب أخرى في المنظومة الشمسية بيد أنها لا ترى بالعين المجردة ).

وبناء على هذا التفسير ، فالمراد من السماوات السبع هو الفضاء الموجود فوق کلّ واحدٍ من تلک الکواکب السبعة . وبعبارةٍ أخرى : يعتبر کل واحد من تلک الکواکب أرضاً ، والفضاء المحيط بها سماءً لها ، مع العلم أن السماء تعني الشيء العالي والسامي .

هذا موجز لتفسير العلماء والمفسرين للسماوات السبع والأرضين السبع ، وأما الأدلة والقرائن التي نصبها کل واحدٍ لدعم النظرية التي يتبناها ، خاصة النظرية الأخيرة التي تبدو أقرب الى الواقع ، فهي ما يحتاج الى بسط الکلام بما لا يتسع له المجال هنا ، فيرجى مراجعة کتب التفسير لذلک الغرض .   

135/ ما المقصود بخلق السموات والأرض في ستّة أيام ؟

الجواب :

إن هذا السؤال يتضمن شقّين : الشقّ الأول : تعيين المراد من الستة أيام ، في حين ليس ثمة وجود لليوم والليلة في بداية الخلقة ؟

والجواب عن هذا الشقّ من السؤال هو أن للفظ "يوم" معاني عدّة يتمّ تحديدها من خلال سياق الجملة الوارد فيها ، وعادةً ما يستعمل في معناه المشهور المقابل ﻟ "الليل" ، وهو ما ورد کثيراً في القرآن الکريم ؛ لکنّه يستعمل أحياناً بمعنى "العصر والعهد" أي مرحلة زمنية خاصة ، بحيث لو کان لشيءٍ ما مراحل زمنية متعددة يطلق على کل واحدة منها لفظ "يوم" .

فعلى سبيل المثال ، يقول الرجل المسنّ: "يوماً کنت طفلاً صغيراً ، ويوماً کنت شاباً يافعاً ، واليوم أنا شيخ کبير" ؛ فبما أن هذه المراحل الزمنية متسلسلة ومتصلة ببعضها البعض تسلسل حلقات السلسلة الواحدة يعبّر عن کل واحدة منها بلفظ "يوم" .

وقال الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) : "الدهر يومان : يوم لک ويوم عليک" [نهج البلاغة: خ72 ] ، أي أن الانسان طيلة حياته يمرّ بمرحلتين مختلفتين : تارةً تسير الأمور لصالحه وأخرى على عکس ذلک .

وعلى هذا الأساس ، فالمراد من "ستة أيام" في الآية الشريفة التي خلق الله فيها السموات والأرض ستة عصور ومراحل زمنية مختلفة مرّت بها السموات والأرض الى أن وصلت الى شکلها الفعلي ؛ أي إن هذا الوضع الفعلي للأرض والأجرام السماوية ناتج عن سلسلة من التحولات المتسلسلة التي مرّت بها ، وفي المحصلة وبعد قطع هذه المراحل ظهرت بصورتها الراهنة . ثم إن کل من هذه المراحل ربما تستغرق عشرة ملاين سنة أو عشرة مليارات أو غير ذلک .

أما الشقّ الثاني من السؤال فهو : لماذا لم يخلق الله تعالى السموات والأرض في لحظةٍ واحدةٍ ، وجرى خلقها بشکل ٍ تدريجيٍّ ؟

والجواب على ذلک : إن العالم الذي نعيش فيه هو عالم المادة ، والتکامل التدريجي من الآثار الملازمة للوجود المادي ، والأمور المادية بطبيعتها تتحول من صورةٍ الى أخرى وتنتقل من مرحلةٍ الى أخرى بمرور الزمن وتعاقب العصور ، وبالتالي تظهر بشکل حالةٍ متکاملةٍ ؛ والسموات والأرض غير مستثناة من هذا القانون .

فاذا ما أخذتم أيّاً من الظواهر المادية بنظر الاعتبار فستلاحظون أنها تسلّقت سلّم التکامل تدريجياً ، فهذه النباتات والأشجار مثلاً تظهر بشکل أزهار وأشجار باسقة ومثمرة بعد مضيّ زمن ٍ معين ٍ ومرورها بمراحل عدّة ، وهکذا المعادن والثروات الطبيعية في باطن الأرض لا تظهر بشکلها النهائي إلا بعد حدوث تفاعلات کثيرة عليها ، وکذا الحيوان والانسان فما لم يقضيان مرحلة الجنين في رحم الأم لمدةٍ محددةٍ لا يستطيعان الوصول الى هذا العالم المترامي الأطراف . وهذا القانون سائد في جميع أرکان عالم المادة بلا استثناء .

 

134/ ما الداعي الى طلب الهداية الى الصراط المستقيم ؟

الجواب :

إن العالم برمّته – بما فيه من ظواهر مادّية ومعنوية – عرضة للتغيير والزوال ، وکما أن أساس نشوء ظاهرةٍ ما إنما يحصل في ظروفٍ خاصةٍ وهي معلولة لعلةٍ خاصةٍ ، فکذلک استمرار وجودها يتطلب توفر شروطٍ خاصةٍ من أجل البقاء ومقاومة الفناء .

وموضوع الهداية الى الصراط المستقيم من هذا الباب أيضاً ، فان ديمومة الهداية للفرد أو المجتمع تتطلب شروطاً خاصةً ؛ وإلا فمن المحتمل أن يزيغ الفرد المهتدي عن جادّة الصواب مستقبلاً ، فيضلّ بعد إذ هُدي .

بناء على هذا ، مهما کان الفرد أو المجتمع على درجةٍ عاليةٍ من الهداية ويتمتع بعقائد رصينة فان مستقبله غامض من هذه الناحية .ويجب عليه استثمار الوضع الراهن والتوجه الى بارئه بالتضرّع اليه في أن يتمّ نعمته عليه حتى آخر لحظةٍ في عمره ، وأن لا يسلبه إياها طيلة حياته .

واذا ما قال المهتدي : "اهدنا الصراط المستقيم " ، فالقصد من ذلک : ثبّتنا على الصراط المستقيم ، وأدم تلک النعمة علينا .

ولقد ضرب المفسر الکبير العلامة الطبرسي في تفسيره أمثلة على ذلک فقال : "وهذا کما يقول القائل لغيره وهو يأکل : کل ، أي دم على الأکل" [تفسير مجمع البيان :1/ 66].

 

133/ هل الأديان الأخرى غير الاسلام على حقّ ؟

الجواب :

ينبغي علينا أولاً التطرّق الى النصوص القرآنية المشار اليها کاملةً قبل بسط الکلام في معناها وتفسيرها ، وهي کما يلي :

1-     )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ([1] .

2-        )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ([2].

3-     )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَکُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ([3].

يمکن التصور أول وهلة أن هذه الآيات الشريفة بصدد إثبات أن أتباع تلک الأديان يفلحون برضا الله جلّ وعلا إن هم حافظوا على إيمانهم بالله واليوم الآخر وواظبوا على أداء الأعمال الصالحة ، ما يعني أن أديانهم لم تنسخ بعد حتى مع مجيء الاسلام ، بل کل واحد منها يمثل سبيلاً الى الله تعالى ، وبوسع الانسان سلوک أي واحدٍ من تلک السبل المتعددة ليصل اليه تعالى ولا يتعين عليه اتبّاع شريعة بعينها کالاسلام مثلاً . هذا ما يکرره من لا يمتلک من القرآن إلا معلومات سطحية .

لکن ينبغي الالتفات الى أن أساس تفسير آيةٍ ما لا يبتني على النظر اليها بمفردها وبمعزلٍ عن باقي الآيات القرآنية ، بل لا بدّ من الرجوع الى شأن نزول تلک الآية والأخذ بنظر الاعتبار الآيات السابقة والتالية لها ، بل يجب أخذ کافة الآيات القرآنية بالحسبان .

واذا کان من الصحيح البقاء على الأديان السماوية السابقة للاسلام -ففضلاً عن لغوية تشريع دينٍ جديدٍ باسم الاسلام – تنتفي الغاية من إرسال النبي (ص) مکاتيب الى ملوک زمانه وأمراء عصره وبعث الرسل إليهم لدعوتهم الى الدين الاسلامي الحنيف ، معتبراً دينه ديناً عالمياً وشريعته شريعةً خاتمةً للشرائع .

إن کتب النبي (ص) ودعواته المتواصلة وجهاد المسلمين المضني لأهل الکتاب في عصر النبي (ص) وبعده وما وصلنا من أحاديث مستفيضة عن أئمة أهل البيت (ع) في هذا المجال ، تکشف جميعاً عن أن ظهور الاسلام ختم ما قبله من الأديان ، ولم يعد هناک رسالة سوى الرسالة الاسلامية ونبوة غير نبوة النبي محمد (ص) .

أما الآن فيجب استجلاء الهدف من نزول تلک الآيات القرآنية ، وهي في الحقيقة تبيّن حقيقتين ، الأولى إجمالية والأخرى تفصيلية :

1- إن کان اليهود والنصارى يؤمنون بالله والقيامة حقاً ولا يراؤون في تدينهم ، يلزم عليهم الايمان بنبوة نبي الاسلام النبي محمد (ص) وفقاً لما جاء في کتبهم من توراة وإنجيل وغيرها ؛ لأنها بشّرت بظهوره وذکرت علامات ذلک حتى أنهم صاروا يعرفونه کما يعرفون أبناءهم [4].

والطريف أن القرآن الکريم أوضح هذه الحقيقة في سورة المائدة قبل الآية المذکورة آنفاً فقال تعالى :

)قُلْ يَا أَهْلَ الْکِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ([5].

فالمقصود باقامة هذه الکتب السماوية العمل بمحتوياتها ، وأحد محتوياتها نبوة النبي محمد (ص) ورسالته العالمية التي طالما ذکرها القرآن الکريم . ولو کان أولئک يؤمنون بالله واليوم الآخر بحقٍّ لکان عليهم الايمان بالرسالة النبوية التي تعتبر جزءً من التعاليم الالهية في کتب العهدين ، وفي هذه الحالة يصبحون من المسلمين بلا شک ويؤجرون على اتّباعهم تعاليم النبي (ص) .

وباختصار: لا ينفکّ الايمان بالله تعالى واليوم الآخر عن الايمان بالکتب السماوية المساوق للايمان بنبوة خاتم الأنبياء الرسل ؛ ومن يؤمن بذلک يغدو مسلماً ولا يمکنه البقاء على المسيحية .

2- مع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات السابقة للآية المذکورة من سورة البقرة يتضح أن هذه الآية تتعلق بتلک الفئة من الناس الذين کانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر في عصر الأنبياء السالفين ويسيرون في ضوء تعاليمهم ، في مقابل من زاغ عن جادّة الصواب وأخذ بعبادة العجل حتى بلغت بهم الجرأة أن يقولوا للنبي موسى (ع) وبکل صراحة : )يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً([6] . ونتيجة لهذا السلوک الشائن شملهم الغضب الالهي فقال تعالى :)وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْکَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَانُوا يَکْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا يَعْتَدُونَ([7].

فلأجل أن يبين الله تعالى أن حساب من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من أهل الکتاب يختلف عن غيرهم وأنهم لاخوف عليهم ولا هم يحزنون أنزل تلک الآيات على نبيه الکريم (ص) .

وفي هذه الحالة لا تشمل الآيات الآنفة من يعيش في عصر الرسالة النبوية ، بل تقتصر على من تتوفر فيه الشروط المذکورة من أهل الکتاب ممن کان موجوداً قبل البعثة النبوية الشريفة .

ومن ناحية أخرى فان شأن نزول الآية يلعب دوراً أکبر في معرفة المراد منها ؛ فبعد نزول القرآن وبعثة نبي الرحمة (ص) تساءل بعض المسلمين عن أجدادهم الذين کانوا يعتنقون ديناً آخر بعد أن علموا أن الاسلام هو الدين الحقّ وطريق النجاة الأوحد !

هنالک نزلت هذه الآية الشريفة لتعلن أن من کان يؤمن بالله واليوم الآخر ونبي زمانه وعمل صالحاً هو من أهل النجاة والفلاح ولا بأس عليه .

لما أسلم سلمان على يدي النبي (ص) تحدث له عن رفاقه من الرهبان في دير الموصل فقال له : کان جميع الرهبان هناک ينتظرون بعثتک لکنهم توفوا قبل وقوعها ، فقال له أحد الحاضرين في المجلس : أولئک من أهل النار . فاغتمّ سلمان من ذلک ، فنزلت تلک الآية الشريفة على النبي (ص) موضحةً أن من آمن بالأديان السابقة ايماناً حقيقياً لا خوف عليه من دخول النار ، وان لم يدرک عصر الرسالة النبوية .

وباختصار : من عاش قبل الاسلام وآمن بالدين الموجود آنذاک ايماناً راسخاً سينجو من أهوال يوم القيامة ، وعليه لا تمتّ الآية بصلةٍ الى القول بأن أتباع کافة الأديان الأخرى سينجون يوم القيامة ، وهکذا تفسير يعکس مدى الجهل بمفاد هذه الآية والآيات الأخرى ذات الصلة .

وبقطع النظر عن کل ذلک ، فان الآية الثالثة (الآية 17 من سورة الحج) لا ترتبط من قريب أو من بعيد بادعاءٍ کهذا ؛ فلا تدلّ على أکثر من أن الله تعالى يفصل بين أتباع الديانات المختلفة يوم القيامة ، ولا دلالة فيه على نجاة معتنقي جميع الأديان إذ ذاک [8].


 

------------------------------------

[1] البقرة :62.

[2] المائدة :69.

[3] الحج :17.

[4] انظر : البقرة /146 والأنعام/ 20 .

[5] المائدة :68.

[6] البقرة: 55.

[7] البقرة: 61.

[8] لمزيد من الايضاح يرجى مراجعة "التفسير الأمثل في کتاب الله المنزّل" لسماحة آية الله العظمى مکارم الشيرازي .

 

132/ ألا يعدّ تشريع وجوب مساعدة الفقراء دالاً على لزوم وجود الفقر ؟

الجواب :
أولاً : أشير في الأحاديث المتعلقة بالحقوق الاسلامية کالزکاة مثلاً الى أن الفقر والفاقة ينعدمان في المجتمع الاسلامي المبتني على أسس سليمة وصحيحة ، واذا ما أدى الناس تلک الحقوق التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليهم ما بقي من الفقر في المجتمع عين ولا أثر .
قال الامام الصادق عليه السلام :
"لو أن الناس أدّوا زکاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً ، ولاستغنى بما فرض الله له ، وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء" .
ويتضح من خلال التدقيق في هذه الفئة من الأحاديث أن الفقر إنما نشأ من جحود الأغنياء والموسرين للحقوق المفروضة عليهم .
بناء على هذا ، اعتبر الاسلام الفقر ضرباً من ضروب والانحراف والشذوذ الناتج عن عدم التزام المجتمع بالواجبات الملقاة على عاتقه ، لا أنه يعتبره ضرورة أو ظاهرة اجتماعية ملازمة للنسيج الاجتماعي .
ثانياً : لم ينشأ الاسلام -بداية ظهوره- في مجتمع سليم ، بل إنما نشأ في مجتمع عليل وزاخر بشتى ألوان التمييز والجور والتجاوز بکل ما للکلمة من معنى . لذا فقوانينه الوهاجة وتعاليمه السامية نزلت في تلک البيئة الموبوءة ، وکانت رسالته تتمثل بالنهوض بذلک المجتمع المنحطّ الى مجتمع مثاليّ . وبغية نيل ذلک الهدف المنشود کان عليه إعداد منهج يستطيع من خلاله استئصال الفقر والجوع تدريجياً ؛ لأنه کان متوغلاً الى أعماق المجتمع البشري آنذاک . فکان من اللازم القضاء عليه وفقاً لبرنامج اسلامي صحيح .
ثالثاً : يبرز في کل مجتمع عدد من الانتهازيين والوصولييين الذين يحاولون المساس بکرامته وزعزعة أمنه . وللوقوف بوجه هؤلاء والحؤول دون تنفيذ مآربهم الخبيثة لا بد من الاتيان بمشروع والقيام ببرنامج في مواجهتهم .
على سبيل المثال ، يوجد في الاسلام بل في کافة المجتمعات المتحضرة قوانين في القصاص والحدود وأنواع العقوبات لجرائم القتل والسرقة والزنا وما شاکل . أيستطيع أحد أن يستدل بوجود مثل هذه القوانين على ضرورة وجود القتل والسرقة والزنا وغيرها في هذا المجتمع ، وإلا غدا تشريع هذه القوانين لغواً ؟
کلا ، فکل منصف يبرّر وجود هذه القوانين کما يلي :
المجتمع المؤلف من أفراد مختلفين عن بعضهم البعض ولا يحکمهم نظام إجباري ، ربما يظهر فيه بعض المجرمين ومنتهکي القوانين ، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار نوع العقوبات التي ينبغي اتخاذها بحقهم .
کما أن وجود الطبيب والدواء ليس دليلاً على لزوم وجود مريض في المجتمع ، بل الهدف منه علاج المرضى في حالة وجودهم .
وکذا الحال في قضية مساعدة الفقراء والمساکين ، فالهدف من التخطيط لمساعدتهم لا يدل بالضرورة على وجود الفقراء في المجتمع ، بل مفهوم ذلک هو : إن وجد مثل هؤلاء الأفراد نتيجة إجحاف الآخرين بحقهم يجب المسارعة الى مدّ يد العون لهم وإنقاذهم ممّا هم فيه .
بالاضافة الى ذلک ، يضمّ المجتمع عادة أفراداً يحتاجون الى الدعم والحماية کاليتيم وعائلة من استشهد في ميادين الجهاد والکهول من الرجال والنساء والعاطلين عن العمل وغيرهم ، فکل هؤلاء فقدوا القدرة على مواصلة الحياة بمفردهم ، ويجب تأمين مخارج حياتهم من بيت المال أو من مساعدات الموسرين ؛ لأنهم لا يکتنزون لأنفسهم شيئاً ولا يتمتعون بمزايا راتب تقاعدي ونحو ذلک مما يوفر لهم الحياة الکريمة .
وعليه فالحديث عن مساعدة الفقراء في الاسلام يقع في هذا الاطار .

131/ أتجب صلة الرحم على کل حال ؟

الجواب :

نحن نعلم أن الأسرة عبارة عن عن مجتمع مصغر ؛ فکما أن الروابط في المجتمع الکبير ذات تأثير واسع في رقيّ الانسان على الأصعدة المادية والمعنوية ، فان عمق الروابط في هذا المجتمع المصغر لا تقل تأثيراً عن سابقتها . وعلى هذا الأساس أولى الاسلام – وهو الدين الاجتماعي – موضوع صلة الرحم أهمية قصوى ، فجعله من الواجبات ، واعتبر قطع صلة الرحم من الکبائر .

وحسبنا في هذا الموضوع تأکيد القرآن الکريم عليه في عدة مواضع من کلام الله المجيد ،مؤکداً أن الانسان يسأل يوم القيامة عن هذه الفريضة . قال تعالى : )وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَيْکُمْ رَقِيباً((النساء: 1) .

" وعن أبي عبد الله (ع) أن رجلاً أتى النبي (ص) فقال : يا رسول الله ، أهل بيتي أبو إلاّ توثباً عليّ ، وقطيعة لي وشتيمة ، فأرفضهم ؟ قال : اذاً يرفضکم الله جميعاً . قال : فکيف أصنع ؟ قال : تصل من قطعک ، وتعطي من حرمک ، وتعفو عمّن ظلمک ، فانک اذا فعلت ذلک کان لک من الله عليهم ظهيراً " (الکافي :2/ 150) .

کما أکد النبي (ص) على أهمية هذا الموضوع في حديث آخر ، فعن أبي جعفر (ع) قال :" قال رسول الله (ص) أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء الى يوم القيامة ، أن يصل الرحم وإن کانت منه على مسيرة سنة ، فان ذلک من الدين " (الکافي :2/ 151) .

ولا شک في أن القيام بأي فريضة مشروط بعدم التفريط بما هو أهم منها ، وموضوع صلة الرحم غير مستثنى من هذا القانون .

فاذا کان هذا الارتباط مع الأرحام الذين لا يبدون اهتماماً يذکر بالأحکام الدينية مؤدياً الى إعادة نظرهم في آرائهم وتصرفاتهم ، ومن ثم اتجاههم نحو رعاية الموازين الشرعية شيئاً فشيئاً ، ولا أقل من أن هذه العلقة لا تترک آثاراً سلبية على نفس الانسان ووضعه العائلي ، يلزم هنا المواظبة على صلة الرحم والقيام بهذه الفريضة الالهية .

أما لو حصل العکس ، فبدلاً من أن يؤثر الانسان على أرحامه ، ربما يترک التواصل معهم أثراً سلبياً عليه أو على أحد أفراد أسرته کانشغافه بأفکارهم السلبية ، يتحتم عليه في هذه الصورة قطع العلاقة معهم مؤقتاً وعدم المخاطرة بحياته وسعادته ، فوجود الأهم يحول دون وجود المهم .

130/ أيلزم ارتفاع سنّ الزواج بالنسبة الى الفتية والفتيات ؟

الجواب :

أولاً: إن البلوغ وسنّ زواج الفتيات والفتيان ليس أمراً وضعياً ليتسنى لنا وضع أطر خاصة له ، بل هو أمر طبيعي وفطري وخارج عن نطاق إرادتنا ؛ فکل فتاة أو فتى يصلون سنّ البلوغ في مرحلة خاصة من حياتهم ، وبذلک يفتح أمامهم فصل جديد من الحياة . إن کتاب الطبيعة حدد قبلنا بداية هذا الفصل ، ولن يتراجع عن ذلک قيد أنملة بقراراتنا وبياناتنا !

يبدأ البلوغ لدى الانسان بحدوث تغيرات جسدية ونفسية کبيرة ؛ فيحدث تغير في الطول ، وتزداد القدرة الانسانية لدى الشخص البالغ ، ويتغير شکل أعضائه عما سبق ، وتزداد رغباته في العيش ، وتنمو لديه الغرائز الجنسية کنمو أزهار الربيع ؛ فيزداد احساسه بالحاجة الى الزوجة (أو الزوج للفتاة ) ، کما تکبر عظام بدنه ويحصل تغير ملحوظ في نبرة صوته .

بناء على هذا ، فان کتاب الخلقة حدد ذلک بوضوح ، وإن أردنا الوقوف على الحقيقة فبدلاً من الرجوع الى هذا وذاک ما علينا إلا فتح کتاب الخلقة ومطالعة الصفحة المرتبطة بمرحلة البلوغ ونشوء الرغبة الجنسية ، بغية تحديد السنّ القانونية للزواج وفقاً لسنة الخلقة وقانونها ، وعلينا أن نبتعد عن کل ألوان التخيلات والسوفسطائية .

وأما من أبى مطالعة کتاب الفطرة ودفتر الخلقة معتبراً أن مسألة البلوغ أمر وضعي ومتصوراً أن الحقائق تابعة للأفکار والوضع ، فهو بمثابة من أعلن حرباً على قانون الخلقة ، وسيهزم في نهاية المطاف ؛ لأن سنن الخلقة لا تتغير بمجرد کلام الغافلين عن أصول الخلقة . وکما أن نشوء الجنين وتکامله في الرحم يستغرق زهاء تسعة أشهر ، ومن يجتمع لسنّ قانون يلزم باستکمال الجنين مراحل نموه في رحم أمه في سنة کاملة کالعابث فيما لا يعنيه ، فان محاولة تغيير سنّ البلوغ – وهو من سنن الخلقة – لا تعدو عن الهراء .

إن البيان الختامي للمؤتمر المذکور يشبه الى حدّ بعيد ما لو اجتمع أصحاب حقول الدواجن وقالوا : بما أن العالم اليوم يواجه أزمة اقتصادية في لحوم الدواجن ، يجب أن يفقس بيض الدجاج في مدة أقصاها عشرة أيام بدلاً من واحد وعشرين يوماً ، ليتضاعف إنتاج اللحوم في العالم ويسدّ حاجة المجتمع ! لما قال رسول الله (ص) :"لا تعادوا الأيام فتعاديکم" کان يقصد من ذلک : لا تحاربوا السنن الالهية للخلقة ؛ لأنکم لن تحصدوا إلا الخيبة والخسران .

ثانياً: يجب ملاحظة جميع الجوانب أثناء تدوين القانون ؛ فمعدل سنّ البلوغ الجنسي في بلدنا هو 14 سنة للفتيات و16 سنة للفتيان ، حيث تنمو الغريزة الجنسية لديهم في هذه المرحلة . وعندما يرفع سنّ الزواج ما هو مصيرهم خلال مدة حرمانهم من الزواج ؟ فإما أن يلجأوا الى الممارسات اللا مشروعة التي ستجلب الويلات للمجتمع ؛ وإما أن يقاوموا هذه الغريزة مدة طويلة ، وعلى فرض استطاعة الجميع ذلک ، إلا أنها ستترک آثاراً وخيمة على حالاتهم النفسية .

ثالثاً: أتعلمون أن الزواج يفجر الطاقات المکنونة ، فالمتأهلون يفکرون بطريقة أفضل من العازبين ، أما الشاب الذي يحترق بنار الشهوة ولا يجد وسيلة مشروعة لإطفائها فلا يتمکن من التفکير بصورة صحيحة ؟ تلک حقيقة اعترف بها بعض علماء النفس بعد أن أجروا تجارب کافية في هذا المجال .

إن کان الهدف من رفع سنّ الزواج الحدّ من التضخم السکاني ، فطالما طرحت في هذا المجال حلول کثيرة ، ولا بأس لرفع هذه الأزمة الخانقة الالتزام بالطرق الصحيحية والعقلانية ، ولا يجب الالتجاء الى دفع الفاسد بالأفسد .

 

[1]. هذا السؤال يرتبط بزمن ما قبل الثورة الاسلامية .

 

129/ أنّى يتأتى العفو والقصاص ؟

الجواب :

أولاً : النقطة المهمة في هذا الموضوع هي أن لتشريع القوانين أثراً اجتماعياً ونفسياً وإن لم تطبق على أرض الواقع ؛ فعلى سبيل المثال يکفي أن يشرع الاسلام لأولياء المقتول القصاص من القاتل ، فمن يرغب بإراقة دم شخص آخر يضع نصب عينيه حق القصاص الممنوح لأولياء المقتول ، فينصرف عن فکرة الانتقام حينما يشعر بخطر الاعدام .

بناء على هذا ، فان نفس تشريع حق القصاص ذو أثر کبير على المجتمع ، ومن شأنه أن يحول دون القتل والانتقام ، وإن لم يطبق ذلک إلا في موارد محدودة ولم يستفد الناس منه إلا نادراً من الناحية العملية .

وبعبارة أخرى : ضمان حياة البشر وبقاءهم وصمودهم إزاء التحديات يتمثل بالقدرة القانونية على القصاص لا الاقدام عليه ؛ لأن الشيء الذي بوسعه ردع المعتدي هو التفکير بأنه لو بادر الى الانتقام وأراق دم شخصٍ ما سيطالب أولياء دم المقتول بالقصاص منه ؛ وغالباً ما يحول ذلک دون تفکير المجرمين باقتراف جريمة القتل .

بناء على هذا ، فان تشريع قانون القصاص وإعطاء الحق للمظلو م بالانتقام من الظالم ضامن لاستمرار الحياة وبقائها ، وسبب رئيس للتقليل من الجرائم ؛ لکن الاسلام لم يرغم أولياء الدم على الاستفادة من هذا الحق القانوني ، بل خيّرهم بين القصاص والعفو ؛ فان شاءوا اقتصوا من الجاني ، وإن شاءوا عفوا عنه وأخذوا الدية منه .

إن الاسلام بتشريعه قانون القصاص والعفو استطاع بلوغ هدفين في آن واحد ؛ فمن جهة منح أولياء الدم حق القصاص والقدرة على الانتقام ، وبهذا وقف بوجه تکرار مثل تلک الحوادث الدموية . وإن لم يکن قد شرع مثل هذا الحق لهم لارتفعت نسبة الجرائم ولأصبح المجتمع البشري مهدداً بالمخاطر .

ومن جهة أخرى ، لم يجبر أولياء الدم على القصاص ، بل منحهم خيار الاستفادة من هذا الحق القانوني بحيث لو اقتضت المصلحة أو لم يشاؤا الاقتصاص فلهم أن يمنوا على الجاني بالعفو عنه.

والنتيجة : لو لم يشرع القصاص لما استتب الأمن والهدوء في المجتمع ، ولکانت الحياة الانسانية عرضة للمخاطر ؛ وإن لم يمنح ولي الدم الحرية في الاقتصاص أو عدمه لکان ذلک القانون ناقصاً . فربما تقتضي المصلحة أن يغضي ذو الحق عن حقه ويرجح العفو على الانتقام ؛ وفي هذه الحالة يکون تشريع قانون العفو مکملاً لحق القصاص .

ثانياً : لا بد من الالتفات الى أن للقصاص موارد وللعفو موارد أيضاً ؛ فان کان الاقتصاص من الجاني يساعد على إحلال الأمن وديمومة حياة الآخرين ( بحيث لو أغضي عن القصاص تأصلت فکرة الاعتداء لدى الآخرين ) ففي هذه الحالة ينبغي على أولياء الدم الاستفادة من هذا الحق القانوني ؛ أما لو رأوا أن الجاني قد ندم على فعلته واقتضت المصلحة الاغضاء عن خطيئته ، ففي هذه الحالة عليهم أن يرجحوا العفو على القصاص . ولا يبدو أن تشخيص هذا عن ذاک بالأمر العسير .

------------------

([1]البقرة : 179 .

[1]) آل عمران : 134.وقد ورد في القرآن الکريم آيات عديدة في مجال العفو ، لکن اکتفي بهذه الآية من باب الاختصار .

پایگاه اطلاع رسانی دفتر مرجع عالیقدر حضرت آیت الله العظمی مکارم شیرازی
سامانه پاسخگویی برخط(آنلاین) به سوالات شرعی و اعتقادی مقلدان حضرت آیت الله العظمی مکارم شیرازی
تارنمای پاسخگویی به احکام شرعی و مسائل فقهی
انتشارات امام علی علیه السلام
موسسه دارالإعلام لمدرسة اهل البیت (علیهم السلام)
خبرگزاری دفتر آیت الله العظمی مکارم شیرازی

قال الرضا عليه السلام :

«ان يوم الحسين اقرح جفوننا و اسبل دموعنا و اذل عزيزنا بارض کرب و بلاء و اورثناءالکرب و البلاء الي يوم الانقضاء»

بحارالانوار، ج 44، ص 284