بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الفصل الثالث: في أحکام الأنفال
ختام في الانفـال: ذکر جماعة من فقهائنا الاعلام ـ رض ـ احکام الانفال في ذيل احکام الخمس لمناسبة واضحة بينهما وهو اختصاص الانفال بالامام کاختصاص الخمس به، ونحن نقتفي آثارهم في هذا الامر وان صرف النظر عنه المحقق اليزدي في العروة الوثقى.
فنقول ومنه جل ثناؤه نستمد التوفيق والهداية: هنا ابحاث:
1ـ ما المراد بالانفال؟
ان هذا العنوان (الانفال) مأخوذ من الآية الشريفة: «يَسْاَلُونَکَ عَنِ الاَنْفَالِ قُلِ الاَنْفَالُ لله وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا الله وَاَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِکُمْ وَاَطيعُوا الله وَرَسُولَهُ اِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنينَ»
فقد ذکر هذا العنوان مرتين في الآية الشريفة وسميت السورة باسمها ولا يوجد هذا العنوان في غير هذه الآية من القرآن الکريم، وقد وقع الخلاف في تفسير الآية وبيان المراد منها بعد اتفاق کثير من ارباب اللغة في ان الانفال جمع النفل بالسکون والتحريک بمعنى الغنيمة، کما صرح به الراغب في المفردات وابن الاثير في النهاية والطريحي في مجمع البحرين وصاحب المصباح في مصابحه، او بمعنى الغنيمة والهبة کما في القـاموس ولسان العرب.
وقد صرحوا ايضا بان النفل في الاصل بمعنى الزيادة، ولذا يطلق على الصلوات المستحبة عنوان النافلة لانها زيادة على الفريضة، وعلى ولد الولد لانه زيادة على الولد، ومنه قوله تعالى: «وَوَهَبْنَا لَهُ اِسْحَاقَ وَيعْقُوبَ نَافِلَةً» فقد وعد الله ابراهيم اعطاء الولد فوهبه له، وقد زاده بولد الولد وهو يعقوب.
واما اطلاقه على الغنيمة، فلانها کانت محرمة على الامم السالفة، کما قيل وقد زادها الله على الامة المرحومة، او انها منحة من الله من غير وجوب، ولکن ليعلم ان الغنيمة هنا بمعنى کل ما يحصل للمسلمين من الکفار لا خصوص ما يکون لهم بالحرب (کما سيأتي) وعلى کل حال فقد اختلف المفسرون في تعيين المراد من الانفال في الآية الشريفة (اختلافا مصداقيا لا مفهوميا فلا تنافى کلماتهم لما ذکره ارباب اللغة) بما يربو على سبعة اقوال او ثمانية:
1ـ انها غنائم يوم بدر.
2ـ انها انفال السرايا.
3ـ انها ما شذّ من المشرکين الى المسلمين من عبد او جارية من غير قتال.
4ـ انها ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم.
5ـ انها سلب الرجل وفرسه.
6ـ انها الخمس.
7ـ انها ما أخذ بغير قتال من دار الحرب، وکل ارض انجلى اهلها، وسائر ما ذکره اصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ تبعا لما وصل اليهم من ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ الى غير ذلک.
ثم اعلم ان الاختلاف في بيان المراد والمصداق لا في المفهوم اللغوي کما اشرنا اليه آنفا.
والانصاف انه لا يمکن ان يراد بها الغنائم المأخوذة من اهل الحرب بطريق القهر والغلبة، لان ظاهر آية الخمس ان فيها الخمس فقط فلا يمکن ان يکون کله لله ولرسوله(ص) فيعلم من هذا ان مورد آية الغنائم غير مورد آية الانفال فحملها على غنائم بدر او السرايا او الخمس او شبه ذلک مما لا وجه له، فيمکن ان يکون التفاوت بينهما کون الاول ما اخذ من الکفار بالقهر والغلبة فلذا يستحق المقاتلون اربعة اخماسه، والثاني ما اخذ عنهم لا بسبب الجهاد فلذا لاحقّ للمقاتلين فيها.
وربما يکون آية الفيء قرينة على هذا الجمع وهي قوله تعالى:
«مَا اَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ اَهْلِ الْقُرَى فَلله وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبي وَالْيَتَامَى وَالْمَساکينِ وَابْنِ السَّبيلِ کَيْ لا يَکُونَ دَوْلَةً بَيْنَ الاَغْنِياءِ مِنْکُمْ»
لانها مصرحة بان ما اخذ بغير القتال کلها لله وللرّسول والمحتاجين من المسلمين، والظاهر ان ذکر الفرق الثلاث من اهل الحاجة بيان لما يصرفه الرسول فيه من المصارف، ولذا عبرّ غير واحد منهم عن الانفال بالفيء.
وهاتان القرينتان (آيتا الخمس والفيء) شاهدتان على المراد من الانفال اجمالا (مضافا الى مفهوم النفل وهو الزيادة فانها امر زائد على الخمس او هبة من الله تعالى من دون قتال).
ومن الجدير بالذکر ان ظاهر الآية کون مفهوم الانفال امرا واضحا بين المسلمين في الصدر الاول، ولذا قال تعالى: «يَسْئَلُونَکَ عَنِ الاَنْفَالِ قُلِ الاَنْفَالُ» کما ان ذيل الآية يشهد بانه کان فيه مظنة الخلاف بينهم، ولذا قال سبحانه: «فَاتَّقُوا الله وَاَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِکُمْ» کما کان فيه مظنة المعصية وترک الطاعة، ولذا قال عزّ اسمه: «وَاَطيعُوا الله وَالرَّسُولَ اِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
بقي هنا امران
احدهما: انه ذکر سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي فيما حکي عنه في بعض محاضراته: «ان فقهاء العامة ذکروا ان الأنفال عبارة عن الزيادات التي کان يعطيها رسول الله(ص) لبعض المجاهدين خاصة».
ولکن هذا التفسير مع عدم موافقته لظاهر آية الانفال، مخالف لما مر من کلماتهم المختلفة في هذا الباب، نعم يمکن ان يکون احد الاقوال في المسألة.
ثانيهما: انه يتلخص مما ذکرنا هنا وفي ابحاث الخمس، ان ما يأخذه المسلمون من المشرکين على انحاء اربعة:
1ـ ما يؤخذ باذن الامام بالقهر والغلبة من المنقول فذلک يکون داخلا في الغنيمة وفيه الخمس، والاربعة الباقية للمقاتلين.
2ـ ما يؤخذ کذلک من الاراضي وشبهها وهذا لجميع المسلمين.
3ـ ما يؤخذ بغير اذن الامام(ع) فذلک من الانفال کما سيأتي.
4ـ ما يؤخذ بغير القهر والغلبة، کما اذا صالحوا من دون حرب فهذا ايضا من الانفال کما يأتي (انشاء الله).
2ـ موارد الانفال ومصاديقها
اختلفت کلماتهم في بيان تعداد مواردها، فقد ذکر المحقق في الشرايع انها خسمة وقال العلامة في القواعد انها عشرة (وقد لا يکون بينهما اختلاف کثير في الواقع) والعمدة هنا اقتفاء الادلة في کل مورد منها فنقول:
الاول: «الارضون التي تملک من غير قتال سواء انجلى اهلها او سلموها للمسلمين طوعا».
وقد ادعى في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيها بل ظهور الاجماع عليه.
واستدل له بروايات:
1ـ ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبدالله(ع) قال: «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا رکاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بايديهم».
2ـ ما رواه معاوية بن وهب عنه (ع) ايضا وفيها: «وان لم يکونوا قاتلوا عليها المشرکين کان کل ما غنموا للامام يجعله حيث احب».
3ـ ما رواه حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح (في حديث) قال: «وکل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا رکاب ولکن صالحوا صلحا واعطوا بايديهم على غير قتال».
4ـ ما في حديث علي بن اسباط عن أبي الحسن موسى(ع) بعد ذکر قضية فدک مع حدوده الوسيعة انه: «قيل له کل هذا؟ قال: نعم. ان هذا کله مما لم يوجف اهله على رسول الله(ص) بخيل ولا رکاب».
5ـ قوله (ع) في ما رواه محمد بن مسلم انه سمع ابا عبدالله(ع) يقول في جواب السؤال عن الانفال: «کل قرية يهلک اهلها او يجلون عنها فهي نفل لله عزّ وجلّ».
لکن في ذيله ما لم يعمل به الاصحاب وهو قوله: «نصفها يقسم بين الناس ونصفها لرسول الله(ص) فما کان لرسول الله(ص) فهو للامام(ع)».
ولکن لعله عناية وتفضل على الناس لا من باب استحقاقهم له.
6ـ ما رواه زرارة عن أبي عبدالله(ع) فقد ذکر في جواب السؤال عن الانفال: «هي کل ارض جلا اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل ولا رجال ولا رکاب فهي نفل لله وللرّسول».
7ـ ما رواه محمد بن مسلم عنه (ع) ايضا: «ان الانفال ما کان من ارض لم يکن فيها هراقة دم او قوم صولحوا واعطوا بايديهم».
الى غير ذلک من الروايات مثل ما رواه الحلبي ومحمد بن مسلم ومرفوعة احمد بن محمد وما رواه في تفسير النعماني واسحاق بن عمار ورواية اخرى لمحمد بن مسلم ولزرارة وما رواه العياشي عن أبي اسامة وما رواه عن داود بن فرقد.
هذا وقد وقع الکلام في ان هذا الحکم مختص بالاراضي او يشمل غيره من الاموال المنقولة. حکى عن المشهور الاعم، وقال في الجواهر ظاهر المصنف وغيره من الاصحاب ذلک.
ويدل على العموم الآية الشريفة: «مَا اَفَاءَ الله عَلى رَسُولِهِ» فانه عام يشمل المنقول وغيره ـ کما لا يخفى ـ فکذلک آية الانفال، وهکذا غير واحد من الاحاديث السابقة التي ظاهرها العموم وعدم اختصاص الحکم بالاراضي ، کالرواية الاولى والثانية اعني صحيحتي حفص بن البختري ومعاوية بن وهب، فان قوله: «ما لم يوجف عليه» وکذا قوله: «ما غنموا» عام يشمل الجميع.
مضافا الى مرسلة العياشي عن زرارة.
نعم عنوان البحث في کثير من هذه الروايات الواردة في الباب هو خصوص الاراضي وشبهها، ولکن اثبات الشيء لا ينفي ما عداه والقول بانها في مقام البيان والاحتراز فيدل على المفهوم کما ترى.
فالحق عدم الفرق بين المنقول وغيرها، ويؤيده الاعتبار، فان المسلمين اذا لم يوجفوا على شيء بخيل ولا رکاب وصالحهم الکفار على ألف دراهم او دنانير لا وجه لاشتراکهم في هذا المال ـ کما هو ظاهر ـ فان الغنيمة في الواقع جابرة لشيء من مشاق القتال.
* * *
الثاني : الارضون الموات
القسم الثاني من الانفال هو الارضون الموات سواء ملکت ثم باد اهلها او لم يجر عليها ملک.
هکذا ذکره في الشرايع، والکلام يقع تارة فيها حکما واخرى موضوعا. اما من ناحية الحکم فقد ادعى شيخ الطائفة الاجماع فيها بعد ما قال: «الارضون الموات للامام خاصة لا يملکها احد بالاحياء الا ان يأذن له الامام ـ ثم قال ـ وقال الشافعي من احياها ملکها اذن له الامام او لم يأذن، وقال ابو حنيفة لا يملک الا باذن وهو قول مالک وهذا مثل ما قلنا دليلنا: اجماع الفرقة واخبارهم وهي کثيرة.
وادعي في الغنية ايضا اجماع الطائفة عليه، وقال في مستند الشيعة ان «کونها من الانفال مما لا خلاف فيه، بل في التنقيح والمسالک والمفاتيح وشرحه وغيرها الاجماع عليه».
ويدل عليه مضافا الى ذلک، کثير من روايات الباب مثل ما يلي:
1ـ ما في صحيحة حفص: «وکل ارض خربة وبطون الاودية فهو لرسول الله(ص) وهو للامام من بعده».
2ـ ما رواه حماد في مرسلته: «والانفال کل ارض خربة باد اهلها وله رؤوس الجبال وبطون الاودية والاجام وکل ارض ميتة لا رب لها».
3ـ ما رواه سماعة قال: «سألته عن الأنفال؟ قال(ع): کل ارض خربة».
4ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (ع) انه سمعه يقول: «ان الانفال ما کان من ارض لم يکن فيها هراقة دم وما کان من ارض خربة او بطون اودية فهذا کله من الفيء والانفال لله والرسول».
5ـ وفي رواية احمد بن محمد: «وبطون الاودية ورؤوس الجبال والموات کلها هي له وهو قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَکَ عَنِ الاَنْفَال».
الى غير ذلک من الروايات مثل رواية محمد بن مسلم ومرسلة أبي اسامة وابي بصير وداود بن فرقد وغيرها.
واما من الناحية الثانية ـ اعني موضوعها ـ فقد ذکر الاصحاب هنا امورا، منها المفاوز وسيف البحار وبطون الاودية ورؤوس الجبال. والمراد من المفاوز، الفلاة التي لا ماء فيها سميت بذلک.
اما من فوز ايْ مات لانها مظنة الهلاک لعدم الماء فيها، او لانه من قطعها وخرج منها فقد فاز، او للتفأل فيها بالنجاة بعد کونها مظنة للهلاک.
والمراد بسيف البحار هو ساحلها، والمراد من بطون الاودية محل جريان السيول، قال الله تعالى: اَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسالَتْ اَوْدِيَة بِقَدَرِهَا.
والمراد من رؤوس الجبال، المحل الذي لا ينبت عليها الزرع والاشجار غالبا (بخلاف ذيولها فانها محل لذلک) ولذا جعلت في مقابل اذيالها في کلمات بعضهم، قال ولو کانت الاذيال مواتا دخلت في الانفال ايضا.
وعلى کل حال يدخل جميع ذلک في العناوين العامة المصرح بها في روايات الباب، مثل قوله(ع): «کل ارض لا رب لها» وقوله(ع): «کل ارض خربة». وعنوان الموات کلها.
مضافا الى التصريح بخصوص هذه العناوين في بعض روايات الباب، کالتصريح بعنوان رؤوس الجبال وبطون الاودية في رواية حماد ورواية محمد مسلم وداود بن فرقد
وکالتصريح بخصوص بطون الاودية في رواية حفص ورواية محمد مسلم ورواية اخرى لمحمد بن مسلم.
وکالتصريح بسيف البحر في رواية علي بن اسباط.
فرع: هل هناک فرق بين ما اذا لم يکن لها مالک معروف (سواء ملکها بالاحياء او بغيره کالارث وشبهه) او کان کذلک؟ ففي الواقع هنا صور ثلاث:
الاولى: ما لم يکن له مالک معروف، وهذا هو القدر المتيقن من المسألة.
الثاني : ما کان له مالک معروف ملکها بغير الاحياء.
الثالث: ما کان له مالک معروف ملکها بالاحياء.
وقد عرفت ان الاولى هي القدر المتيقن من محل البحث، واما الثانية فقد ادعى في مصباح الفقيه عدم الخلاف في کونها لمالکها، وفي الثالث قولان: زوال ملکيتها بعروض الخراب لها، ورجوعها الى ملک الامام (ع) وعدم زوالها بذلک.
هذا وظاهر قوله(ع): «باد اهلها» في مرسلة حماد وفي رواية حلبي ومرسلة العياشي ومرسلة اخرى له عن أبي بصير.
وکذلک التصريح في غير واحد من اخبار الباب بان: «اهلها قد هلکوا او انجلى اهلها». ظاهر هذه الروايات الکثيرة المتظافرة وصريح بعضها دليل على عدم معروفية مالک لها، وهي حجة وان کان فيها ضعاف لاشتهارها رواية وفتوى.
نعم فيما ملک بالاحياء ثم عاد الى الموات خلاف في کتاب احياء الموات، والمشهور على انه باق على ملک مالکه، وعن جماعة من المتأخرين جواز تمکله بالاحياء لانه يعود الى الانفال لبعض ما ورد في الباب من الروايات فراجع.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الفصل الثالث: في أحکام الأنفال
الإمامُ عليٌّ(عليه السلام)
نِعْمَ الدَّواءُ الأجلُ
بهترين دارو اجل است
ميزان الحکمه، جلد 1، ص 44
لا يوجد تعليق