تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
74-إحياء المَوَات
الخلاصة : الاولى: لا اشکال ولا کلام في ان الاحياء في اراضي الموات وشبهه يوجب اختصاص الارض بالمحيي اذا کان باذن الامام (الاذن العام لجميع المسلمين او الخاص على ما مر آنفا) انما الکلام في انه يوجب الملکية ام لا؟
قال العلامة ـ قدس سره ـ في القواعد في کتاب احياء الموات: «الميت من الاراضي تملک بالاحياء، وقال صاحب مفتاح الکرامة في شرحه باجماع الامة ـ اذا خلت عن الموانع ـ کما في المهذب البارع، وباجماع المسلمين کما في التنقيح وعليه عامة فقهاء الامصار وان اختلفوا في شروطه، والاخبار به کثيرة من طرق الخاصة والعامة کما في التذکرة وقد صرحت عبارات اصحابنا واجماعاتهم بانها تملک بالاحياء اذا کان باذن الامام».
ومع ذلک حکى في الرياض عن النهاية بان المراد بملکها بالاحياء ملک منافعها لا رقبتها، فانها له (ع) فله رفع يد المحيي ان اقتضت المصلحة ذلک ثم قال وهو کما ترى وان اشعرت به عبارة الماتن (اي المحقق) اخيرا کالدروس حيث عبر عن الملکية بالاحقية والاولوية.
ويظهر ذلک ايضا من بعض کلمات الشيخ في المبسوط حيث قال في کتاب الجهاد بعد ذکر الاراضي المفتوحة عنوة: «فاما الموات فانها لا تغنم وهي للامام خاصة، فان احياها احد من المسلمين کان اولى بالتصرف فيها ويکون للامام طسقها».
وظاهرة هذه العبارة او صريحها عدم تملکها بالاحياء والاّ لا معنى للطسق.
ومن هنا يظهر التدافع بين کلمات الاعلام، فمن جانب نرى دعوى الاجماع من الشيعة والسنة على انها تصير ملکا بالاحياء، ومن جانب آخر ظاهر بعض هذه العبارات عدم کونها ملکا للمحيي بل له حق الاولوية، فمن هنا وقعت الوسوسة في هذا الحکم في عصرنا من بعض وتظهر الثمرة في جواز رفع يده عنها حتى لو کانت محياة من ناحية الامام (ع) او نائبه او عودها الى ملکه (ع) بعد موات الارض مرة اخرى فتأمل.
والاقوى کونها ملکا بالاحياء لا يجوز ازالة يد المالک عنها ما دام محياة (واما حکمها بعد زوال الاحياء فسيأتي ان شاء الله) وذلک لوجهين:
1ـ اخبار الباب وان کانت مختلفة جدا ففي بعضها انها بعد الاحياء له الظاهر في الملکية في جميع ابواب الاملاک ( وذلک مثل صحيحة الفضلاء التي قلما يوجد مثلها في الفقه، فقد رواها سبعة روات من اکابرهم عن الامامين الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ: «انه من احيا ارضا مواتا فهي له». وهکذا الرواية السادسة والثامنة.
وفي بعضها الاخر انه احق بها (مثل ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر(ع).
وفي بعضها الاخر قد جمع بين لام الملک وقوله «هم احق به» فقال: «ايما قوم احيوا شيئا من الارض او عملوه فهم احق بها وهي لهم» وکذلک 4 و 7 من ذاک الباب.
وطريق الجمع بينها هو ان ظاهر اللام في باب الاموال اذا استعمل في مورد الانسان هو الملکية لا الاختصاص الاعم، ولذا يمثلون للاختصاص في العلوم الادبية بـ الجل للفرس، و يشهد لذلک انه لا اشکال في ان من قال ان هذا الدار لزيد يعدّ اقراراً منه بالملک، وکذا في باب صيغة الهبة، وهکذا في الوصايا وغيرها، کل ذلک يکون ظاهرا في الملک واقرارا صريحا به بلا ريب.
واما التعبير بالاحق فهو امر عام يشمل الملک وغيرها، ولذا يقال انا احق بميراث أبي من غيري، ولو کان له ظهور في غير الملک فلا ريب ان ظهور اللام في الملکية اقوى واظهر فيقدم عليه لا سيما مع ما ورد في ذيل رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع) من ان له اجر بيوتها وانه ليس عليه الا الزکاة العشر ونصف العشر الظاهر في الملکية کما لا يخفى على الخبير بفنون البيان.
2ـ السيرة المستمرة في جميع الاعصار من معاملة الملک مع ما يحيي من الاراضي والمعادن والاجام وشبهها، ولذا يتعلق به الخمس وتصح النواقل التي لا تصح الا في الملک ـ کالبيع والشراء والوقف وغيرها ـ ولم نر من شک في صحة وقف ارض احياها انسان للمسجد واجراء احکام المسجد عليه، وکثير من المساجد في البلاد او في القرى والرسانيق من هذا القسم.
وان شئت قلت: بعض الانفال تملک بالحيازة ـ کالمعادن الظاهرة ـ وبعضها بالاحياء، فکما ان الاول لا يکون بمجرد الاباحة والا لا معنى لتعلق الخمس به، فکذا الثاني لعدم الفرق بينهما من هذه الناحية.
ويؤيد ذلک کله فهم المشهور کما عرفت، والمسألة مما لا غبار عليها والوسوسة فيها في عصرنا انما نشأت من بعض النزعات الفاسدة کما لا يخفى على اهله.
هذا مضافا الى ما هو المعلوم من کون الاراضي المفتوحة عنوة ملکا لجميع المسلمين لإنتقالها من الکفار اليهم مع ان کثيرا منها او جميعها ملکت بالاحياء، فلو کانت رقبتها باقية على ملک الامام (ع) لم يملکها المسلمون کما هو ظاهر.
ان قلت: هناک روايات تدل انه اذا قام القائم يأخذ من الشيعة طسق اراضي الانفال ويترکها في ايديهم حينما يأخذ رقبة الارض من غيرهم ويخرجهم منها (مثل رواية مسمع بن عبد الملک) او تدل على وجوب الطسق في حال عدم بسط اليد واخذها من المؤمنين عند بسط اليد (مثل رواية عمر بن يزيد) الى الامام.
وفي بعضها مثل صحيحة ابي خالد الکابلي التعبير بوجوب الخراج الى الامام عند احياء الارض، وانه عند ظهوره (ع) يقاطع الشيعة على ما في ايديهم من الارض ويخرج الباقين وکل ذلک مناف لحصول الملک کما هو ظاهر.
اقول: الظاهر ان هذه الروايات معرض عنها عند الاصحاب، لان ظاهر کلماتهم حصول الملک للمحيي من دون حاجة الى اداء الخراج او الطسق حتى ان ظاهر کلماتهم عدم الفرق بين المؤمن وغيره، مضافا الى السيرة المستمرة في حال الظهور والغيبة على عدم اداء الخراج او الطسق من غير انکار کما لا يخفى.
سلمنا لکن يمکن ان يکون الطسق من قبيل الاشتراط في ضمن اجازة التملک بالاحياء، والاخذ منهم عند قيام الحجة من قبيل اشتراط الفسخ، وبالجملة لا يمکن رفع اليد عن تلک الادلة بهذه الظواهر.
الثانية: هل يعتبر اذن الامام (ع) في الاحياء ام لا؟
ظاهر عبارة کثير من الاعلام کالعلامة في التذکرة والمحقق الثاني في جامع المقاصد وصاحب التنقيح في التنقيح وغيرهم، انه معتبر وان ذلک اجماعي.
والظاهر انه کذلک بعد اجماعهم على انه للامام (ع) لان من الضروري عدم جواز التصرف في ملک الا باذن اهله، وهذا مما لا يحتاج الى مزيد بيان.
انما الکلام في انه هل يحتاج الى اذن خاص منهم ـ عليهم السلام ـ؟
الظاهر عدم الحاجة هنا الى اذن خاص، لانه ثبت الاذن العام من لدن عصر النبي(ص) الى ما بعده في ذلک في زمن الحضور فکيف بعصر الغيبة، والشاهد عليه ما عرفت من الروايات الکثيرة الواردة في باب الاول من کتاب الاحياء وسائر ابوابه، مضافا الى السيرة المستمرة في جميع الاعصار والامصار من لدن عصره(ص) الى عصر الغيبة.
نعم لا يبعد اعتبار اذن الفقيه عند بسط اليد لا سيما مع اشتراط ذلک.
الثالثة: هل يعتبر في المحيي الاسلام فلا يملکها الکافر ولو احياها باذن الامام او لا؟ فقد تهافتت فيه کلماتهم فعن ظاهر جماعة ان الکافر لا يملکها بل ادعى في التذکرة الاجماع عليه وکذلک في جامع المقاصد (فيما حکي عنهما في الجواهر).
ولکن صرح الشهيد الثاني ان المسألة ذات قولين، وعن صريح المبسوط والخلاف والسرائر وجامع الشرايع وغيرها عدم اعتبار الاسلام، بل نسب الخلاف في ذلک الى الشافعي الذي يظهر منه کون المسألة اجماعية عندنا.
ولا يخفى ما في تعبير بعضهم ان الکافر لا يملک ولو اذن له الامام، لان ذلک التعبير لا يناسب مقام العصمة، اللهم الا ان يکون المراد نائبه الخاص في حال الحضور او العام في حالتي الحضور والغيبة.
وکيف کان ظاهر النصوص والفتاوى عدم الفرق في التملک بالاحياء بين المسلمين والکفار، فان التعبير بايما قوم احيوا من الارض او التعبير بـ«من احيا ارضا» او شبه ذلک دليل على ذلک، ولا ينافيها ادلة اشتراط الاذن بعد وجود الاذن العام هذا اوّلا.
وثانيا: الظاهر استقرار السيرة على الملکية لا سيما بالنسبة الى اهل الذمة في بلاد الاسلام من دون نکير.
وثالثا: يدل على ذلک صريحا مصححة أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) فانه بعد السؤال عن شراء الارض من اهل الذمة قال: «لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها واحيوها فهي لهم».
واوضح منه صحيحة محمد بن مسلم الواردة في ابواب الجهاد قال: «سألت ابا عبدالله(ع) عن الشراء من ارض اليهود والنصارى؟ فقال: ليس به بأس قد ظهر رسول الله(ص) على اهل خيبر فخارجهم على ان يترک الارض في ايديهم يعملونها ويعمرونها فلا ارى بها بأساً لو انک اشتريت منها شيئاً، وايما قوم احيوا شيئا من الارض وعملوها فهم احق بها وهي لهم».
ورابعا: لا شک في کون الاراضي المحياة المفتوحة عنوة لجميع المسلمين مع ان کثيرا منها من قبيل الاراضي الموات التي احيوها، والتفصيل بين الموات الموجودة في بلاد الاسلام والکفر لاوجه له.
فالاقوى عدم اشتراط الاسلام.
الرابعة: المراد من الموات من الارض کما صرح به کثير من الاصحاب في کتبهم: «هو ما لا ينتفع به لعطلته اما لاستيجامه او لانقطاع الماء عنه او لاستيلاء الماء عليه» (او غير ذلک من اشباهه).
واضاف في مفتاح الکرامة بعد ما عرفت قوله: «وکيف کان فحال الموات کحال الاحياء لعدم وجود نص في بيان معناها وقد قال في التذکرة واما الاحياء فان الشرع ورد به مطلقا ولم يعين له معنى يختص به ومن عادة الشرع في ذلک رد الناس الى المعهود عندهم المتعارف بينهم» ومثل ذلک صرح في المبسوط والسرائر والتحرير والدروس وغيرها وبمثل ذلک نقول في الموات».
وما ذکروه جيد بعد عدم وجود نص في المسألة وايکالها الى العرف، فالموات من الارض ما لا يمکن الانتفاع به على حاله بل يحتاج الى امور بعنوان المقدمة حتى يصير قابلا لذلک بالقوة القريبة من الفعل، ولا يعتبر فيه الزرع فيه فعلا او بناء النباتات او شبه ذلک.
وليعلم ان حياء کل شيء بحسبه وان ذلک مختلف بحسب المقامات، فالاحياء للزراعة لا يکون الا برفع موانع الزرع من الأحجار والماء الغالب عليها والنباتات الوحشية، وايجاد المقتضيات من تهيئة الماء اذا احتاج اليه ولا يکفيه المطر، وتسطيح الارض اذا کانت مرتفعة لا يجري عليها الماء او غير ذلک.
واحياء الارض لبناء المساکن قد يکون بتسطيحها وايجاد الشوارع لها وغير ذلک مما لا يمکن الانتفاع بها من هذه الناحية الا بها.
واحياء المعدن هو حفره وجعله معدّا للاستخراج منه، وکذا احياء الارض من جهة حفر الابار لاستخراج المياه وغير ذلک، وبالجملة المتبع هو الصدق العرفي في جميع المقامات.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
مسائل مهمّه في إحياء المَوَات
ولما وقع الفراغ بحمد الله عن مباحث الانفال بعد مباحث الخمس، نذکر بعض ما يتعلق بها من المسائل الهامة من کتاب احياء الموات فنقول ومنه جلّ ثناؤه نستمد التوفيق والهداية:
لا يوجد تعليق