بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وقد يلحق بهذا القسم ـ اي القسم الثاني من الانفال ـ امران:
1ـ «الاجام» وان لم يصدق عليها عنوان الموات، بل هي في الحقيقة من قسم الاراضي المحياة بالاصالة، والمراد بالاجام التي هي جمع «اجمة» ليس خصوص ما ينبت فيه القصب بل يشمل ما فيه الاشجار الملتفة الکثيرة، وما في کلام النراقي ـ قدس سره ـ في المستند من انها ما يقال بالفارسية «بيشه» غير تام، فان کلمة «بيشه» في الفارسية بمعنى منبت القصب (نيزار يا نيستان، يا جنکل کوجک) ولکن الاجام في العربية يعم ذلک وغيره، ولذا صرح في القاموس بانها هي الشجر الکثير الملتف.
وعلى کل حال کونها من الانفال هو المعروف في کلمات الاصحاب، کما صرح به في المدارک ويدل عليه ايضا مرسلة حماد بن عيسى وکذلک مرسلة العياشي عن أبي بصير ومرسلة داود بن فرقد، وهي وان کانت ضعفة الاسناد ولکن عمل المشهور بها يوجب جبر ضعفها.
هذا مضافا الى امکان اصطياد العموم من مجموع روايات الانفال، وهو ان ما ليس ملکا لمالک خاص فهو للامام (ع) الا ما خرج بالدليل وهذه قاعدة مهمة جدا.
ويلحق بذلک بطون الاودية اذا کانت فيها اشجار، وکذلک سيف الانهار اذا کانت کذلک لصدق الاجام عليها او لما عرفت من القاعدة الکلية.
ثم انه هل هذا الحکم يختص بما اذا کانت الاجام في اراض غير مملوکة لمالک خاص او يعمها وغير ذلک؟ وکون الاجام في ملک مالک خاص يتصور على وجوه:
تارة: اوجد المالک فيها اشجارا کثيرة ملتفة مثل ما نرى في عصرنا من الاجام الصناعية، ولا اشکال في عدم دخول هذا القسم في الاجام المذکورة في روايات الباب لانصرافها عنه.
وثانية: يکون بترک زرعها فنبتت فيها اشجار کثيرة ملتفة مع کون الارض انتقلت اليه بناقل قهري او اختياري من غيره.
وثالثة: هذا الفرض بعينه مع تملکها بالاحياء، والانصاف ان شيئاً منهما ايضا لا يدخل في حکم الانفال لما عرفت من عدم القول به في القسم الاول حتى في مورد طروّ الموات، واما القسم الثاني فعلى فرض القول به في طروّ الموات لا يمکن القول به هنا، لان العمدة هناک مصححة أبي خالد الکابلي ومعاوية بن وهب وهما واردتان في الارض التي عمرها ثم ترکها حتى صارت مواتا.
ان قلت: هذا ايضا يصدق عليه الموات.
قلت: کلا هي من المحياة غالبا. نعم قد تقطع اشجارها لجعلها ارضا زراعية تکون منافعها اکثر والا لا يقول احد أنّها ارض موات.
2ـ المراتع، الظاهر ان المراتع الموجودة في الاراضي التي ليست ملکا لشخص خاص من الانفال ايضا، الا ان يکون حريما لملک عامر من قرية وشبهها، وقلما يوجد في کلماتهم تصريح بذلک، الا انهم صرحوا في کتاب احياء الموات ان من شرائط الاحياء ان لا يکون حريما لعامر، ومثل له في التذکرة بما نحن فيه فقال: «لا نعلم خلافا بين علماء الامصار ان کل ما يتعلق بمصالح العامر، کالطريق والشرب ومسيل ماء العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته، او لمصالح القرية کقناتها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها ومسيل مياهها لا يصح لاحد احيائه ولا يملک بالاحياء».
وهذا وشبهه دليل على مفروغية کون المراتع من الانفال التى تملک بالاحياء لو لم يکن هناک مانع.
والمراتع کالاجام على اقسام:
منها: ما يکون مصنوعيا، وقد کثر ذلک في اعصارنا، بان ينشر بذره في ملک خاص فلا اشکال في کونه لمالکه کسائر الزراعات.
منها: ما يکون بالاصالة في ملک خاص، کان يترک ارضه سنين عديدة فتصير مرتعا بمرور الزمان، وهذا يدخل فيما مرّ من المحياة التي رجعت مواتا بما فيها من التفصيل لو قلنا بصدق الموات على المراتع (کما لا يبعد في بعضها) واما اذا کانت بحيث لا يصدق عليه الا المحياة فلا ينبغي الشک في بقائه على ملک مالکه، لعدم الدليل على خروجه بصيرورته مرتعا محياة.
ومنها: ما کان موجودا من الاول في الاراضي المفتوحة عنوة او الاراضي المملوکة لاشخاص، والظاهر انها لا تدخل في ملک الاشخاص ولا ملک المسلمين بعد عدم حيازتها وعدم احيائها کما هو ظاهر وکيف کان تدل عليه مضافا الى صدق الموات على کثير من المراتع، القاعدة الکلية المشار اليها المستفادة من مجموع ابواب الانفال، من ان کل ما لم يکن ملکا لمالک خاص فهو ملک للامام (ع) (الا ما خرج بالدليل).
بل قد يدخل في قوله: «وکل ارض لا رب لها» الوارد في رواية أبي يصير عن الباقر(ع) ومثله ما رواه اسحاق بن عمار عن الصادق(ع).
الثالث: المعادن
قد وقع الخلاف في کونها من الموات او من المشترکات، فعن المفيد وسلار والکليني وشيخه علي بن ابراهيم بل عن الشيخ ايضا ـ قدس سره ـ کونها من الانفال، ولکن المحکي عن المشهور نقلا وتحصيلا ـ کما في الجواهرـ انها من المشترکات التي يکون الناس فيه شرع سواء، بل قد يقال انه يلوح من المبسوط نفي الخلاف فيه.
وصرح في الدروس ـ بعد نقل القولين ـ بضعف القول بعدم کونه ملکا للامام(ع) وقد ذکر المحقق الهمداني بان الاصحاب اختلفوا في المعادن:
1ـ فعن الکليني والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي والقمي في تفسيره وبعض متأخري المتأخرين، انها من الانفال مطلقا من غير فرق بين ما کان منها في ارضه او غيرها، وبين الظاهرة والباطنة کما تشهد له جملة من الاخبار.
2ـوعن جملة من الاصحاب بالاشهر ان الناس فيها شرع سواء مطلقاً.
3ـ التفصيل بين ما کان في ملک الامام وغيره.
وعمدة ما يدل على کونها من الانفال روايات:
1ـ ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله(ع) وفيها: «وکل ارض لا ربّ لها» والمعادن منها.
2ـ مرسلة العياشي عن أبي بصير عن الباقر(ع) قال: «ومنها (من الانفال) المعادن والاجام وکل ارض لا رب لها».
3ـ ما رواه داود بن فرقد في حديث عن أبي عبدالله(ع) قال: «قلت: وما الانفال؟ قال: بطون الاودية ورؤوس الجبال والاجام والمعادن».
وقد يؤيد ذلک کله بما ورد في اخبار کثيرة: «ان الدنيا وما فيها لرسول الله(ص) وللائمة المعصومين ـ عليهم السلام ـ من بعده» وان شئت الاحاطة بها فراجع الکافي المجلد الاول باب ان الارض کلها للامام.
هذا وقد يقال بضعف هذه الاخبار، اما المراسيل فواضحة، واما رواية اسحاق بن عمار فالظاهر انه لاشتمال سندها بـ«ابان بن عثمان» وهو محل الکلام عندهم، مضافا الى اعراض المشهور عنها.
اضف الى ذلک السيرة المستمرة في سائر الامصار والاعصار في زمن تسلطهم وغيره على الاخذ منها بلا اذن حتى ما کان في الموات بل وما کان في المفتوحة عنوة.
اقول: اولا دعوى الشهرة على عدم کون المعادن من الانفال مع ذهاب جماعة کثيرة من اعيان القدماء الى ذلک قابلة للمنع. اللهم الا ان يراد شهرة المتأخرين، وشهرتهم لا تمنع عن حجية الاخبار.
وقد تهافت في ذلک کلمات صاحب الجواهر(رضوان الله تعالى عليه).
فقال في کتاب احياء الموات: «المشهور نقلا وتحصيلا على ان الناس فيها شرع سواء، بل قد يلوح من محکي المبسوط والسرائر نفي الخلاف فيه».
بينما صرح في کتاب الخمس باختلاف الاصحاب فيها، ثم حکى عن الدروس ان الاشهر مساواة الناس فيها، وقال في آخر المسألة: «ان المسألة غير سالمة الاشکال والاحتياط الذي جعله الله ساحل بحر الهلکة فيها مطلوب».
هذا وقد افتى في رسالة نجاة العباد عند ذکر الانفال بکون المعادن منها.
فقال: «منها المعادن التي لم تکن لمالک خاص تبعا للارض او بالاحياء».
فقد تهافتت کلماته في هذه الکتب کما لا يخفى.
والانصاف ان هذه الروايات الثلاث مع عمل جماعة کثيرة من افاضل القدماء بها کافية في اثبات کون المعادن من الانفال لا سيما ان ضعف خبر اسحاق بن عمار غير ثابت، فقد وصفه صاحب الجواهر وصاحب الرياض والمحقق الهمداني والمحقق الخوانساري ـ قدست اسرارهم ـ في جامع المدارک بالوثاقة.
والوجه فيه ما عرفت من الکلام في ابان بن عثمان. هذا وقد صرح الکشي فيما رواه بان ابان بن عثمان کان من الناووسية.
ثم قال: ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن ابان والاقرار له بالفقه.
وذکر العلامة في الخلاصة: «ان الاقرب عنده قبول روايته وان کان فاسد المذهب للاجماع المذکور».
وظاهر هذه العبارة اعترافه بصحة دعوى الاجماع المذکور، ولکن عن ولده فخر المحققين انه قال: «سألت والدي عنه فقال الاقرب عدم قبول روايته لقوله تعالى ان جاءکم فاسق ولا فسق اعظم من عدم الايمان».
والظاهر ان هذه العبارة ايضا دليل على ان الرواية من قسم الموثق، وانه لا اشکال فيها من حيث وثوق الراوي، بل قد ذکر صاحب الرجال الکبير: «قد يقال ان الاجماع الثابت بنقل الکشي دليل على عدم کونه ناووسيا».
نعم قد اورد على الرواية بانها مجملة من حيث المتن والدلالة، اما اولا فلان الضمير في قوله «والمعادن منها» يمکن رجوعه الى الارض في قوله: «وکل ارض لا ربّ لها» وثانيا فقد حکي عن بعض النسخ «فيها» بدل «منها» فيکون ظاهره عدّ المعادن الموجودة في الاراضي الموات من الانفال.
هذا ولکن لازمه على کل حال قبول کون قسم کبير من المعادن من الانفال وهي الموجودة في اراضي الموات، فالرواية وان کانت مجملة من حيث المتن لکن القدر المتيقن منها کون هذه المعادن من الانفال، ومن الواضح ان عمدة المعادن هي الموجودة في الموات.
هذا ويمکن ان يکون التعبير بـ«منها» في غير واحد من روايات الباب شاهداً على رفع الابهام هنا فتأمل.
وهناک رواية اخرى تدل على المطلوب رواها في المستدرک عن عاصم بن حميد الحناط عن أبي بصير في حديث قال: «ولنا الانفال. قال قلت: وما الانفال؟ قال: المعادن منها والاجام وکل ارض لا ربّ لها».
اضف الى ذلک کله ما قد عرفته من القاعدة الکلية المصطادة من روايات الانفال کلها من ان کل مال لا مالک له فهو للامام (ع) الا ما خرج بالدليل.
فمن جميع ذلک يمکن جعل المعادن من الانفال لا من المشترکات.
وقد يستدل على ذلک ـ کما في کلمات غير واحد منهم ـ بالروايات الکثيرة الدالة على ان الدنيا کلها لرسول الله(ص) وللائمة من بعده ـ عليهم السلام ـ فراجع.
والانصاف انه لا دلالة لها على هذا المدعى والمراد منها ـ کما ذکرنا مرارا ـ نوع آخر من الملکية المعروفة، وهي تکون في طول هذه الاملاک التي لنا لا في عرضها، کما ذکروه في ملکية الموالي والعبيد بالنسبة الى مکتسبات العبيد، واوضح منها ملکية الله تعالى لجميع ما في السماوات والارض، وفي الحقيقة هو المالک الاصلي وهذه الاموال اماناته عندنا.
ومن الواضح ان هذا النوع من الملکية لا تنافي ملکية الناس لاموالهم.
* * *
هذا واستدل للقول بان المعادن من المشترکات المباحات بامور:
1ـ الاصل: اي أصالة الاباحة وعدم الملکية لاحد بعد ضعف روايات الباب سندا او دلالة، وذهاب المشهور على خلافها فلا جابر لها.
وفيه: ما عرفت من صحة الاستدلال بالروايات بعد ضم بعضها ببعض فالموثقة صحيحة سندا، والروايات الثلاثة الباقية واضحة الدلالة وبعد انضمامها تکون حجة على المقصود، مضافا الى القاعدة المصطادة من اخبار الانفال.
2ـ السيرة المستمرة في جميع الاعصار والامصار حتى في زمن تسلطهم ـ عليهم السلام ـ على الأخذ من المعادن بغير اذن منهم حتى ما کان في الموات الذي قد عرفت انه لهم، او في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين فهذه السيرة المعاضدة للشهرة، ولقوله تعالى: «خَلَقَ لَکُمْ مَا في الاَرْضِ» ولشدة حاجة الناس الى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء والنار والکلاء (هکذا ذکره في الجواهر في کتاب احياء الموات).
وفيه: ان السيرة لا تکون دليلا الا على جواز الاخذ منها، والجواز هذا کما يمکن ان يکون بسبب کونها من المشترکات، يمکن ان يکون مستندا الى اذنهم العام في الأخذ من الانفال وان من احياها فهي له.
وان شئت قلت: سبيل المعادن سبيل اراضي الموات، فکما ان جريان السيرة على تملکها بالاحياء لا يکون دليلا على کونها من المباحات الاصلية فکذلک بالنسبة الى المعادن.
3ـ الاخبار الکثيرة القريبة من التواتر بل المتواترة الدالة على ان المعادن مما يجب فيه الخمس، وهو مناف لکونها من الانفال اذ لا معنى لوجوبه في مال الغير (حکاه في الرياض واستدل به غيره).
والانصاف انها ايضا لا تدل على المقصود، فکما يمکن ان يکون جواز تملکها ثم اداء الخمس منها بسبب کونها من المشترکات، فکذلک يحتمل کونه من باب اذنهم ـ عليهم السلام ـ في مطلق الانفال، بل من لدن عصر النبي.
وان شئت قلت: ان هذه الاخبار لا تعارض الاخبار السابقة الدالة على کونها من الانفال، بل طريق الجمع بينهما واضح، فالثاني دليل على کونها من اموالهم ـ عليهم السلام ـ والاول دليل على اذنهم في التصرف فيها بل وتملکها.
ومن هنا يظهر الاشکال فيما افاده في الرياض من ان هذا الجواب انما يتماشى على تقدير کونها له فيرتکب جمعا، والا فلا ريب انه خلاف الظاهر.
4ـ وقد يستدل له کما ذکره المحقق الميلاني في محاضراته في المقام بما دل على ان الارض المفتوحة عنوة للمسلمين سواء کانت ذات معدن ام لا.
ثم اجاب عنه بما حاصله: ان المعادن خارجة عن اسم الارض والعنوان هناک هو الاراضي المفتوحة عنوة، وبعبارة اخرى ليس مفادها الا ما يؤخذ عنوة منهم مما هو لهم لا ما ليس لهم بل هو من اصله لغيرهم، کالانفال التي کانت المعادن منها (انتهى ملخصا).
اقول: خروج المعادن کلها عن اسم الارض غير ثابت بل کثير من المعادن يصدق عليها اسم الارض قطعا، کمعادن الجص والنورة وانواع الاحجار التي يستفاد منها في الأبنية ومعدن الاسمنت وکثير من معادن الفلزات التي تکون بشکل الاحجار او التراب، نعم معادن النفط وشبهها خارجة عن مسماها.
فالاولى ان يقال في الجواب: ان الادلة السابقة الدالة على ان المعادن کلها للامام وان کانت نسبتها مع اطلاقات المفتوحة عنوة بالعموم من وجه، ولکنها في مفادها اظهر واقوى منها فيقدم عليها.
ولو سلم الاشکال في خصوص ما يوجد في الاراضي المفتوحة عنوة، فلا اشکال في المعادن التي تکون في الموات وهي عمدة المعادن.
ومما ذکرنا ظهر وجه القول بالتفصيل بين المعادن الموجودة في الموات وغيرها، وقد تلخص مما ذکرنا ان القول بکون المعادن من الانفال هو الاقوى ولکن تفاصيله يأتي فيما يلي.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وقد يلحق بهذا القسم ـ اي القسم الثاني من الانفال ـ امران:
الإمام عليٌّ(عليه السلام)
الإيثارُ زِينةُ الزُّهْدِ
ايثار، زيور پارسايى است
ميزان الحکمه، جلد 1، ص 22
لا يوجد تعليق