بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة الدرس السابق :
البحث في المسألة 17 حول انه هل يمکن للانسان ان ينظر الى تمام بدن محارمه ما عدا العورة او لا ؟
وفي هذه المسألة لدينا ثلاثة اقوال:
القول الاول: قول من کان يقول بالجواز، بل نسب ذلک الى المشهور .
القول الثاني: قول من کان يقول بانه يجوز النظر الى المقدار الذي تعارف عدم ستره في المنزل، يعني يجوز للمحرم ان ينظر الى الرأس من محارمه والوجه والشعر والرقبة وبعض من الصدر وبعض من الساقين والساعدين ولا يجوز له اکثر من ذلک .
القول الثالث: قول من يقول ان محارم الانسان مثل الاجانب لا يجوز له النظر الا الى وجوههم واکفهم واقوامهم فقط لا غير.
ادلة القول الاول المشهور.
والعمدة من ادلة القول الاول شيئان:
الدليل الاول: الاية 31 من سورة النور حيث قد ورد فيها قوله تعالى {قل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها}(النور: 31)، حيث يستفاد من هذه الاية ان زينة المرأة على قسمين:
1ـ زينة ظاهرة. 2ـ زينة باطنة، والزينة الظاهرة يجوز اظهارها للجميع ، والمراد من الزينة الظاهرة الزينة التي تکون في الوجه او في اليدين الى المعصم ويُمثّل لها بالخاتم او الکحل في العين وامثال هذه من الامور التي سنبحثها مفصلا ان شاء الله فيما بعد في بحث الزينة الظاهرة، والتي تفرق عن تزيينات هذه الايام.
واما الزينة الباطنة فهي مثل العقد والحَلَقَ والخلخال والسوار وسوار العضد وغيرها مما يعد من الزينة الباطنة .
والقران يقول ان الزينة الظاهرة يجوز اظهارها للجميع ، واما الزينة الباطنة فلا يجوز اظهارها الا للمحارم وها هنا دلالة التزامية بينة مفادها انه حينما يجوز اظهار الزينة الباطنة للمحارم فمن البين حينئذ انه يجوز اظهار مواضعها فالعقد في الرقبة ويجوز اظهاره للمحارم فمحله وهو الرقبة ايضاً يجوز اظهارها ، وکذلک يجوز اظهار مقدار من الصدر باعتبار انه محل للزينة ايضاً، واذا کان يجوز اظهار الحلق فأيضاً يجوز اظهار الاذن لانها محل الحلق، والخلخال الذي يکون في مفصل الساق إذا کان يجوز اظهاره فأيضاً يجوز اظهار نفس المفصل، إذاً لازم اظهار الزينة هو اظهار محل الزينة ايضاً، والزينة بمعناها الحقيقي هي نفس الزينة، ومن هنا يعلم انه لاوجه لما صنعه البعض من تفسيره الزينة بمواضع الزينة، فالزينة تعني نفس الزينة واما مواضعها فيعلم حکمها بالدلالة الالتزامية لا ان معناها مواضع الزينة کما هو الظاهر من عبارات البعض. ونحن إذا کنا نريد ان نفسر الزينة بمواضع الزينة فيجب علينا اما ان نقدر واما ان نرتکب المجاز، وکلاهما خلاف الظاهر، فاذا قلنا ان قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن} نقدر فيه کلمة مواضع فيکون (ولا يبدين مواضع زينتهن) او ان لا نقدّر شيئاً بل بعلاقة الحال والمحل نقول: ان الزينة يقصد منها مواضع الزينة فهذا التقدير وهذا المجاز کلاهما خلاف الظاهر. واما إذا اخذنا الزينة بمعنى نفس الزينة تکون النتيجة ان هذا هو المعنى الحقيقي وغيره -أي محل الزينة- يفهم بالدلالة الالتزامية .
ومن هنا يعلم انه يمکن ان يستفاد من هذه الاية ان المرأة لا يمکنها ان تظهر لباسها الزيني لغير المحرم، فالالبسة الزينية التي تلبس تحت الثياب والملونة وذات موديلات مختلفة ولها جنبة تزيينية إذا لبستها المرأة وبانت من تحت التشادر ـ العباءة ـ ولو انها کانت تغطي تمام البدن فنحن نقول بان هذه ايضاً حرام.
الثمرة العلمية للقول بان معنى الزينة في الاية هو نفس الزينة لا مواضعها
وعلى هذا فما قلناه هنا من انه لا يوجد تقدير في الاية ولا مجاز بل الزينة مستعملة في معناها الحقيقي وبالدلالة الالتزامية يفهم حکم مواضعها له ثمرة عملية، وتظهر هذه الثمرة في لباس الزينة الذي يستر ما تحته بشکل کامل، وهذا اللباس لباس زينة، والاية تقول (ولا يبدين زينتهن) وهو من الزينة الباطنة إذاً لا يجوز اظهار هذا اللباس الا للمحارم والزوج.
سؤال : نحن نعلم ان الاعراف تختلف في هذا المجال؟
الجواب: التفتوا جيدا، في تمام الاعراف هناک البسة للزينة لا تلبسها المرأة امام عامة الناس بل هي البسة خاصة بداخل المنزل اما امام الزوج او على الاقل امام المحارم ولا تلبسها اما غيرهم. واذا اردتم ان تلاحظوا العرف في صدر الاسلام فانه لم يکن عرفا کالعرف الغربي بلا أي ضوابط او قيود بان يخرجوا عراة مثلا او بلباس السباحة ، هذا شيء لم يکن موجودا.
وعلى کل حال علم معنى الاية الشريفة بالنسبة لکلا الزينتين ، والان نصل الى استخلاص النتيجة ، وفي مقام اخذ النتيجة نقول: ان هذه الاية لا انها فقط لا تدل على القول الاول المشهور بل انها تدل على القول الثاني، والعجب من انهم استدلوا بهذه الاية على القول الاول وانه يجوز اظهار تمام البدن ما عدا العورة، فليس لها أي دلالة على القول الاول بل لابد ان يعد هذا دليلا على القول الثاني الذي يقول بجواز اظهار مواضع الزينة فقط، وليس لها أي دلالة اکثر من هذا المقدار.
الدليل الثاني: واستدل للقول المشهور ايضا بالروايات، وهي روايات متعددة وردت في باب غسل الميت يراد تعديتها لما نحن فيه، فهناک روايات متعددة تقول بانه إذا فقد المماثل فان محارم المرأة حينئذ يغسلونها غسل الميت بعد ان يغطوا عورتها، وظاهر هذه الروايات هو جواز ان تکون المرأة عارية امام محارمها الرجال في ما عدا العورة حين الغسل ، وکذا جواز ان يکون الرجل عاريا امام محارمه من النساء في ما عدا العورة حين الغسل. وجميع هذه الروايات في الباب 20 من ابواب غسل الميت من المجلد الثاني من وسائل الشيعة.
(1) رواية الحلبي:
واما الحديث 3 من الباب 20 فهو ما عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن عماد بن عثمان عن الحلبي - وتمام رجال السند من الافراد المعروفين والمعتبرين - عن ابي عبد الله (ع) انه سئل عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله الا النساء، قال : (تغسله امرأته او ذات قرابته ان کانت له، ويصب النساء عليه الماء صبا) أي يصب محارمه الماء على بدنه العاري من غير ان يلمسوه بايديهم ؟ اولا، بل غير محارمه يساعدون في تغسيله فيصبون الماء ومحارمه يمسحون الماء بايديهم ؟ أي من هذين الاحتمالين هو المقصود هنا؟
هناک روايات اخرى تشهد على ان المحارم ايضا لا يجوز لهم ان يلمسوه بايديهم حيث قد ورد في بعض الروايات (وتلف على يديها خرقة) فلا تملس بدنه ولو کانت من المحارم، وهنا يفترق اللمس عن النظر.
فدلالة هذه الرواية الى هذا الحد لا بأس بها، أي ان ظاهرها هو انه لا اشکال في عدم ستر البدن ما عدا العورة امام المرأة المحرم حين غسل الميت ، ويمکننا ان نقول: ان هذا حال الممات وکذلک الحکم حال الحياة او انه اولى.
سؤال: هل ان هذا من باب الضرورة؟
الجواب: هو انه في حال الضرورة يجب على النساء ان يغسلنه من فوق الثياب، والامام (ع) لم يقل ذلک، بل قال انه لا اشکال ان تغسله محارمه وهو عار في ما عدا العورة . وهذا في مسألة نظر المرأة الى الرجل، وما هو حکم العکس؟ العکس ايضا يفهم حکمه من الدلالة الالتزامية باعتبار انه إذا کان المناط هو المحرمية فان کلا منهما محرم بالنسبة الى الاخر، فکما يجوز للمرأة ان تنظر الى بدن محارمها کذلک يجوز للرجل ان ينظر الى بدن محارمه بلا اشکال.
ومن هنا يعلم ان حکم النظر مختلف عن حکم اللمس في هذه المسألة ، وهذه علامة استفهام في هذا الحديث، فالى أي حد تفترق مسألة النظر عن مسألة اللمس، فهل نقول بذلک ايضا في الاحياء ؟ أي انه يجوز النظر الى بدن المحارم الاحياء واما اللمس فلا.
سند هذه الرواية حسن وکذلک دلالتها، وظاهرها ان يکون الميت عارياً ولکنها لاتشمل اللمس، فعلى الاقل جملة الذيل فيها ابهام وهو يسري الى صدر الرواية ، واذا کنتم في اذهانکم الشريفة لا زلتم تستحضرون هذا المطلب الذي مر في الاصول وهو انه إذا حفت جملة بما يحتمل القرينية فهذا يسقطها عن امکانية الاستدلال بها، وعلى هذا فجملة الذيل بما انه يحتمل ان يکون المقصود بها المحارم وايضا يحتمل ان يکون المقصود غير المحارم فهذا المقدار يکفي لاسقاط الصدر عن امکانية الاستدلال به بالنسبة لحکم اللمس، واما بالنسبة لحکم النظر فانها تدل عليه.
سؤال : يمکن ان نقول ان جواز النظر کان اضطراريا؟
الجواب: لا يمکن ان يکون جواز النظر اضطراريا، لانه يمکن ان يقال بلزوم تغسيله من وراء الثياب، فلماذا لم يقل الامام (ع) ذلک؟
فخلاصة هذه الرواية هو انه يجوز النظر الى بدن المحارم لکن لا يستفاد منها حکم اللمس.
(2) رواية عمار الساباطي:
الحديث 11 من الباب 20 رواية عمار الساباطي ، وبما ان عماراً فطحياً فاذا کان بقية رجال السند معتبرين فان هذه الرواية تکون موثقة لا صحيحة، لکن بما ان الروايات متعددة في هذه المسألة فاننا لانحتاج الى ملاحظة السند لاننا نعتبر ان تعدد الرواية يکفي لاثبات الصدور ونعيد هنا الکلام الذي قلناه في السنوات الماضية حتى يعلم السادة کيف نتعاطى مع بحث اسناد الروايات.
الطرق الاربعة لقوة السند
قلناان قوة السند تثبت باربعة طرق:
الطريق الاول: ان يکون الراوي ثقة .
الطريق الثاني : عمل المشهور، فاذا کانت الرواية ضعيفة وعمل بها المشهور فانها تقوى وتصبح معتبرة ويمکن الاستناد اليها.
الطريق الثالث: تظافر الرواية، بأن تکون الروايات متعددة ثلاثة او اربعة وفي الکتب المعتبرة حتى لو کانت ضعيفة السند فهذا التظافر والتکاثر يوجب قوة السند.
الطريق الرابع: محتوى الحديث، فاحيانا يکون المحتوى لا يمکن صدوره عن غير الامام (ع) ومثّلوا له بخطب نهج البلاغةالتي وصل لنا اکثرها بشکل مرسل، فمع انها خطب مرسلة ومن غير اسناد مشخصة الا ان محتواها محتوى عال جدا ولا يمکن ان يترشح عن غير فکر وروح وشخصية الامام (ع).
وفي ما نحن فيه الروايات متظافرة فعن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (ع) في حديث ـ في الصبية لاتصاب امراة تغسلها ، قال: (يغسلها رجل اولى الناس بها)، فالرجل الذي هو اولى الناس بها يعني يکون محرما لها هو الذي يغسلها حينئذ. والصبية بمعنى البنت غير البالغة او الاعم منها ومن البالغة ؟ الظاهر ان معناها اعم، فلا تنحصر بالبنت غير البالغة والعرب يقولون لبنت التسع او العشر سنوات صبية من غير تجوّز وعلى هذا فمعناها اعم ، وبما ان معناها اعم نأتي نحن ونستدل بهذا الحديث وليس فيه تقييد بکون الغسل من وراء الثياب، فيکون دليلا على ان المحرم يجوز له ان ينظر الى الصبية من محارمه ويغسلها بعد موتها.
وهذا الحديث على عکس الحديث السابق، ففي صحيحة الحلبي المرأة تريد ان تغسل الرجل من محارمها ، وفي هذا الحديث الرجل يريد ان يغسل الصبية من محارمه.
(3) رواية عمار بن موسى:
الحديث (5) من نفس الباب ما عن عمار بن موسى ـ وهو نفس عمار السابق الا انه ذکر بشکل اخر ـ عن ابي عبد الله (ع) (انه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ، ومعه رجال نصارى معه عمته وخالته مسلمتان) في باب الطهارة نحن نقول ان الحق هو طهارة اليهود والنصارى، منتهاه بالنسبة للمسلمين الذين يکونون في بلاد الاسلام نحن نقول لهم بان يحتاطوا.
فنحن لدينا ادلة مختلفة على طهارة اهل الکتاب واحدى هذه الادلة هي الروايات الواردة في باب الغسل، لانه إذا کان اهل الکتاب محکومين بالنجاسة فلا يمکن ان يغسل الميت بماء نجس.
سؤال: إذا کان لديکم دليل على الطهارة فلماذا تحتاطون؟
الجواب: نحتاط لاجل ان لاتختلط حياة المسلمين مع حياتهم.
(کيف يصنع في غسله ، قال: تغسله عمته وخالته في قميصه) فهل ان تغسيله من وراء القميص يوجب ان يکون تمام بدنه مستوراً؟ او انه في اثناء الغسل لا محالة سوف يظهر شيء من بدنه؟ فما يقال هنا من ان عمته او خالته تغسلانه من وراء القميص معناه انه بالتالي سوف يظهر بعض جسده والعمة والخالة يمکنهما رؤيته بعکس الاخرين، والا إذا لم يکن يبين شيء فما هو الفرق بين العمة والخالة وسائر النساء المسلمات؟.
( ولا تقربه النصارى) ، وهذا کان عن الرجل الميت الذي تريد محارمه ان تغسلنه ، (وعن المراة تموت في السفر وليس معها امراة مسلمة ومعهم نساء نصارى، وعمها وخالها معها مسلمون ، قال: يغسلونها ولا تقربنها النصرانية، کما کانت تغسلها، غير انه يکون عليها درع) يعني يجب ايضا عندما يغسل العم او الخال المراة المحرم ان يکون عليها درع، وهو القميص.
حسنا القميص يستر جسدها لکن يظهر الرأس والرقبة وبعض من رجليها ويديها، فنقول ان هذا يکون دليلا على جواز نظر المحرم الى بعض جسد محارمه.
فمن هذه الاحاديث الثلاثة التي قرأناها (3-5-11) الحديث ر قم (3) کان احسنها دلالة، حيث لم يکن فيه قميص ولا درع، وظاهره انه يجوز حتى تعريته (طبعا ما عدا العورة) فهذا الحديث هو افضل حديث يمکن ذکره دليلا للمشهور.
اما الروايتان الاخيرتان (5-11) اللتان ذکرناهما فيمکن الاستدلال بهما بمقدار ما، مثل الاية، فيمکن الاستدلال بها على جواز النظر الى بعض اليدين والرجلين لا اکثر.
وارجو ان تطالعوا ليوم غد ، حيث انه في هذه الروايات يوجد روايات متعددة تقيد ما سبق ، فتلک الروايات المقيدة ماذا نفعل بها في مقام التعارض مع هذه الروايات، هل نحملها على الاستحباب او التقييد ؟
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة الدرس السابق :
البحث في المسألة 17 حول انه هل يمکن للانسان ان ينظر الى تمام بدن محارمه ما عدا العورة او لا ؟
وفي هذه المسألة لدينا ثلاثة اقوال:
الإمامُ علىٌّ(عليه السلام)
جَعلَ اللهُ لِکُلِّ شىّء قَدْراً، ولِکُلِّ قَدْر أجَلا
خداوند براى هر چيزى اندازه اى گذاشته است و براى هر اندازه اى سرآمدنى
ميزان الحکمه، جلد 1، ص 46
لا يوجد تعليق